الرئاسة الأمريكية وحكاية إبريق الزيت

بقلم: عدنان الصباح

عادة ما تبدأ الجدة العجوز حكايتها للأطفال المملين الذين يضيقون عليها الخناق برغبتهم بسماع حكاية ليستمتعوا بها ويقضوا وقت فراغهم بسؤالها الخبيث لهم لتنتهي منهم
– هل اروي لكم حكاية إبريق الزيت؟
فيرد الأطفال معا
- نعم
- نعم أو مش نعم أحكيلكم إبريق الزيت
- موافقين
- موافقين أو مش موافقين أحكيلكم إبريق الزيت
- آه
- آه او مش آه أحكيلكم إبريق الزيت
وهكذا الى ان يمل الأطفال الحكاية ويغادرون جلسة الجدة بضحكتها الخبيثة وبالعادة ينسى الأطفال تلك التجربة البائسة لبراءتهم او لرغبتهم بتكرارها لإزعاج جدتهم وممارسة التسلية الوحيدة الممكنة فيكررون الزيارة ويكررون المهزلة, ذاك ما كان الأطفال يحتاجونه في الأيام التي لم يكن لديهم ما يغنيهم عن حكايات جدتهم وتحكمها بتسليتهم أما اليوم فيبدو ان السياسيين هم من باتوا يحتاجون تلك اللعبة لفراغ جعبتهم من أية بدائل.
تلك هي حالنا مع رؤساء امريكا حين يغادرون, بوش الابن وقبل مغادرته البيت الأبيض دعا إسرائيل الى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة, مثل هذه المواقف والتصريحات الايجابية فعلها الكثيرين ومنهم كارتر وبوش الأب حين كان معنيا بموقف العرب الى جانبه في حرب الخليج وكذا فعل كلينتون وبوش الابن وهكذا الى ان وصلنا الى الرئيس أوباما الحالي الذي بات مساعدوه منذ الآن يلمحون الى ان خطابه سيحوي موقفا متقدما للقضية الفلسطينية يورثه للقادم الجديد الى البيت الأبيض وكأن أحدا ممن سبقوا قد ورث ذلك من قبل منذ ما فعله كارتر بكامب ديفيد وما حاول ان يفعله كلينتون هناك مع الفلسطينيين قبل اغتيال ياسر عرفات
هل سنذهب من جديد الى الأمم المتحدة هذا العام أم سننتظر رسالة أوباما الوداعية ليطمئننا انه قال فينا كلمة خير كما فعل كل الذين سبقوه تاركين لنا كسرة خبز نلهو بها عبر رسالة وداع جميلة تزرع فينا أمل جديد لست لدورتين جديدتين للرئاسة الامريكية مع علمنا الأكيد أنها تطمينات كاذبة فعلها وبنفس الطريقة كل الرؤساء الذين سبقوه بل ان بعضهم ذهب الى أكثر من ذلك بعد تركه منصبه فلماذا لا يفعلون ذلك وهم في الحكم ولماذا لا زلنا نكرر القبول بنفس الكذبة وبلا تردد ولماذا نتابع كل سيناريوهات الحمل الكاذب من كل أنواع المبادرات والتطمينات وآخرها كانت المبادرة الفرنسية ونحن ندرك جيدا ان كل ما يدور حولنا ومنذ عقود يندرج فقط تحت مسميات الحمل الكاذب وفزاعة المقثاة والخرافة ولهاية الرضيع وأسوأها تلك الحالة الأبشع حكاية إبريق الزيت التي نستمع لها منذ عقود ولا نحصل إلا على صوت الجريش ثم لا نرى دقيقا.
حكاية المبادرات أزلية منذ الكتب البريطانية الملونة مرورا بقرارات الأمم المتحدة 181 و194 وصولا الى المحاولات العجيبة الغربية لمبادرات لها أول وليس لها نهاية وكل مبادرة كانت تفضي بنا الى خسائر جديدة بدءا من بروتوكول لوزان عام 1949م والذي حصلت إسرائيل من خلال الموافقة الكاذبة عليه على عضوية الأمم المتحدة وغابت فلسطين ولا زالت, وتوالت المشاريع والمبادرات, المشروع النرويجي عام 1952م, مشروع إيدن 1955م, قرار مجلس الأمن 242 1967م, وثيقة شومان 1970م كمبادرة سياسة أوروبية, تسوية دبلن 1975 بجلب منظمة التحرير الى الحوار العربي الأوروبي كجزء من الفريق العربي بسبب رفض امريكا لوجود المنظمة المستقل كممثل للفلسطينيين, قرارات الأمم المتحدة 3236و3637 عام 1974م والتي ظهرت عبر الخطاب التاريخي لياسر عرفات في الأمم المتحدة, قمة لندن 1977م حيث تحدث زعماء اوروبا لأول مرة عن حقوق الشعب الفلسطيني نظريا, كامب ديفيد 1978م, إعلان البندقية 1980م الأوروبيون يدينون الاحتلال ويعترفون بالمنظمة كممثل للشعب الفلسطيني لكن دون الإقرار بأنها الممثل الوحيد, خطة الأمير فهد عام 1981م, مشروع مؤتمر فاس للقمة العربية عام 1982م, خطاب ميتران 1982م في الكنيست الاسرائيلي تراجع عن البندقية وغيرها حسب الموقف الأوروبي, اوروبا تدعو لعقد مؤتمر دولي للسلام 1987م, مؤتمر مدريد 1991م بعد مأساة الخليج والانهيار البشع للحال العربي, اتفاق أوسلو 1993م, قمة فلورانسا 1996م, اتفاق الخليل 1997م, مذكرة واي رفر 1998م, المجلس الأوروبي يدعو لإنشاء دولة فلسطينية 1999م, خطاب بوش وخارطة الطريق عام 2002م, المبادرة العربية 2002م, قرار مجلس الأمن 1402 عام 2002 والذي يدعو إسرائيل للخروج من مناطق (أ) التي أعادت احتلالها, خطة ايالون نسيبة 2002م أيضا, انسحاب الاحتلال من غزة عام 2005م, مؤتمر لندن لتفعيل عملية السلام عام 2005م, المبادرة الفرنسية الايطالية الاسبانية للسلام عام 2006م, مؤتمر أنابوليس الدولي للسلام عام 2007م, مبادرة اوباما للسلام 2011م, زيارات سنوية وقرارات سنوية للأمم المتحدة ومنظماتها تتواصل حتى اليوم وقائمة المبادرات تطول وآخرها المبادرة الفرنسية المرحب بها قبل ان تعلن وخطاب اوباما المنتظر ولا شيء يتغير سوى خطوة للاحتلال الى الأمام وخطوتان الى الوراء لنا.
ألا تكفي قائمة المبادرات والمؤتمرات والإعلانات وما يماثلها للقول أننا عشنا ولا زلنا حكاية إبريق الزيت مع كل من تقدم ليدلي بدلوه في قضيتنا بدءا من الاعلان الوحيد الذي لم يتراجع عنه احد وهو وعد بلفور ومرورا بالانتداب وقرارات الأمم المتحدة على اختلاف أنواعها فلم ينفذ منها شيئا على الإطلاق وعلى مرور الزمن إلا ما كان يعني مصلحة الاحتلال ومن يركز على بروتوكول لوزان 1949م الذي وافقت عليه دولة الاحتلال مقابل قبول عضويتها في الأمم المتحدة سنرى ان هذا البروتوكول كان تكميليا لقرار التقسيم الذي لم ينفذ منه إلا قيام دولة الاحتلال ولم ينفذ من بروتوكول لوزان إلا قبول عضويتها في الأمم المتحدة, لم يعد أطفالنا بحاجة لحكاية الجدة الخبيثة عن إبريق الزيت بعد ان وجدوا ما يملئون به وقتهم فهل فرغت جعبة الساسة لدسنا وفرغ وقتهم ولم يعد لهم إلا استعادة حكاية الجدة الخبيثة بإبريق الزيت الامبريالي لنعاود الكرة أم ان الإبريق الحقيقي ذاك الذي يطل منه رأس الحصان ولا يمكننا القول بذلك فمستشفيات المجانين لن تتسع لنا ان صرخنا بالحقيقة.


بقلم
عدنان الصباح