لماذا رفض نتانياهو طلب القيادة الفلسطينية بعدم اقتحام مدن الضفة الغربية مقابل تواصل التعاون الأمني؟ وهل ستتجرأ القيادة الفلسطينية على اتخاذ خطوات جدية تصل إلى حد وقف التعاون الأمني بالكامل، وتقوم بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، أو تتوقف عن اعتقال المقاومين والشباب والصبايا الزاحفين باتجاه الحواجز الإسرائيلية لمواجهة المستوطنين؟
وما هي ردود فعل نتانياهو على قرارات القيادة الفلسطينية في هذه الحالة، وهل يمتلك البدائل والخيارات المفتوحة أكثر من خيارات القيادة الفلسطينية؟
الأسئلة السابقة تدور في ذهن الشعب الفلسطيني، وهو يفتش عن طريقه السياسية في المرحلة القادمة، ولاسيما بعد أن اصطدم مشروع المفاوضات مع الإسرائيليين بحائط الصد المنيع الذي وضعه نتانياهو في وجه المبادرة الفرنسية التي خلت من الدسم السياسي.
أولاً: من حق نتانياهو أن يرفض المبادرة الفرنسية، وأن يرفض غيرها طالما لا تتوافق مع رؤية حليفة ومنافسة زعيم البيت اليهودي "نفتالي بنت" للحل، والتي تقوم على ضم 60% من أراضي الضفة الغربية، كخطوة أولى على طريق تصفية القضية الفلسطينية.
ثانياً: ترجع أسباب رفض نتانياهو للمبادرة الفرنسية إلى عناصر القوة التي يمتلكها، والتي تمنحه القدرة على فرض إرادته السياسية، وبعد أن أكد له موشي يعلون وزير الحرب باستحالة توقف التعاون الأمني لأن السلطة تحتاج إلى التعاون الأمني أكثر من حاجة إسرائيل إليه.
ثالثا: لقد أفرزت سنوات التنسيق الأمني المقدس مجموعة من الأشخاص والمؤسسات والضباط والقادة والجنود الذين صاروا مرتبطين بمصالحهم مع جهاز المخابرات الإسرائيلي بشكل مباشر، وهؤلاء هم ذخر نتانياهو الاستراتيجي، وهم الذين يقدمون له المعلومة الأمنية دون الحاجة إلى تمريرها عبر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ودون الحاجة إلى قرار رسمي بذلك، وقد اعترف قادة أمنيون إسرائيليون بأن السلطة الفلسطينية لا تقدم لهم إلا 20% من حفظ الأمن، في الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل بحفظ أمنها بنسبة 80% معتمدة على مصادرها الأمنية الخاصة.
يبدو أن واقع الحال في الضفة الغربية يغني عن السؤال، ويفسر حالة التخبط الذي تعيشه القيادة الفلسطينية التي عجزت عن تطبيق قرار المجلس المركزي الذي صدر قبل أكثر من سنة وشهرين، والذي طالب بوقف التنسيق الأمني فوراً، ومع ذلك فاللجنة المركزية لحركة فتح تناقش وقف اللقاءات الثنائية، مع الإبقاء على التعاون الأمني قائماً، وأزعم أن هذه الحالة من التخبط هي التي أثرت في استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة "أوراد" في شهر مارس الماضي، حيث ارتفعت نسبة التأييد لاستخدام الوسائل المسلحة ضد جنود ومستوطني الاحتلال إلى 87%، وهذا يعني أن التأييد للتنسيق الأمني لا يتعدى نسبة 13% فقط، وهذا ما أكده استطلاع الرأي الذي أفاد أن نسبة 14% من الفلسطينيين فقط، هم الذين يؤيدون مقولة محمود عباس الشهيرة: بأن الانتفاضة الحالية "الهبة الشعبية" تعبر عن حالة إحباط الشباب، أي أن 87% من الفلسطينيين لا يتوافقون مع منهاج محمود عباس السياسي.
ولكن المفاجئ أكثر في استطلاع رأي مؤسسة "أوراد" هو تراجع التأييد لعقد مؤتمر دولي يفرض الحل على الجانبين، فجاء التأييد بنسبة 14% فقط. وهذه النسبة تتعارض كلياً مع أفكار عباس، الذي يتوسل كل الوقت لعقد مثل هذا المؤتمر.
فإذا أضفنا إلى النسب السابقة نسبة 17% من الشعب الفلسطيني فقط، تؤيد المقاومة غير العنيفة، فمعنى ذلك أننا أما حقائق رقمية مذهلة، لا يرتقي فيها التأييد لأفكار محمود عباس ومنهاجه التفاوضي وقناعته السياسية عن 14% إلى 17% كحد أقصى.
واقع الحال هذا يملي علي الشعب الفلسطيني أن يرتب بيته الداخلي أولاً، كخطوة أولى على طريق تصحيح مساره السياسي من خلال قيادة جديد قادرة على ضبط إيقاع الوجود وفق الموجود من امكانيات وطاقات وثقة بالنفس، وقدرات قابلة للتبلور وقادرة على التطور من خلال المواجهة اليومية للمؤامرة التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
د. فايز أبو شمالة