الحاضر العربي أشد إيلاما من الماضي فإتفاقية سايكس- بيكو التي قسمت تركة الدولة العثمانية من البلدان العربية بين بريطانيا وفرنسا،قسمتها على أساس جغرافي،تولد عنه كيانات اجتماعية،خضعت للإحتلال العسكري المباشر،ولكن تلك الكيانات في حالة المد القومي العربي استطاعت ان تنتزع استقلالها من براثين المحتلين انتزاعا،ودفع المحتل ثمن إحتلاله خسائر بشرية ومادية،تلك الكيانات التي اوجدها الإستعمار،أسست لحدود الدم بين الأخوة والأشقاء،واليوم يعاد انتاج نفس المشروع،ولكن على أساس تقسيم المقسم وتفتيت المفتت وتذرير الجغرافيا العربية واعادة تركيبها على أسس مذهبية وطائفية،والشيء المؤلم حقاً بأن مدارس القتل باسم الدين،والدين منها براء التي أسس لها المستعمرون بعد خروجهم،من اجل ضمان إستمرار الحفاظ على مصالحهم لربما لمئة عام قادمة،هي الآن من تقوم بتنفيذ مشروع التقسيم بجنود ومرتزقة من المنطقة واموال عربية تضخ على الجماعات الإرهابية والتكفيرية بالمليارات،وتلك الحواضن والدفيئات لتلك الجماعات لم تعد تخجل او تتحرج من علاقتها في تلك المشاريع،بل هي أصبحت تنسج وتوثق علاقاتها وتحالفاتها العلنية مع القوى المنفذة للمشروع.
البعض منا يعتقد انه عندما جرى التقسيم في سايكس- بيكو في السادس عشر من ايار عام 1916،فقط لإعتبارات جغرافية وسياسية من اجل منع توحد الأمة العربية،هذا المعطى صحيح ولكن ما هو اهم منع أي حالة نهوض قومي عربي،ولذلك يجري التركيز اليوم على الحلقة السورية،فإختراقها واعدة انتاج بنية وهوية وموقف الدولة السورية،يعني نجاح مخططات التذرير،وإقامة كيانات اجتماعية هشة مرتبطة باحلاف امنية مع دولة الإحتلال،ومنصب عليها "مخاتير" سموهم قياصرة وأباطرة وملوك ورؤوساء وامراء فاقدة إرادتها وقرارها السياسي ومرتبطة اقتصاديا وتقاد من قبل المركز الرأسمالي العالمي،وكذلك هذا يسمح بان تكون "اسرائيل" دولة يهودية،إرتباطاً بنشوء مثل هذه الكيانات الهشة.
ثمة رابط قوي بين اتفاقية سايكس – بيكو وبين وعد بلفور،فوعد بلفور كان الترجمة العملية لإتفاق سايكس – بيكو،حيث أوجد الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي،وهذا الكيان حدد له دور ووظيفة ككلب حراسة متقدمة لأمريكا والقوى الإستعمارية في المنطقة،ضرب أي حالة نهوض قومي وعربي في المنطقة،وضمان إستمرار عملية التقسيم،وحتى يستمر الكيان الصهيوني في هذا الدور المنوط به في حراسة التقسيم،وعدم تهديد وجوده وبقاءه،فلا بد من عملية تقسيم للمقسم،وبالأساس في سوريا والعراق ومصر،سوريا والعراق على وجه التخصيص،ومن هنا ندرك ما يجري من حرب كونية على سوريا،فهي مفتاح العرب للوحدة والنهوض،وأي وحدة او نهوض يهدد وجود هذا الكيان،ولذلك المطلوب تقسيم المقسم،حتى لا يستطيع أي كيان عربي هش محاربة "اسرائيل".
الكيانات الناشئة عن سايكس – بيكو الجديد بلغة الزميل ناصر قنديل هي" حساب مدروس للعناصر الاتنية والعرقية والدينية فيها،يضمن الهشاشة إلى منع النهوض، والتماسك إلى حدّ منع السقوط".
هذا المشروع الجديد الذي انتجته مراكز البحث والدراسات الإستراتيجية الأمريكية،جاء بعد فشل السياسة الأمريكية الخارجية في أعقاب الغوص في المستنقعين الأفغاني والعراقي،وبعد تفكك دول الاتحاد السوفياتي،فكان تقرير بيكر- هاملتون،والذي عنوانه الرئيس ضمان المصالح الأمريكية في المنطقة لمئة عام قادمة وضمن امن اسرائيل يتطلبان نشر مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة،هذا المشروع لكي يترجم الى فعل بحاجة الى قوى محلية وادوات تخوض حروب الوكالة عن أمريكا لكي ينجح،وقد سعت امريكا الى اولى اختبارات الترجمة لهذا المشروع،من خلال خوض اسرائيل لحربها بالوكالة في تموز/2006 على حزب الله والمقاومة اللبنانية،ولكن فشلت اسرائيل في ذلك فشلاً ذريعاً واجهض مشروع الفوضى الشرق الأوسط الكبير،كتمهيد لمشروع تجزئة وتقسيم وتفتيت وتذرير المنطقة والجغرافيا العربية وإعادة تركيبها،وتلاحقت التطورات في المنطقة،حيث وفرت ما يسمى ب"الثورات العربية" او الربيع العربي بلغة الأمريكان فرصة ذهبية لتدمير وتنفيذ هذا المشروع،بحيث تكون ادواتها في المنطقة،هي من يتولى تنفيذ المشروع،مشيخات الخليج العربي (السعودية وقطر)،تركيا واسرائيل،وتنفيذ هذا المشروع بحاجة الى شعبنة المذهبية والطائفية،بحيث تكون المراجع والقيادات الدينية ودور الإفتاء رأس الحرب في نقلها من المستوى الرسمي الى الشعبي،الفتنة المذهبية سني - شيعي،مع شيطنة لكل محور المقاومة من طهران مرورا بالعراق وسوريا وانتهاءا بالضاحية الجنوبية في لبنان،والعمل على حرف الصراع عن قواعده وأسسه،بحيث يصبح صراعاً عربياً- ايرانياً بدلاً من صراع عربي- اسرائيلي،وبالفعل جند مرتزقة وعرب ومن مختلف الجنسيات وضخت مئات المليارات على "القاعدة" ومتفرعاتها من "جبهة النصرة" "داعش" وغيرها من التشكيلات والألوية الإرهابية والتكفيرية،وزودوا باحدث انواع الأسلحة،من أجل كسر الحلقة السورية،والتي شكل صمودها لأكثر من خمس سنوات بدعم وإسناد من محور يمتد من موسكو حتى الضاحية الجنوبية،عائقاً كبيراً لتنفيذ هذا المشروع،والذي ربما تشهد التطورات القادمة،وقف إندفاعاته وهزيمته،او ان الأمور تحت إصرار حلفاء واشنطن السعودية وتركيا وبريطانيا وفرنسا على رحيل الأسد والنظام السوري،وعدم منحه أي دور في الفترة الإنتقالية،قد تدفع نحو إنهيار الهدنة في سوريا،ليقول الميدان والعسكر كلمتهم .
وأختم بما قاله الزميل جمال العفلق " قد يكون إحياء ذكرى اتفاق سايكس ـ بيكو مؤلماً، ولكننا بعد مائة عام على هذا الاتفاق ما زلنا نقاوم وما زلنا مؤمنين بأننا أصحاب الأرض، وأنّ حق تقرير المصير هو ملك لنا. مائة عام في التاريخ رقم عابر، إذا ما حققت الشعوب النتائج المرجوة من نضالها وصمودها،مائة عام قد نكون خسرنا فيها الكثير ولكننا لم نستسلم بعد ولن نستسلم فحقنا بالعيش نحن من يضمنه لا المواثيق والقرارات الدولية.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
17/5/2016
0524533879
[email protected]