الآن وبعد إعلان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو ملكية إسرائيل لهضبة الجولان "إلى الأبد"، بدأت تتضح ملامح استراتيجية الحكومة الإسرائيلية بائتلافها اليميني الحالي، واتجاهها نحو ضم تدريجي للضفة الغربية والقدس وكامل المستوطنات المقامة، إلى إسرائيل. ومنح الإقامة أو الجنسية والهوية الإسرائيلية تدريجا للمواطنين الفلسطينيين كذلك، كما فعلت سابقاً إزاء مواطني الجولان السوري المحتل، باستخدام منطق "التدرج" في هضم وقضم الأراضي التي وقعت تحت الاحتلال في 1967، لتكتمل بذلك سردية الاحتلال الكولونيالي الذي يرى في الأرض واحتلالها واستمرار هذا الاحتلال، المآل النهائي والأخير لسردياته التي لا يرى نهاية لها؛ لا عبر المفاوضات، ولا عبر التنازل عن أراض سبق له احتلالها.
أي أن "التسوية المبتورة" غير المباشرة، التي يسعى الكيان الاحتلالي الإسرائيلي لفرضها والتوصل إليها مع الفلسطينيين، هي تلك "الممكنة" عبر الأمر الواقع، في ظل استمرار وتواصل الاستيطان والاحتلال ضمن "الدولة الواحدة"، بعد مماطلات أكثر من عشرين عاماً لنفي وإفقاد "حل الدولتين" وبضمنه الدولة الفلسطينية، إمكان قيامها، أو التوصل إليه عبر المفاوضات التي يبدو أنها ابتعدت كثيرا لتصير خلفنا، وترك "الأمر الواقع" الاستيطاني الكولونيالي يقرر الخطوات المقبلة.
الخطوة المقبلة التي بدأت ملامحها تتكشف، عبر ما نقلته صحيفة "معاريف" يوم الأحد الماضي، عن رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية شيلا ألدار (من حزب الليكود) من أن البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) سيمرر قريباً مشروع قرار لضم الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل.
وذلك استناداً إلى تعهدات من وزراء ونواب الحزب ومن قادة حزب "البيت اليهودي"، على أن يتم سن قانون يشرّع ضم الضفة الغربية، مشدداً على أن هذا المشروع "سيكون على رأس أولويات كتل اليمين البرلمانية". وقد لقي تأييداً من نائب وزير الحرب الحاخام إيلي بن دهان، القيادي في "البيت اليهودي". حيث نقل عنه قوله في احتفال نظم في الخليل، إن "ضم يهودا والسامرة (الاسم العبري الذي يطلق على الضفة الغربية) هو أمر الساعة. الظروف الإقليمية والدولية تسمح بذلك".
ولهذه الغاية شكل مجلس المستوطنات "لوبي" داخل الكنيست، للدفع نحو سن قانون ضم الضفة الغربية بأسرع وقت ممكن. ووفق ما نقل إعلامياً، فإن قادة مجلس المستوطنات مستعدون لتطبيق قرار الضم بالتدريج "على أن يتم أولاً ضم تجمع أدوميم، الذي يضم كل المستوطنات التي تحيط بالقدس، وعلى رأسها معاليه أدوميم، كبرى مستوطنات الضفة الغربية"، وهو مخطط لا تعترض عليه الحكومة منذ سنوات، بل لطالما سعت لتطبيقه.
وكان وزراء بارزون، مثل وزير التعليم نفتالي بينيت، قد اقترح ضم الضفة الغربية "في شكل متدرج"، على أن يتم في البداية ضم مناطق "ج"، التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية. ومعروف عنها أنها تضم 400 ألف يهودي و70 ألف فلسطيني، ووفق بينيت أنه يمكن أن "نعرض عليهم (الفلسطينيون) إما الحصول على المواطنة الإسرائيلية أو حق الإقامة".
ويبدو أن التحضير لخطوة من هذا القبيل، يحظى بقبول عام في إسرائيل، وذلك على خـلفيـة إجماع إسرائيلي متصاعد حول دور السلطة الفلسطينية الحاسم في الحفاظ على أمن المستوطنين، وتوفير بيئة مناسبة لمشروعهم.
وقد أشار الكاتب الإسرائيلي آفي سيسخاروف في مقال نشره في موقع "والا" العبري الإخباري إلى أن "إسرائيل ليس بإمكانها ضمان أمنها من دون تعاون السلطة الأمني". مشيرا إلى أنه في غضون ستة أشهر منذ الهبة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أحبطت السلطة عشرات العمليات التي خططت لاستهداف المستوطنين والجنود.
في كل هذا الذي يقال ويخطط له، ليس هناك في سلوك السلطة الفلسطينية ما يناقض أو يتنافى مع ما يحدث أو يخطَط له عملياً، لضم الضفة الغربية والقدس بالتدريج، ووفق خطة ضم الجولان "التدرجية" التي نجح الكيان الصهيوني في الاحتفاظ بها حتى الآن، في استغلال بشع، كعادة اليمين المتطرف، للوضعين الإقليمي والدولي، ليعلن نتانياهو الاحتفاظ بها "إلى الأبد".
وها هو "الأبد" ينسحب مرة أخرى، ليطاول الضفة الغربية والقدس، في ظل غياب موقف فلسطيني مقاوم، وحضور طاغ للمواقف المساومة، وموقف التنسيق الأمني الذي بدأت مؤسسات إسرائيل الأمنية والسياسية في استثماره سياسياً وديموغرافياً، سيؤكد حضوره غداً في كل أصعدة التعامل بين الكولونيالية الاحتلالية والاستيطانية، والوضع الوطني الفلسطيني، وهو يتحول على وقع التحولات الدولية والإقليمية إلى مجرد بلديات تصريف أعمال في الضفة الغربية والقدس، وهما بعد الجولان، مثار الضم والإلحاق والمصادرة والتسييج، وصولاً إلى "التأبيد".
ماجد الشيخ
* كاتب فلسطيني