محمد المجذوب عامل مكون لديمومة الوعي القومي

بقلم: عباس الجمعة

محمد المجذوب عامل مكون لديمومة الوعي القومي، فكان نضاله في اعقاب الغزو الصهيوني حين اعلن مع فئة من رفاقه ان المشروع الصهيوني لا يجابهه إلا مشروع قومي عربي نهضوي ، هذا الثابت في الموقف والتحليل لا يزال هو التوصيف الأدق لمعادلة الصراع العربي الصهيوني ، حيث المجذوب كان مولعاً بالدفاع عن قضية فلسطين. هذا الحقوقي الذي خرج آلاف الطلاب في العلوم السياسية، آثر أن يكون قومياً عربياً في ندواته ومحاضراته. آمن بقوة الكلمة وقدرتها في إيقاظ الضمائر العفنة في قضية فلسطين، فكان من ابرز اعضاء مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، فلعب دورا رائدا في انجاح استنهاض الشباب العربي من خلال تأطير المثقفين وخريجي الجامعات .

فالراحل الكبير محمد المجذوب الرجل الاستثنائي لم يؤمن بالتبعية للأحزاب بل كان على مسافة واحدة من الجميع، وربما كان بعض منهم يخشى طلب خدمة منه أو واسطة لأنهم يعون أنهم يقصدون رقماً صعباً أو شخصاً لا يساوم، ولا ضرورة لأن تقرأ ما كتب من مقالات وتوجيهات وتستمع إلى ما ألقى من محاضرات وخطب في عشرات الأندية والمجالس والمناسبات حتى تطلع على فكره الواضح والصافي وعلى صحة استنتاجاته وموضوعية تحليلاته وسعة معلوماته وحدّة استشرافاته .

يرحل محمد المجذوب في ذكرى النكبة الفلسطينية، وهو الذي منح قضية فلسطين عصارة عقله وقلمه وجهده العملي بعد مسيرة طويلة ورحلة شاقة ومعقدة حافلة بالكفاح الوطني والقومي الصادق والأمين، حافلة بالإنجازات والإخفاقات بالتقدم والتراجع، غنية بالدروس والاستخلاصات والعبر،إنها مسيرة الآمال والآلام التي جسدت مسيرة شعب مكافح وعملاق لا يعرف اليأس والخنوع وجسدت مسيرة أمة ترفض الذل والخضوع.

محمد المجذوب إنسان أوسع من فرد , وتأثيره أوسع من محيطه , من مكانه وزمانه المباشرين , إنه, بشخصه وفعله , أثر يمتد طويلاً في الزمانين الحاضر والمستقبل وفي عالمي الوطن وعبر حدود الوطن، تسطو العروبة على لبنانيته مثلما تسطو الإنسانية على عروبته , لذلك امتزجت نضالاته ، فشكل جزءاً عضوياً من العروبة لأن جوهره مستمد من القيم الإنسانية الأزلية ومن فكر جمال عبد الناصر , فهو مؤمن بشعار الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة والصدق والحق والخير .

ومن أجل بناء هذه القيم وصيانتها في الوطن العربي, ومن وحي هذه القيم والتزاماً بها جاهد من أجل تحرير فلسطين وصد العدوان الصهيوني وإعادة شعبها المتطلع إلى منابته وبناء الدولة الفلسطينية على امتداد الأرض الفلسطينية ، وشارك في المعارك ضد الأحلاف والمشاريع الاستعمارية، وانحاز إلى التيار الوطني، حيث شارك على مدى خمسة عقود في تأسيس العديد من الهيئات الثقافية والوطنية والقومية، كما ناضل من أجل جامعة وطنية متقدمة".

المجذوب من مدرسة الرعيل القديم الذي لا مكان له في عالمنا اليوم، هذا الرجل الذي كان له بصمات خالدة في جامعة بيروت العربية والمجلس الدستوري يستحق توثيق حياته التي فيها

الكثير من العطاء ، والكرامة والحق،اعتنقها نظرياً ومارسها عملياً , قيم الحق والخير والجمال والحرية والمساواة .

وعندما ترحل قامة عربية مثل محمد المجذوب الذي عرف في مقاومة الصهيونية والاستعمار والتجزئة والانعزالية والرجعية ، ندرك مدى الخسارة ، وهي تجعلنا نحن الذين عرفناه نعتبره بدون مبالغة ولا محاباة , مدرسة حية متكاملة وليس مجرد فرد التزم بقيم وعاش مبادئه وأفكاره ، ولعل أهم وأبرز هو العلاقة التي ربط بين المجذوب والشهيد معروف سعد حيث تعددت دروب النضال فكان الإخلاص والوفاء وصدق التعامل ولنرى كلا منهما في أصدق صور شخصيته وأصالته ومشاعره وأحاسيسه ومثله .

محمد المجذوب شكل برئاسته للمنتدى القومي العربي مدرسة ينتصب حيث بقامته الجسدية والعقلية عنصراً مهيباً وناشطاً متميزاً , يعترف الجميع بشخصية قوية وحجة دامغة ودماثة نادرة وصفاء واضحاً وصدقاً نقياً ، فيقعده المرض ويحدّ من حركته ونشاطه الجسدي ، لكن كان الجبار دائماً أمام الآخرين , بقي جباراً أمام نفسه أيضاً ، قبل تحدي المرض ونازله بعناد ، ولكنه كان يتحدى بفكره الأنظمة والمنحرفين , وكما تحدى العدو الصهيوني والأمريكي , فصمد في مقارعتهم ولم يقو أي من الخصوم والأعداء على النيل من عزيمته أو التأثير في قراراته المنعكسة عن ثوابته .

إن التجارب السياسية لراحل الكبير محمد المجذوب كانت كبيرة وتستحق قراءتها والاهتمام بها ، فهذا المناضل بقامته الشامخة , عقلاً وفكراً وقلباً, تحدث عن الشهيد القائد ابو العباس الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية حيث منحه شهادة حق ، وقال أنتهز الفرصة وأستغل بعض جرأة لا أملكها دائماً , فأتطرق إلى شهادة لرجل عظيم ومساهم قوي في النضال المعاصر فلسطينياً وعربياً أون يرحل بعد ان قضى معظم وقته مخططاً ومبدعاً ومفكراً ورائداً في النضال بسجون الاحتلال الامريكي الصهيوني فهذه جريمة ، الا ان هذا الارث النضالي والفكري الفذ يفسر ان ابو العباس كان ممن صنعوا فترة في تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، حيث عمل بكبرياء ملهم وتواضع فريد في مسيرة النضال من اجل تحرير فلسطين .

الراحل الكبير مدرسة للآلاف من بني جيله ومعاصريه , وبعضهم لم يعرفه شخصياً ، فهو كان مدرسة للأجيال لتتعرف على خلفية العمل الوطني والقومي ، فهو كنز سياسي ونضالي وتاريخي وأدبي يجب على المؤسسات الثقافية والوطنية والقومية , أن تبادر لإيجاد صيغ عملية تتناسب لكتابة المذكرات عن حياة الراحل الكبير محمد المجذوب واصدار الوثائق والأوراق وأعدادها للنشر في أفضل صورة وأقرب وقت وأكمل وجه .

ختاما تحية وفاء للمناضل الكبير محمد المجذوب ، الذي غادرنا بعد ان قدم الكثير من التضحيات الكبيرة، التي لا يعوضها إلا ذلك التصميم الكبير على متابعة مسيرة النضال من أجل التنوير والديمقراطية الحقيقية والتقدم والعدالة الاجتماعية ، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية والاستمرار في العمل للوحدة العربية التي نذر حياته من اجلها.

بقلم/ عباس الجمعة