عندما بدأنا بكتابة هذه الكلمات، يكون مجلس الشيوخ في البرازيل قد صوّت لصالح تجميد حكم رئيسة الجمهورية السيدة ديلما روسيف بانتظار نتيجة محاكمتها في مجلس النواب.
لنعد قليلاً إلى الماضي القريب لنتذكر أن حزب العمال (PT)، المصنف يسار الوسط، فاز بانتخابات رئاسة الجمهورية عام 2002، حيث ألحق مرشحه، لولا دا سيلفا، هزيمة ساحقة بمرشح اليمين المصنف على يمين الوسط.
حزب العمال كرر انتصاره الساحق في الانتخابات الرئاسية عام 2006. ولأن الدستور في البرازيل لا يسمح للمرشح بأكثر من فترتي رئاسة، خيل لليمين بأن فرصته للعودة إلى الحكم مضمونة، لكن ظهور السيدة ديلما التي قدّمها لولا دا سيلفا للشعب في البرازيل أحبط طموحات اليمين حيث فازت في الانتخابات الرئاسية ضد مرشح اليمين الذي سبق للولا دا سيلفا هزيمته في عام 2002. والأمر ذاته تكرر في عام 2014 عندما عادت للفوز في الانتخابات الرئاسية.
فوز حزب العمال البرازيلي في الانتخابات الرئاسية أربع ولايات متتالية دفع باليمين الممثل في النخب المالية (البلوتكرات/ Plutocrat)، وأدواته للبحث في طرق أخرى للسيطرة على البلاد ومصادرة ثرواتها، فتم ابتياع وسائل الإعلام والتضليل، والعاملين فيها بهدف شن حملة غير مسبوقة على السيدة ديلما وحكمها. فإسقاط حكم حزب العمال عبر صناديق الاقتراع لم يكن بالأمر السهل حيث إن جزءاً كبيراً من الأصوات التي يحصل عليها تأتي من فقراء البلاد.
الشخص الذي سيخلف السيدة ديلما في منصب رئاسة الجمهورية هو نائب الرئيس ميشال تامر الذي ينتمي لحزب المعارضة. هذا أمر مثير للاستغراب حيث يتم إبعاد حزب فاز في انتخابات ديمقراطية لصالح مرشح حزب آخر غارق حتى الأذنين في الفساد يواجه تهمة ابتياع غير قانوني لمادة الإثانول إضافة إلى إدانته وصدور الحكم عليه في قضية تمويل غير شرعي للحملة الانتخابية. فالسيد تامر لا يحظى بتأييد أكثر من 2% من السكان وفق استطلاعات الرأي.
وهو معروف بارتباطاته برأس المال المالي وهو يعد العدة لتعيين ممثلي بنك غولدمن ساكس وممثلي صندوق النقد الدولي لإدارة الاقتصاد البرازيلي، وقادة من حزب المعارضة! بل إن وثائق وكيليكس تبيّن أنه عمل مخبراً لسفارة الولايات المتحدة في ريو، ما يثبت بالتالي دور واشنطن في التآمر على الرئيسة المبعدة عن منصبها.
لا نود الدفاع عن فترة حكم روسيف، وإنما في أسلوب إقصائها عن الحكم حيث تم توظيف عدم شعبيتها لإبعادها عن السلطة والإتيان بشخص وحزب أكثر فساداً من عهدها. حتى مجلة الإكونوميست البريطانية التي تكره حتى رائحة اليسار، أياً كان، دانت هذا التوجه وحذّرت من أن البديل يجب أن يكون الاحتكام لصندوق الاقتراع وليس استبدال الأكثر فساداً بمن هم أقل فساداً. لكن المعارضة تفضّل هذا الحل لأنّ الانتخابات الرئاسية ستعيد الرئيس لولا دا سيلفا للسلطة، وهو ما يخشاه رأس المال المالي والبلوتكرات.
كلمة أخيرة: السيدة ديلما وقفت مواقف شجاعة مؤيدة لقضية شعبنا في وطننا فلسطين، وواجهت محاولات هيمنة واشنطن على بلادها واقتصادها، وهو ما دفع الأخيرة لحيك المؤامرات ضدها. وبسبب تأييدها لنضالنا في فلسطين ضد العدو الصهيوني، ارتأينا تخصيص عمود هذا اليوم، الذي يناسب ذكرى اغتصاب فلسطين وتقاسمها بين أنظمة سايكس بيكو المتآمرة منذ ولادتها على قضايانا الوطنية والقومية.
كلمة أخيرة في ذكرى نكبة الشعوب العربية في فلسطين على أيدي الاستعمار الغربي وفي المقدمة منه البريطاني والأميركي، والأنظمة العميلة الحاكمة في عمان والرياض، نكرر ضرورة تأكيد تمسكنا بكل شبر من وطننا، وضرورة عودة التعاون الوثيق مع كل قوى التقدم والحرية في العالم، ولو كره المتآمرون المتخاذلون المهزومون من الميليشيات السياسية - الاستخباراتية القابعة في مبنى المقاطعة في رام الله المحتلة والتي تسمى زوراً سلطة وطنية.
زياد منى