صوتكم وأقلامكم هو سلاحكم !!!

بقلم: رامي الغف

من حق صحفيينا وإعلاميينا اليوم ان يحتفلوا باليوم العالمي لحرية الصحافة، وان يتفاخروا امام جميع صحفيي العالم بأنهم انجزوا اعلاما مميزا، حرا، ومؤثرا، وانهم قد برزوا قضايا شعبهم وحقوقه ومشاكله وهمومه، في كافة المنابر والصحف والمواقع الإعلامية المحلية والعربية والدولية، في الوقت الذي قد تجاوزوا تلك المراحل السوداء التي انعدمت فيها الصحافة في الوطن الفلسطيني أيام الإحتلال الصهيوني لأضينا الفلسطينية وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لقد ظل الانتساب الى الأسرة الصحفية الفلسطينية في وطننا ينظر له من باب التفاخر والشعور العميق بالسعادة وخصوصاَ لأصحاب الأقلام المبدعة والتي تكتب من اجل قضية وهدف، لان الانتساب الى هذه الأسرة العريقة يعني انك أصبحت واحداً من ممثلي الشعب وضميره اليقظ والمتحفز دائماً للدفاع عنه من أي خطر أو عدو متربص، ولعل أول أعداء شعبنا هو الإحتلال الصهيوني مرورا بالإنقسام والفساد والامية والجهل والخرافة، فلقد لعبت صحافتنا دوراً فاعلاً في تنوير شعبنا من خلال فضح قوات الإحتلال أمام كل العالم، وكذلك قامت بنشر المعارف ونقلت خلاصة تجارب الشعوب فضلاً عن نقل هموم وشجون الجماهير وتبصيرهم.

ومن هذا المنطلق ظل الانتماء والانتساب للصحافة الفلسطينية وعالمها يأسر كل الأحرار والثورين والحالمين بتغير الواقع من خلال أقلامهم لا فوهات بنادقهم، بل وحتى من فوهات البنادق التي كان القلم زنادها القوي لإشعال روح المقاومة في جماهيرنا التي تعاني من اغتصاب حقوقها أو احتلالها وسلب إرادتها.

ولعل قائمة بأكثر من 42 شهيدا وأكثر من 500 جريح، ستكون دليل دامغ وقوي إمام المشككين، والذين كانوا دوما في المقدمة لإبراز قضايا شعبهم وفضح الإحتلال في كل مكان، وكانوا مدافعين عن حق شعبهم من خلال أقلامهم وكاميراتهم وآلات تسجيلهم ومعداتهم التقنية والفنية، فراحوا قربانا للحرية وللحقيقة في وطن عشقوه وقدموا له أغلى ما يملكون.

في فلسطين فان دائرة الانتهاكات ضد الحريات الاعلامية لم تتوقف عن الاتساع، والتي كان آخرها اعتقال سلطات الاحتلال الاسرائيلية، الزميل عمر نزال عضو الامانة العامة لنقابة الصحافيين الفلسطينيين اثناء توجهه للمشاركة في اعمال مؤتمر الاتحاد الاوروبي للصحافيين وتحويله للاعتقال الاداري لمدة 4 شهور وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة.

وما زال الصحافيون والمؤسسات الاعلامية في فلسطين يدفعون ثمنا باهظا لعملهم الدؤوب في تغطية الاحداث بالكلمة والصورة حيث رصد المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الاعلامية "مدى" العام الماضي 2015 ما مجموعه 599 انتهاكا ضد الحريات الاعلامية في الضفة وقطاع (بما فيها القدس المحتلة) أي بزيادة معدلها 16% عما كان سجل في العام الذي سبقه 2014.

وارتكب الاحتلال الاسرائيلي القسم الاكبر والاشد جسامة وخطورة من هذه الاعتداءات (407 اعتداءات - مايعادل 68% منها) في حين ارتكبت جهات فلسطينية مختلفة 192 انتهاكا او ما نسبته 32% منها.

ومنذ مطلع ايار 2015 وحتى اليوم قتل صحافي في قطاع غزة، بينما قتل جيش الاحتلال اثنين من طلبة الاعلام في الضفة الغربية.

ولم تحمل الشهور الاربعة الاولى من العام الجاري 2016 أي جديد ايجابي على صعيد الحريات الاعلامية في فلسطين حيث لم يسجل أي تراجع على وتيرة الانتهاكات التي ما تزال تسير بذات الاتجاه التصاعدي، لا سيما الاعتداءات الاسرائيلية منها، حيث سجل ما مجموعه 125 اعتداء[1] ضد الحريات الاعلامية، ارتكب الاحتلال الاسرائيلي 101 اعتداء منها، في حين ارتكبت جهات فلسطينية في الضفة والقطاع 24 انتهاكا، حيث تمثل الارقام سالفة الذكر مؤشرا صارخا على التحديات والمخاطر التي تواجه الحريات الاعلامية والصحافيين في فلسطين.

إن فرسان الصحافة الفلسطينية الذين يعملون الآن سيكملون المسيرة والرسالة السامية التي يحملونها وسيكونون دوما بالمرصاد لكل أعداء شعبهم ووطنهم وقضيتهم، وهذا يحملنا كلنا مسؤولية جماعية" والكلام موجه خصوصا الى كل من ينتسب الى هذه الأسرة الصحفية " مسؤولية الدماء والجرحى الذين ضحوا، ويزيدنا إصراراً على إكمال المسيرة الرائدة، ولنرتفع عن لغة تبادل الاتهامات والتشكيك بالآخرين وتخوينهم، فنقابة الصحفيين الفلسطينيين ظلت وستظل هي رحم شرعي للصحافة والصحفيين الفلسطينيين، وستذهب الأسماء وستتبدل الوجوه، ويحق لنا إن نختلف فيما بيننا وهذا جائز ومشروع لأننا أول النخب التي يجب إن يقع بيننا التباين في وجهات النظر ولكن علينا إن نلتفت إن لا يؤثر هذا التباين على نهجنا العام وأداءنا ومشروعنا وهدفنا الأسمى الذي ضحى من اجله الزملاء الشهداء والجرحى والأسرى.

إن في الوطن الفلسطيني اليوم فسحة كبيرة وواسعة من حرية التعبير والاعلام الديمقراطي الحر، على الرغم من كل التحديات التي يواجهها الصحفيين والاعلاميون في مواقع الحدث والخبر، فبالاصرار والعزيمة نجح صحفيونا وإعلاميونا في بناء قواعد ثابتة وراسخة للاعلام الحر والنزيه، فالاعلام يجب ان يكون صوت المواطن وصدى الواقع مهما كان مرا، وان لا يكون صوت لأحد إلا للحق وخاصة المسؤولين والمتنفذين، من دون ان يعني ذلك بانه يتبنى سياسة المعاكسة لكل ما يقوله او ينجزه المسؤول، وانما يسعى من اجل ان يقول الواقع بلا تضخيم وتهويل او بخس لحقوق الانجاز ومن يقف وراءه، فهو رسالة يعتمد الحيادية والصدق والمعلومة الدقيقة والتقييم المنصف، وانه حلقة الوصل بين الواقع والمسؤول، من جهة، والمتلقي والمسؤول، من جهة اخرى، ليتحمل المجتمع مسؤوليته ازاء الشأن العام الفلسطيني، وانه ليس دعاية يعتمد التطبيل للمسؤول على لا شيء انجزه، مقابل حفنة من المال او منصب زائل.


لقد نالت صحافتنا الوطنية وسام البطولة والفداءعن جدارة مطلقة، وعبر عقود من الزمن، واستطاع رجال ونساء الصحافة والإعلام الفلسطيني ضرب اروع الامثلة في ايصال الحدث مهما كانت الضريبة التي تفرض عليهم قاسية ومؤلمة، والمساهمة بصورة فاعلة وكبيرة في بناء دولة عصرية ديمقراطية، بل والمحافظة عليها من الضياع او الاستبداد والفساد، عبر مساهماتهم وكتاباتهم في مختلف وسائل الاعلام، بالمقابل فان دماء كثيرة سالت في مختلف مواقع الحروب والصراعات، اضافة الى التصفيات الجسدية والتهديدات والاعتقالات والتعذيب الذي تعرض له الالاف من العاملين في مهنه المتاعب وخاصة من الإحتلال الصهيوني اليربري.

إن العمل الصحفي بالوطن رغم كل ذلك ما زالت تحفه المخاطر والالغام، ولابد من الاشارة الى ان بعض المؤسسات الاعلامية الصحفية لم تسلم من حالات الاعتداء سواء من قبل الإحتلال الصهيوني أو من خلال الاجهزة الامنية او من خلال اطراف مجهولة بهدف اسكات صوت الحق وتغييب الحقيقة ومصادرة الافكار بالإكراه وفرض الهيمنة بلغة التهديد والوعيد، رغم كل الالام التي تعتصر قلوبنا على خسائر فلسطين البشرية وهي تحارب الاحتلال والإنقسام والمحسوبيات والفساد، الا ان الامل بمستقبل افضل هو ما يدفع الجميع لعدم التراجع الى الخلف.

في فلسطين، نحتاج الى صحافة تبتعد عن الانجرار وراء البريق الكاذب او تلميع الواجهات الملوثة، او حتى المجاملات التي تحسب في خانة المصالح الشخصية، فمهمة الإعلامي والصحفي اكبر من جميع المصالح والعناوين والمسميات الفارغة، فهم رعاة أمور شعبهم وهم محامي الدفاع عن المشروع الوطني الفلسطيني والنظام الديمقراطي الحديث النشأة في وطنهم، والمحافظون على استمرار الحرية في التعبير عن الراي داخل المجتمع الفلسطيني، وصوتهم اقوى الاصوات ويزعج الأعداء والمحتلين والفاسدين والفاشلين والمستبدين.

ومن هذا المنطلق يجب على الحكومة وخاصة وزارة الإعلام ان تضع حد للانتهاكات الإعلامية الداخلية والخارجية على سواء من خلال تأسيس هيئه عليا تضم مجموعة من الإعلاميين المهنيين الوطنيين لتنظيم عمل كافة وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من خلال تشريع قانون اعلامي ملائم مع واقع الاعلام في الوطن الفلسطيني، ودعم وإسناد هذه الهيئة لتنفيذ وبسط أوامرها على كل وسائل الإعلام مهما كانت انتماءاتها السياسية والوطنية وتشكيل مراكز لدراسة الواقع الإعلامي في فلسطين في مجال تطوير وسائل الإعلام على أسس إعلامية حضارية وفتح مراكز لتأهيل الإعلاميين وتعريف قوانين الإعلام ورسالة وقدسية هذه المهنة التي لها دور ريادي في تثقيف المجتمع وتزويده بالمعلومات الصادقة، وأخيرا لا يستطيع احد ان ينقذ الإعلام الفلسطيني إلا العاملين فيه واليوم الإعلام الفلسطيني في اختبار وامتحان عسير وحساس لإثبات جدارته وكيفية تعاطيه مع حرية الرأي والكلمة هذه الموهبة اللاهية التي منحت للإعلام الفلسطيني ليقوم بمهامه لخدمة وطنة وشعبه وقضيته الوطنية.

المشكلة هي اليوم في إعلامنا وما هو مطلوب منه؟ وهناك حلول مطلوبه ومنها تشكيل هيئة أو مجلس أعلى للإعلام مهمتهم الأساسية أعداد كوادر وتدريبها على إدارة أية أزمة، وتسليح هذه الكوادر بأهم تقنيات الإعلام وأدواته، تماماً كما يوجد هيئة عليا في أي منظومة مهمة في الحياة، مهمتها الاستعداد الدائم والجهوزية التامة لمواجهة أية حرب إعلامية مضادة كالتي نتعرض لها اليوم من جانب الإعلام الصهيوني والأمريكي.

إنني اشيد بجهود الصحافيين ووسائل الاعلام الوطنية الفلسطينية والتي لم تتوقف عن نقل الاحداث والحقائق رغم كل هذه المخاطر والتحديات.
بقلم/ رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي