إنهم يتوسعون... إننا ننحسر

بقلم: عدنان الصباح

قديما كان اسمها "واد المية" نسبة الى الواد الذي فصل سكانها عن بعضهم حين سكنوا على طرفيه ولذا كان للواد ضفتين شرقية وغربية وظلت البيوت المقامة على الطرفين تحمل اسم الواد ببساطة الطبيعة فسميت "واد المية" بعد ان كانت قديما تسمى "رأس العين" حيث أقيمت البيوت الاولى في القرية, حكومة الانتداب البريطاني غيرت اسم القرية الى "برطعة" لشؤون السجلات وهو الاسم الذي استقرت عليه فيما بعد هذا الواد ضم على ضفتيه أبناء عائلة واحدة ظلوا معا يعيشون هناك كاسرة واحدة حتى الرابع من نيسان عام 1949م حين تمكنت قوات الاحتلال من اعتبار واد المية الفاصل بين طرفي القرية حدودا لها فأقامت الحواجز وفصلت شطري القرية ليحمل كل منها اسم الجهة فصارت "برطعة الغربية" تخضع للاحتلال وظلت "برطعة الشرقية" عربية الى ان جاءت هزيمة عام 1967م ليعاد توحيدها شكلا تحت إدارة الاحتلال كاملة ورغم ان الحواجز العسكرية المانعة بين القريتين قد أزيلت إلا ان واد المية ظل منطقة حرام لا يقترب منها احد وظل الحاجز الطبيعي بين القريتين باعتبارها حدا فاصلا بينهما ولم يجرؤ احد من سكان الطرفين الاقتراب من ارض الواد ومجلسي القريتين ظلا بعيدين عن أي مسئولية عن هذا الواد المهمل فهو لا يقع تحت مسئولية أيا منهم رسميا والأنظمة والقوانين المعمول بها هنا وهناك مختلفة كليا ولا احد من المجلسين معني او مسموح له بصرف أمواله على منطقة لا يدري مصيرها وظل جيش الاحتلال يمنع رسميا أي اقتراب من حرم الواد.
الى ان جاء بناء جدار الفصل العنصري الذي دمر حوالي 2000 شجرة زيتون وامتد لمسافة 2 كم بعرض 50 متر أصبحت ضمن حرم الجدار وتم مصادرتها من أهلها الى جانب حرمان العديدين ممن هم خارج الجدار من الوصول الى أراضيهم داخله وعاش سكان برطعة الشرقية مأساة جديدة فهم باتوا يقعون بين خطين أمنيين الجدار الذي يمنعهم من التواصل مع باقي الأراضي المحتلة عام 1967م والخط الأخضر او واد المية الذي يعتبر فاصلا لهم عن الأراضي المحتلة عام 1948م ويمنع عليهم تجاوزه رسميا بدون تصاريح لذلك, قوات الاحتلال عمدت في شهر 7/2014 الى تدمير وهدم سائر المباني المقامة في حرم واد المية بهدف تخطيط الخط الأخضر وتأكيد الفصل بين شقي القرية, وجود الجدار فرض واقع جديد في القرية التي سهل انعدام الحواجز الأمنية بينها وبين شقها الغربي من وصول المتسوقين من الجهة الغربية إليها حيث الأسعار ارحم من الشق الغربي مما دفع بعديد التجار بفتح محلات تجارية لهم في القرية وازدهرت أسواقها التجارية بشكل لافت وكبير جعلت كبار التجار الفلسطينيين لا يستغنون عن إقامة فروع لمصالحهم هناك.
الزائر لبرطعة اليوم لا يستطيع التفريق بالحدود بين شرقي القرية وغربيها إلا بالنظام والنظافة ومظاهر التنظيم الظاهرة جديا في الشق الغربي والغائبة كليا في الشق الشرقي حيث يستغل المواطنين والتجار هناك كل سم في الارض لصالح استخدامه وسيلة للاسترزاق دون اعتبار لنظام او تنظيم او مظهر او خلافه وبالكاد يمكنك اليوم التعرف على مكان واد المية مما يعني ان جيش الاحتلال يغض الطرف عن ذلك.
إسرائيل ستستغل الفرص القادمة بدءا من الأوضاع السائدة في العالم العربي وانشغال العالم بملهاة داعش الامريكية والتوافق التركي الاسرائيلي والمبادرة الفرنسية ومغادرة اوباما الغياب الرسمي المبرر دوما للرئاسة الامريكية وانشغالنا بتفهيم وتفهم القادم الجديد للبيت الأبيض وفي هذه الأثناء تقوم إسرائيل بجريمتها الأخطر بتمزيق الضفة الغربية كليا بضم الكتل الاستيطانية ونقل ما يمكنها من مواطني القدس الى مناطق السلطة الفلسطينية لتضرب كل العصافير بالحجارة الذي بيدها والجدار جاهز الذي قد يلتهم برطعة ويلتهم بيت حنينا والتلة الفرنسية ويتنازل عن كفرعقب التي لم يكن عدد سكانها من المقدسيين في العام 2000 يتجاوز 2000 مواطن ليصل اليوم الى ما يقارب 60 ألف مواطن مقدسي يحملون الهويات الزرقاء بينما يبلغ اليوم تعداد العيزرية 17 ألف نسمة والعيزرية كانت مساحتها تبلغ 60 ألف دونم تقلصت بفعل الاستيطان الى 11 ألف دونم والمعنى واضح هنا الاحتلال سيتخلص من حوالي 80 ألف مواطن مقدسي مع قليل من الارض ليضم إليه 70 ألف فلسطيني مع معظم أراضي الضفة الغربية بعد ان فعل ذلك في كل القدس.
مصادر الاحتلال تتحدث هذه الأيام عن مشروع جديد لضم الضفة الغربية ويوضح البعض منهم ان ذلك يمكن ان يكون تدريجيا بحيث يمكن ضم مناطق ج أولا وهي تشكل حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية ويستوطن فيها حسب تلك المصادر 400 ألف مستوطن مقالب 70 ألف مواطن فلسطيني ويوضحون ان ذلك سيشمل منطقة ادوميم اكبر موقع استيطاني حول القدس بما يضمن سد استيطاني كبير حول القدس وتفريغ مباشر للمقدسيين وتجريدهم من مواطنتهم عبر التنازل عن مناطق مثل قلنديا والعيزرية وكفر عقب, وفي هذا السياق تأتي المبادرة الفرنسية لذر الرماد في العيون مع الاعلان الرسمي عن استعداد فرنسا لإجراء تعديلات عليها تشمل القبول بضم الجولان وتطبيق القانون الاسرائيلي على المستوطنات وهو ما يسهل على الاحتلال تنفيذ مآربه بالضم العلني وهنا تكمن مأساة أننا نوافق على كل ما يتم إلقاءه لنا من الغرب شريطة ان تعلن إسرائيل رفضها له فتبدأ محاولات الغرب لاسترضائها لتقبل بعد ان نكون نحن قد قبلنا حتى دون ان نعرف والمأساة تتواصل يتوسعون وننحسر يرفضون ونقبل يسكتون ونحتج وعلى الارض خراب واحتلال يتمدد, تلك هي الحقيقة الوحيدة على الارض.

بقلم
عدنان الصباح