تناولت الأنباء العالمية خبر قيام (83) نائباً من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، من أصل (100) عضو، ومن كلا الحزبين، بالتوقيع على عريضة موجهة إلى الرئيس الأميركي "باراك أوباما"، يحثونه على زيادة المساعدات المادية والعسكرية لإسرائيل، والبالغة حالياً (3.100) مليار دولار سنويا.
إسرائيل تريد أن تصل هذه المساعدات إلى خمسة مليارات دولار، بينما استعدت إدارة "أوباما" لزيادتها إلى (3.700) مليار دولار، و"نتنياهو" متحير ما بين قبول العرض الأميركي، وإبرام الصفقة مع الإدارة الأميركية للعشر سنوات القادمة، أو تأجيلها لانتظار الرئيس القادم للبيت الأبيض، بعد الانتخابات الأميركية، وبعد نهاية ولاية الرئيس "أوباما" في مطلع عام 2017 وهناك في إسرائيل من تطالبه بالصمود بانتظار الرئيس القادم، وفي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، قال معظم المستطلعين أن أياً من المرشحين للرئاسة، سيكون أفضل لإسرائيل من الرئيس "أوباما"، فيما أفاد محللون عسكريون إسرائيليون أن المساعدات والدعم العسكري الذي قدمه الرئيس "أوباما" لإسرائيل، في ولايته التي تواصلت ثماني سنوات، كانت من أكثر الإدارات الأميركية سخاءً لإسرائيل، وأن الإدارة الأميركية الحالية جاهزة لتوقيع اتفاقية المساعدات العسكرية لإسرائيل، والتي ستكون أكبر صفقة مساعدات تعقدها مع إسرائيل، والتي ستحصل على أكثر من نصف المساعدات الأميركية، المقدمة لمجموع الدول التي تتلقى مساعدات أميركية، مما يظهر الجحد الإسرائيلي، ونكران الجميل، لكن إسرائيل تعتمد على لوبياتها الصهيونية في الولايات المتحدة، وعلى الكونغرس بشقيه الموالين لها، للحصول على المزيد من الدعم الأميركي المادي والعسكري والاقتصادي والسياسي، والذي لا يعرف أحد نهايته.
المرشح الأميركي الديمقراطي للانتخابات الأميركية الذي لم يوقع على العريضة الموجهة للرئيس الأميركي كان بيرني ساندرز، من بين (17) من أعضاء مجلس الشيوخ الذين رفضوا التوقيع، وأعلن عن معارضته منح مساعدات عسكرية غير مسبوقة للسنوات العشر القادمة، مع أنه يهودي، وعاش في إسرائيل فترة من الزمن، فأثناء المعركة الانتخابية الجارية على ترشيح حزبه الديمقراطي له، والذي ينافسه في هذا الترشيح "هيلاري كلينتون"، اتهم إسرائيل بارتكاب المذابح ضد الأبرياء في غزة، وهاجم السياسة الإسرائيلية، مما أثار القلق في إسرائيل، وقلل من فرصته لنيل ترشيح حزبه، وعزز من فرصة "هيلاري كلينتون" للفوز بالترشح، والتي تقول في جملتها الانتخابية بأن إسرائيل ليست موضوعاً للنقاش، فمواقفه هذه تتعارض مع السياسة الإسرائيلية وبالتالي ليس له فرصة بالفوز.
وفي بريطانيا اقترحت نائبة البرلمان "ناز شاه" من حزب العمال البريطاني، أنه طالما الولايات المتحدة حريصة على إسرائيل وأمنها واقتصادها، وتدعمها سياسياً في جميع المنابر الدولية، فيجب نقل إسرائيل للولايات المتحدة وهذا سيؤدي إلى هدوء واستقرار منطقة الشرق الأوسط، ولكي تعود الحقوق للشعب الفلسطيني، فما كان من حزبها ورئيسه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون" إلا معاقبتها وتعليق عضويتها في الحزب، جراء أقوالها ضد إسرائيل.
من المستبعد قيام الولايات المتحدة، بدور إيجابي تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته والقضايا العربية الأخرى، مع أن الفلسطينيين والعرب استبشروا خيراً بوصول "أوباما" إلى البيت الأبيض، وكان له في بداية ولايته مواقف إيجابية ضد الاستيطان الإسرائيلي، ومع إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، غير أن النفوذ الصهيوني، واللوبيات اليهودية الأميركية، كانت أقوى من توجهات "أوباما"، فخضع للضغوط ووقف إلى جانب إسرائيل، رغم خلافاته مع "نتنياهو" التي لم تؤثر على دعمه لإسرائيل اقتصادياً وعسكرياً دون أن يربط هذا الدعم بحل الدولتين، الذي ينادي به شخصياً فـ"أوباما" يدين ويعارض ويندد بمشاريع إسرائيل الاستيطانية، لكنه يلجأ إلى "الفيتو" حين يطرح في مجلس الأمن المطالبة بوقف الاستيطان، حتى أنه في عام 2011، لجأت الولايات المتحدة إلى "الفيتو" مقابل موافقة (14) دولة على وقف الاستيطان، وكانت الولايات المتحدة الوحيدة من بين أعضاء المجلس، الذين عارضوا قرار وقف الاستيطان ولجأت –كما ذكرنا- إلى "الفيتو".
إن الكونغرس الأميركي بشقيه يتبنيان القضايا الإسرائيلية بشكل أعمى، فإسرائيل تطالب الإدارة الأميركية بتزويدها بسلة مساعدات عسكرية كبيرة جداً، تطلق عليها تعويضات عن توقيع الولايات المتحدة، على الاتفاقية النووية مع إيران، وتطالب بتزويدها بطائرات من طراز (أف-35) لتكون الدولة الوحيدة التي تحصل عليها، وطائرات حديثة أخرى للتزود بالوقود جواً، وطائرات عمودية، وأخرى عمودية حربية المسماة "أوسفري.في.22" والقادرة على الوصول إلى إيران وذخائر في منتهى الدقة، وصواريخ (حيتس3) لاعتراض الصواريخ البالستية، والحصول على قنابل (MOP) التي تزن (30) ألف باوند والخارقة للتحصينات.
إن كل هذه المساعدات والدعم الأميركي، لا تشفي غليل إسرائيل، فهي في مفاوضاتها مع الفلسطينيين تتذرع من خلال إقامة المستوطنات، ورفضها ترسيم الحدود، وإقامتها جدران وأسيجة داخل الضفة الغربية، وبين حدودها مع مصر والأردن وسوريا ولبنان بالأمن، فقد كتب مدير مكتب رئيس الوزراء السابق "إسحاق رابين" "أيتان هابر"، في جريدة "يديعوت احرونوت 13-4-2016"، أن أميركا في طريقها لهجرة إسرائيل، في أعقاب الشرخ في العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويعتمد الكاتب في مقاله على اتجاهات جديدة في وسائل الإعلام الأميركية، ومن قبل كتاب مرموقين، بتوجيه انتقادات غير مسبوقة لإسرائيل ولسياستها بخصوص إقامة المستوطنات ووضع العقبات أمام التسوية مع الفلسطينيين، في المقابل فإن جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية، تمنت في مقال لها، أن تتوجه الإدارة الأميركية إلى مجلس الأمن، وتدفع بقرار يتعلق بحل الدولتين وفقاً للبند السابع، ويبدو أن هناك بداية تحول في الرأي العام الأميركي، وهناك تساؤل: هل يستطيع الرئيس "أوباما"، الاعتراض على المشروع الفلسطيني، وعلى بنوده الأساسية التي تتحدث عن عدم مشروعية للمستوطنات في الضفة الغربية، وعن الوقف الفوري للبناء فيها، طالما أن المواقف الأميركية المعلنة، تعتبر أن الاستيطان غير شرعي ويتعارض مع القانون الدولي؟
لقد أفادت مصادر إسرائيلية أن توتراً جديداً حدث بين واشنطن و"نتنياهو"، في أعقاب الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس الأميركي "جون بايدن" بتاريخ "19-4-2016"، في مؤتمر "جي ستريت" الأميركية المعتدلة، بقوله حول حدوث استياء كبير من الحكومة الإسرائيلية، وأن الولايات المتحدة ملتزمة بحل الدولتين، والاستياء من البناء الاستيطاني، والتوسع المستمر للمستوطنات، وقوله أن إسرائيل تدفع إلى طريق خاطئة، تقود إلى استمرار الصراع والعنف والنشاطات الانتقامية إلى ما لا نهاية؟ والمستشارة الألمانية "ميركل" صديقة إسرائيل، تعبر للرئيس "محمود عباس" في أعقاب لقائهما بتاريخ "19-4-2016"، عن تأييدها للمبادرة الفرنسية، وتشدد على ضرورة وقف البناء الاستيطاني، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي تقول: أن حدود إسرائيل فقط عام 1967 ولتقل إسرائيل ما تشاء، أما ما قالته النائبة في البرلمان البريطاني، فهو الحل الأمثل ولو أن أقوالها نظرية، و"نتنياهو" الذي لا يؤمن بالسلام، ولا بحل الدولتين الذي هو بنفسه تقدم به، يحاول تأجيل الحل، والحفاظ على الوضع الراهن إلى إشعار آخر، أما الأديب الإسرائيلي المعروف أ.ب يهوشع فتحدث في مقاله عن قصة الخروج من مصر المذكورة في التوراة والتي استندت إليها الحركة الصهيونية، لتبرير احتلالها لفلسطين هي أسطورة، لكنه اعتبر أنه يجب منحها مكانة رغم أن هذه الأسطورة منحت اليهود أرضاً ليست لهم، وهي فلسطين.
بقلم/ غازي السعدي