شمع يحرق شمعا

بقلم: عدنان الصباح

احترقت اجساد ناصر ورهف ويسرا الهندي في قطاع غزة, انهارت الشمعة الوحيدة فوقهم وأشعلت اجسادهم وأبدا لم تكن تلك الشمعة لتفعل ذلك لو انها وجدت من يدرك كيف ينام فقراء غزة ولو ادركت ان احدا فينا يعرف اين تكمن حقيقة مأساتنا ولو أدركت ان الكل الفلسطيني يشعر بكله وينتمي لكله وان وجع الفقراء يطال اولئك الذين يقتربون من الفقر عن بعد او من هم اقل فقرا حتى ولو بقليل القليل وكأن كل واحد فينا صار وطنا لذاته وبذاته, ولو كانت اجساد رهف وناصر ويسرا تنام في بيت آخر لما كانت هناك شمعة يتيمة فقيرة بدون قاعدة وبدون حماية وهم رهف وناصر ويسرا لم يعيشوا ليعرفوا ان هناك بيوتا فلسطينية لا تنطفيء بها الكهرباء لا في غزة ولا في رام الله ولا في القدس ولا في حيفا, وأن هناك بيوتا لا يوضع فيها الشمع على الارض بل في أواني فاخرة, وهم احترقوا دون ان يعرفوا ان الشمع يستخدم لدى البعض لليالي الرومانسية, وهم احترقوا على ما يبدو ليبقى لدى البعض متسع من ليل رومانسي ملعون كوجوههم, رهف ويسرا وناصر احترقوا دون ان يعرفوا ان هناك بيوتا لها من بدائل من الطاقة كما لها من بدائل الوطن.
لم يكبروا بما يكفي ليعلموا ولم يكبروا بما يكفي ليشتعلوا غضبا فقد ماتوا ولا زالت في عيونهم براءة الجهل وعدم العلم فلم يدركوا بعد ان بطانياتهم التي اشعلت اجسادهم ليست هناك حيث الكهرباء وحيث الاسرة التي لا تصل الى الارض ولا تشتعل, لم تمهلهم تلك الشمعة عمرا اطول ليروا الحقيقة من حولهم ولم تمهلهم ليسمعوا ماذا سنكتب عنهم ولم تمهلهم ليدركوا كم نحن تافهون وسخيفين وأغبياء ولا يوقظنا إلا الموت والغياب حين لا يكون لصحوتنا معنى رغم انها صحوة لفظية سريعة وقصيرة الامد ولا تصل لصباح اليوم الذي يليها.
في غزة يحترقون بنار الاحتلال ونار الكهرباء الغائبة ونار المياه التي تغمر حدودها مع مصر العروبة, في غزة يموتون من الجوع والبطالة والبرد والمرض والحصار, في غزة لا يموت الاطفال فقط بل والشبان والشيوخ والشجر, في غزة يموت البحر الذي لا يصله الصيادين والمسافرين والهاربين من الحر, في غزة يموت الفضاء الذي لا تزوره سوى طائرات الاعداء فلا يرى الناس هناك زرقة البحر ولا صفاء ربيعه ويخشون النظر اليه فقد اعتادوا ان تزورهم منه القذائف لا نسمات الريح.
احد لم يبكي رهف وناصر ويسرا, لقد لعنوا الشمعة لأنها احترقت, لعنوا الظلمة, لعنوا اللا معني وشتموا بعضهم, قد يكون بعضهم قد لعن الذات الالهية حتى, لكن المؤكد ان احدا منهم ... منا لم يلعن ذاته, غضبت غزة من رام الله ولعنت رام الله غزة ولم يجد الاطفال الثلاثة سوى المقبرة لتحتضنهم وظلت رام الله تنعق بالخراب وتغني على اشتعال اجسادهم كم جاءه الفرج والفرصة كي يتهم واحد منا ابدا لم يتحدث حتى بالكلمة عن الاحتلال وظل الانقسام هو العنوان وحتى من حاول ان يكون وحدويا يرفض ما يجري ويناضل ضده فان اقصى ما توصل اليه ان الانقسام هو السبب وان علينا ان ننهي الانقسام وان نصوغ الوحدة لكن السؤال الذي ظل ويبقى هو كيف وأين ومتى وممن وعلى حساب من وعلى قاعدة اي اتفاق هل سنتفق على اسس القاهرة ام صنعاء ام مكة ام الدوحة ام انقرة وسافرت اجساد الصغار المشتعلين نارا لنصحو دون ان نصحو, ماتوا نياما لعلنا نصحو خشية ان تشتعل الارض بنا فلم نفعل سوى لنشتم بعضنا قليلا ونعود لسباتنا من جديد في حين يواصل المحتلون صحوهم على رؤوسنا في كل لحظة من الزمن الفلسطيني وزاوية من ارضه.
اشتعلت زهراتنا الثلاث كغيرها من زهرات غزة تارة على يد الحصار وتارة على يد الانفاق التي اتى بها الحصار وتارة على يد الكهرباء والبطالة والفقر والبرد والعوز والضيق والمعاناة بلا حدود وتارات وتارات على يد الاحتلال الذي غاب حتى عن خطاباتنا فلست ادري من سنهني سواه براحته وقدرته على ان يفعل ما يشاء ثم لا نراه بل نرى عورات بعضنا بعضا وليس للذات عورات فجمالنا لا ترى اعوجاج رقابها ومرايانا لا ترينا ابدا عيوب انفسنا.

 

بقلم
عدنان الصباح