اختراق الوعي.....والمال المشروط

بقلم: راسم عبيدات

في ظل ساحة فلسطينية منقسمة على ذاتها،وفي ظل غياب رؤيا واستراتيجية فلسطينية موحدة من قضايا ذات بعد استراتيجي وجوهري كقضايا التطبيع والمال المشروط،وغياب المحددات والثوابت الناشئة عن عن اتفاقيات سياسية مجحفة،حصلت شرعنة رسمية لقضايا مثل التطبيع وتدفق المال المشروط،وتحولت الساحة الفلسطينية الى أشبه ب"البازار" الكثيرون يتلقون مالاً له اهدافه واجنداته التي أولوياتها ليست فلسطينية،والحجة والذريعة خدمة الشعب الفلسطيني وقطاعاته المختلفة،ووجد الكثير من المطبعين في موقف السلطة والعديد ممن هم محسوبين على الصف القيادي في المنظمة او حتى حركة فتح وغيرها من القوى السياسية الأخرى مدخلاً وستاراً وحاضنة وتغطية فيما يقومون به من انشطة وفعاليات تتعارض مع الموقف الوطني،او حتى عقد لقاءات تطبيعية،مما ادخل الساحة وأغرقها في حالة من "التوهان" وفقدان البوصلة والإتجاهات،ونشطت الكثير من الدول والمؤسسات والأفراد اجانب وعرب في عملية إختراق ممنهجة للوعي الفلسطيني،في محاولة لتطويع وقولبة هذا الوعي،بما يخدم توجهاتها واهدافها،بحيث تصبح عمليات التطبيع شرعية ومدخل مهم لتطبيع علاقات اسرائيل مع العالمين العربي والإسلامي كسوق اقتصادي وعسكري وغيرها.

الخطر الداهم ليس فقط في كون التطبيع واللقاءات التطبيعية تجري على المستوى الرسمي السلطوي،وقطاعات ومفاصل مهمة قيادية حزبية وفصائلية،بل في نقل التطبيع الى المستوى الشعبي والمؤسساتي،وما يترتب على ذلك من تنامي نزعة او رؤيا او توجه عند القائمين على العديد من المؤسسات،بأن المهم القيام بانشطة وفعاليات ظاهرياً الهدف منها خدمة الشعب الفلسطيني،في حين يكون الممول او الجهة الداعمة لها اجندات واهداف خفية من هذا الدعم او التمويل،والعديد من أصحاب المؤسسات المنتفعين والمستفيدين هذا الدعم وما يحققه لهم من امتيازات وتحسين في شروط وظروف حياتهم الإقتصادية ومكانتهم الإجتماعية،تصبح اولوياتهم ضمان مصالحهم وإمتيازاتهم،وإستمرار تدفق ووصول الدعم إليهم،بغض النظر عن مصدر التمويل أو تعارضه مع حقوق واهداف وتطلعات شعبنا الفلسطيني.
الجماهير الشعبية "المطحونة" والمنهكة والتي تعيش اوضاعاً وظروفاً اقتصادية صعبة تحديداً في منطقة القدس،بسبب الحرب الشاملة التي يشنها الإحتلال على المقدسيين في كل مناحي حياتهم،والمستهدفة لهم ولكل تجليات وجودهم وبقائهم،فإن جل إهتمامهم يكون في ظل غياب أي دعم جدي وحقيقي لهم من أي جهة فلسطينية او عربية وإسلامية،هو تفعيل البعد الشعبي والمؤسساتي الذي يمكن من خلق وتفعيل حركة الناس والشوارع والأسواق،بما يخلق حالة تشغيلية وحركة تجارية ينتفع منها تجار البلد ومؤسساتها وقطاعاتها المختلفة.

إن أي حركة أو جهد شعبي او مؤسساتي في هذه الجوانب هو محل ومثار تقدير وتثمين،ولكن يجب دائماً أن لا يغيب عن بالنا،بأن هناك ثوابت ومحددات وطنية يجب ان تكون بوصلتنا ومرشدتنا،والمسألة ليست مسألة نظرية او حديث نخبوي،بل هي قضية ذات بعد جوهري واستراتيجي،وطرح البعض بأن الدعم جميعه له اجندات واهداف سياسية،هو محاولة لتعويم القضية،وهنا تكمن الخطورة،فمن هو معاد لشعبنا الفلسطيني ومتنكر لحقوقه وداعم للمحتل في كل إجراءاته وممارساته كالأمريكان مثلاً حكومة ومؤسسات رسمية تمثل الموقف الأمريكي،نحن لسنا بحاجة لكي نجمل صورتها في أذهان شعبنا،وليس هذا فقط، فأي جهة تقدم دعماً لنا مهما كانت،تمس بحقوقنا وثوابتنا يجب علينا عدم التعاطي معها،ولا يوجد فصل ما بين ما هو نشاط مهني أو إقتصادي وغيره مع الوطني والسياسي،فنحن هنا في منطقة نتنفس فيها سياسة،ولكن لا يعني هذا أن لا نبدي مرونة دون أن ننتهك ما هو وطني وسياسي،او نستخدم التكتيك من اجل تنفيذ النشاط والفعالية للوصول للهدف،دون ان نقدم تنازلات تصبح مقدمة لتنازلات اوسع ولكي يصبح الوضع غير الطبيعي طبيعي.

نعم في ظل غياب المرجعيات والموقف الوطني الواضح،تكثر الإجتهادات والمبادرات،التي جزء كبير منها يأتي في ظل غياب لدور وفعل وطني،أو عدم قدرة ما هو موجود من اجسام ومرجعيات على إحتضان تلك المبادرات والأنشطة والفعاليات،او عدم الثقة بما هو قائم وتشكيله النموذج والقدوة،او رغبة قطاع او فئة معينة ان تبادر وتقوم بفعل او نشاط يعبر عن همومها وتطلعاتها ورؤيتها،ويخدم قطاعها او أبناء شعبها في مجالات مختلفة،وهنا نجد أيضاً غياب الموقف والرؤيا إرتباطاً بما هو عام من تشرذم وإنقسام.
حل الكثير من القضايا والمعيقات الناتجة عن ذلك أولاً بحاجة الى تواصل جدي وحقيقي بين كل المكونات والمركبات السياسية والمجتمعية والشعبية،وليس الجدل والصراع والمناكفات على صفحات التواصل الإجتماعي،او تحويل القضية وتقزيمها الى قضية ذات بعد شخصي بين علان وفلان،فالجميع لديه الحرص على المدينة وله الحق في التعبير عن رأيه ووجهة نظره والإجتهاد والمبادرة،ولا يحق لأحد ان يصادر او يمنع حد من القيام بانشطة وفعاليات،ما دام ذلك لا ينتهك الوطني والسياسي والحقوقي لشعبنا،وما دام مصدر التمويل لا يشتم منه رائحة كريهة او تجميلية لصورة من يعادون شعبنا وحقوقه.

نحن بحاجة ان نعزف جميعاً على نفس الوتر والتغريد ضمن السرب وليس خارجه،وهنا يجري رسم محددات ومعايير يجري التوافق عليها وطنياً ومجتمعياً تكون ملزمة،والحديث هنا عن الأجسام الشعبية وليست الرسمية.
وضع النقاط على الحروف والوضوح ووضع المحددات الملزمة للجميع،ليس فيه مساً أو تشهيراً باحد،او تقزيماً لهذا الطرف ونصرة لطرف آخر،بل هي محددات للجميع علينا ان نتفق ونتوافق عليها ونحترمها،دون ان ندخل في المناكفات والصراعات المضرة.

راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين

10/5/2015
0524533879
[email protected]