غزة تبكي الحريق القادم.. كفى

بقلم: عامر أبو شباب

حادثة حرق الأطفال الثلاثة الأشقاء يسرا (3 أعوام)، ورهف (عامين)، وناصر (شهرين) رفعت درجة الحزن والبؤس الى مستويات تتجاوز حدود الصبر وقدرات الاحتمال لشعب ينام على غارة ويصحو على حريق، وبينهما تتمدد الأزمات التي دفعت نايف نصار (33) عام للانتحار حرقا في نفس اليوم.

رماد الأجساد الأربعة المحترقة واجهت رياح الاتهامات المتبادلة بين أطراف عملت على تسليع المعاناة والنفخ في نار الازمة والخلاف، ويتساءل العاقلون: ألا يستطيع الخطباء الصمت في حضرة الأجساد المتفحمة والألعاب المؤدة.

تبا للسياسة وتقاسم سلطة تحت طائرات الاستطلاع وبين حواجز ومعابر تخضع لأحذية الجنود، من يمسح دموع عائلة الهندي؟، من يمنع الحريق القادم ؟ من يحمي جلود الأطفال الرطبة وشعرهم الناعم من نار منتظرة بسبب شمعة تعوض انقطاع الكهرباء، من يمنع الموت القادم؟ .. أم ان الفاجعة قدر غزة الحزينة.

ستصبح الكارثة أرقام في بيانات واحصائيات، ومواقف لحظية فقدت قدرتها على التمثيل والتباكي، وستمر الجنازة ويفتح العزاء آيات من القرآن ثلاثة أيام مثل القهوة مرة وسوداء، وتمر الحادثة ويبقى الدمع وجبة فطور يومية للأب المكلوم ووسادة قلق للأم التي فقدت القدرة على البكاء والتفريق بين وداع العصافير وقبور 3 أرباع قلبها.

بمرور الوقت تُنسي الجريمة اللاحقة سابقتها، وتتحول بمرور الوقت الى كلمات وأرقام باردة، لأن الحريق الذي صنعته أزمة الكهرباء لن يتوقف مع استمرار برنامج 6 ساعات أو 8 في أحسن الأحوال، واقدام الشباب على الانتحار مستمر ما دمت الأزمات تصنع الدوافع والأسباب.

بعد أيام سنصور اعتصام لأصحاب البيوت المدمرة منذ عامين بلا اعمار وأكياس الاسمنت معروضة في السوق السوداء، ويوم الثلاثاء ستجتمع أسر شهداء الحرب الماضة للمطالبة بمستحقات الشهداء، وفي كل الأوقات يواصل الشاب سعيد لولو وزملائه الاضراب عن الطعام لليوم 13 أمام البرلمان من أجل فرصة عمل باسم ربع مليون عاطل عن العمل بغزة، وليس ببعيد هناك الأنفاق تتمدد تحضيرا للحرب والدبابات الاسرائيلية تتقدم وطائرات الاستطلاع تصور الأهداف القادمة بانتظار غارة ليلية جديدة تزيد حالات التبول اللاإرادي خوفا من مخططات المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر.

خلال الشهر الجاري سيلتقي عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق في فنادق الدوحة لتوزيع الابتسامات وتدقيق الحسابات والتفاوض على كل شيء ما عدا مصير الضحايا الجدد ورهف جديدة لا ناصر لها، وفي نهاية الشهر سيجتمع العالم في باريس للبحث عن السلام ومخرج لنتنياهو شراء الوفود العطور الباريسية التي لا تستطيع تغيير رائحة كفن رهف ويسرا وناصر.. والى لقاء سلام قادم بعد المستوطنة العاشرة.

الكل يدرك أن صور المسؤولين مع أسرة الهندي المكلومة أو الاتصال للتعزية والوعد بالتعويض، لا يمنع المسؤولية عن الموت السابق واللاحق، فكل غزة ضحايا سياسات فشلت ومحاصصة لا ترحم، لأن الوقوف أمام جثامين الضحايا لا يغفرها إلا التوبة وطلب العفو ونزع فتيل النار القادمة، لأن كل غزة تصرخ: كفى.
--
عامر أبو شباب
     صحفي
قطاع غزة- فلسطين