عودة على اعتداءات المستوطنين، واليهود المتطرفين، ومحاولاتهم لاقتحام المسجد الأقصى، لإقامة طقوس وشعائر وصلوات تلمودية، عبر باب المغاربة الذي أقامه الاحتلال خصيصاً لهذه الاقتحامات، والتي أدت وتؤدي إلى اشتباك حراس المسجد مع المقتحمين، في محاولة لطردهم، رغم أن اقتحاماتهم تتم بحماية الشرطة الإسرائيلية، فقد كثرت هذه المحاولات في الأسبوع الماضي، مع حلول عيد الفصح العبري، حيث أحبطت محاولة المتطرفين لتقديم القرابين، مما حول المسجد الأقصى إلى ثكنة عسكرية لقوات الاحتلال، الأمر الذي أثار المواطنين وقاد لمواجهة مع المستوطنين، حتى أن نائبة الكنيست "زهافا غلاون" –من حزب ميرتس- اتهمت الحكومة بتمويل الجهات المتطرفة التي تحرض في منطقة الأقصى، هذه المواجهات أطلق عليها بالهبة الشعبية ضد الاحتلال وحرب السكاكين، فالمحاولة الإسرائيلية تهدف لتحقيق فكرة التقاسم الوظيفي، بعد التقاسم الزمني للأقصى، إلا أن ردود الفعل العربية والإسلامية أخذت تنحصر بالتصريحات والبيانات المنددة بالمحاولات الإسرائيلية، باستثناء المواقف الأردنية الرادعة، التي تعتمد على الاتفاقيات، والرعاية والالتزام بالوضع الذي كان قائماً، قبل عام 1967 وبعده، والذي سعت المحاولات الإسرائيلية لتغييره بعد عام 2000، فقد عقدت اجتماعات عديدة بين القيادة الأردنية مع الإسرائيليين وبمشاركة وزير الخارجية الأميركية، حيث اتفق على وضع أجهزة تصوير لتوثيق اعتداءات المستوطنين في محيط المسجد، لكنها تعثرت لأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أرادت أن تكون على صلة بغرفة عمليات التصوير، والإطلاع عليها مما أحبط المشروع.
لقد نصت المادة التاسعة المتعلقة بالأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية، وحوار الأديان، في معاهدة السلام بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة إسرائيل، نصت في بندها الثاني على:"تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن"... (انتهى النص)، ومع أهمية هذه المادة التي لا تحترمها إسرائيل، كانت تتمنى أن لا يعطى هذا الدور للأردن، التي تبقى ورقة قوية بيد الأردن للمحافظة على الأقصى والأماكن الدينية الأخرى، كما أن قراري (242) و (338) الصادرين عن الأمم المتحدة يمنعان ضم أراضي عن طريق القوة، والذي يعزز الموقف الأردني بالنسبة للقدس الشرقية عامة، كان الأنسب انتزاع الأردن السيادة على الأقصى والمقدسات في اتفاقية السلام، وبعد التسوية النهائية لحل القضية الفلسطينية، يحول الأردن هذه السيادة للدولة الفلسطينية، لمنع هذا التوتر ومحاولات المستوطنين في اقتحامات الأقصى المتواصلة، على الرغم من تحذير الأردن إسرائيل من انتهاك القوانين والمواثيق الدولية، والمواجهات العنيفة التي تجري بين الشبان الفلسطينيين الغاضبين، مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث حذرت الحكومة الأردنية من التداعيات الخطيرة لاقتحامات الأقصى من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال، ومن الممارسات المتطرفة بحق المصلين في المسجد الأقصى، والتي تعتبر انتهاكاً للقوانين والمواثيق الدولية، التي ستؤدي إلى عواقب خطيرة-حسب الناطق الرسمي بلسان الحكومة الأردنية- وكان رد الحكومة الإسرائيلية بنقل رسالة إلى الحكومة الأردنية بتاريخ "14-4-2016"، مؤكدة فيها التزامها بالوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف بالقدس.
إسرائيل لا تلتزم بالوضع الراهن، الذي كان قائماً حتى عشية الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967، مع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، يصرح مرات عديدة بأن إسرائيل ملتزمة بالوضع الراهن، لكنه لم يقل ولا كلمة واحدة، عن مفهومه للوضع الراهن، إلا أن جريدة "إسرائيل اليوم 3-10-2015"، نشرت تقريراً شاملاً، عن ما اعتبرته تاريخ ولادة الوضع الراهن في منطقة المسجد الأقصى، ويقول التقرير، أن "موشيه ديان"، استجاب للانضمام إلى حكومة بيغن عام 1977 كوزير للخارجية، شريطة أن تلتزم الحكومة بالوضع الراهن في منطقة المسجد الأقصى، وشريطة استمرارية حظر صلاة اليهود في منطقة المسجد الأقصى، وفيما يلي الوضع الراهن مثلما ارتآه "موشيه ديان"، والتعديلات التي أدخلها عليه رئيس الوزراء في حينه مناحيم بيغن:
الوضع الراهن
• إزالة العلم الإسرائيلي من فوق قبة الصخرة، والذي كان جنود المظلات الذين احتلوا القدس قد رفعوه فوقها.
• أخلى فصيل المظليين الذي خصص للبقاء بصورة دائمة في القسم الشمالي من المسجد الأقصى.
• اعتبر المسجد الأقصى بالنسبة لليهود أثرا تاريخيا قديما.
• اعتبر بالنسبة للمسلمين مكانا للصلاة.
• لذا لا يجب أن نضايق المسلمين ونمنعهم من التصرف في المسجد مثلما كان معمولا به قبل 1967.
• يجب الاعتراف بحقهم في مواصلة السيطرة على المكان.
• إيكال الإدارة الداخلية للمسجد وساحته إلى الأوقاف الإسلامية.
• إلغاء الحظر الذي كان مفروضا على اليهود خلال فترة الانتداب البريطاني والحكم الأردني بزيارة المسجد.
• يحظر على اليهود الصلاة في المكان.
• إسرائيل هي المسؤولة عن أمن الموقع المقدس والغلاف الخارجي المحيط به.
• طالب مناحم بيغن بإضافة بند جديد يتمثل في وضع رجال شرطة إسرائيليين في منطقة باب المغاربة على أن يدخل اليهود منه إلى منطقة المسجد.
• إعفاء اليهود من الرسوم التي كانوا يدفعونها مقابل زيارة المسجد، وكذلك إعفاء المسلمين منها.
• بقيت الرقابة على باقي الأبواب المفضية إلى المسجد في أيدي الأوقاف الإسلامية
• رفعت منظمة ليحي وأعضاء حركة "إلى جبل البيت" التماسات إلى المحكمة لتغيير هذا الوضع بدعوى أن إسرائيل أخذت أقدس مكان لليهود وسلمته إلى المسلمين، في حين أن هذا المكان يحتل المكانة الثالثة لدى المسلمين بعد الكعبة ومسجد الرسول محمد. لكن المحكمة قررت أن حق صلاة اليهود في المسجد الأقصى ليس ساري المفعول خشية وقوع حوادث شغب عامة، وخلق كراهية ونشوب صراعات دينية، أي أن المحكمة قبلت قرار الحكومة.
• أسهم قرار الحاخامية الإسرائيلية في تثبيت رأي الحكومة، حيث نص على حظر دخول اليهود إلى منطقة المسجد الأقصى من قبل اليهود سواء كان اليهودي يريد الصلاة أو مجرد الزيارة، وذلك خشية أن يدخل إلى منطقة الهيكل بدون أن يتطهر.
• أدى الجدل الذي نشب آنذاك بقيادة مناحم بيغن إلى اتخاذ الحكومة قرارا ينص على أن يتم توجيه اليهود الراغبين في الصلاة في المسجد الأقصى إلى حائط البراق.
• اشترط ديان انضمامه إلى حكومة مناحم بيغن الأولى بحفاظها على الوضع الراهن الذي صاغه، وحظر صلاة اليهود في منطقة المسجد، وقد وافق بيغن على ذلك.
جماعات يهودية متدينة يطلق عليها "الحريديم" تعارض دخول منطقة الأقصى، فالنائب في الكنيست ورئيس اللجنة المالية "موشيه غفني" - من حزب يهدوت هتوراة- طالب الإسرائيليين بعدم زيارة منطقة المسجد الأقصى، ودعوته هذه تعبر عن موقف الأحزاب "الحرادية" في الكنيست، وقال:"أن اليهود الذين يزورون منطقة المسجد الأقصى يثيرون الحروب، وأن هناك حظر شرعياً مطلقاً على زيارة منطقة المسجد، وأن الحج إليه هو غباء يلحق أضراراً سياسية وأمنية لا يمكن تحملها، "الإذاعة العبرية 28-4-2016"، وكانت منظمة اليونسكو، التابعة للأمم المتحدة، في اجتماعها بتاريخ "15-4-2016"، اتخذت قراراً جاء فيه "ليس للشعب اليهودي أي ارتباط بالحرم القدسي، أو حائط البراق ولا أي صلة دينية، وشطبت اسم جبل الهيكل عن منطقة الحرم القدسي، مع شجب المنظمة للنشاطات التي تقوم بها إسرائيل في القدس الشرقية، والضفة الغربية وقطاع غزة، فقد أثار هذا القرار حفيظة إسرائيل، فـ "نتنياهو" وصف القرار بالسخيف، ولا يوجد مستوى انحطاط لم تصل إليه المنظمة حتى الآن، أما ممثل إسرائيل في منظمة اليونسكو ، فقد عقب على القرار:"حتى بعد أن نجحتم بإصدار عشرات القرارات، وحتى إن واصلتم اتخاذ القرارات، ستبقى القدس عاصمة إسرائيل والشعب اليهودي، لديكم فرصة لتقسيم الشمس في السماء على أن تقسموا القدس".
خلاصة القول، فإن استخفاف إسرائيل بالاتفاقات وبالقرارات الدولية، سترتد عليها آجلاً أم عاجلاً، فصورة إسرائيل وادعاؤها بالدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وفي الأمم المتحدة أخذت تتلاشى، وأصبحت تعيش في شبه عزلة، نتيجة لسياستها الاحتلالية، وأن المقاطعة عليها من قبل جامعات العالم، والتجمعات الحرة تتعاظم، وأصبحت في نظر العالم دولة عنصرية، تعتمد على القوة والبطش، وأنها مهزوزة من الداخل، وما يوحدها العداء والكراهية للعرب فإلى متى تستطيع الاستمرار في هذه السياسة؟
بقلم/ غازي السعدي