أزمات نتانياهو وسقطاته ... سيناريوات المستقبل

بقلم: أحمد فؤاد أنور

كسر ما يمكن اعتباره بوادر حسن نية تضمن عدم تدهور العلاقات في توقيت دقيق بين القاهرة وتل أبيب زعمَ رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه خلال أزمة السفارة الإسرائيلية في مصر كان على وشك إرسال الجيش الإسرائيلي إلى القاهرة! وهي التصريحات التي أصدر مكتب نتانياهو في أعقابها بياناًيتراجع فيه عن تلك العبارة التي يفهم منها التهديد، والثابت أنه طلب، عبر الرئيس الأميركي أوباما، من المشير طنطاوي التدخل وبالفعل تدخلت القوات الخاصة المصرية لإخراج طاقم السفارة الذي كان بينه وبين المتظاهرين باب مُصفَّح.

ما يهمنا في هذه السطور هو السعي إلى إجابة مقنعة عن السؤال الجمرة: ما الذي يكمن وراء هذه التصريحات التي أغضبت القاهرة على المستويين الرسمي والشعبي؟

تشير الدلائل إلى أن نتانياهو كلما شعر بتدني شعبيته لجأ إلى الزهو بذكريات عملية عنتيبي التي دأب على استثمار نتائجها، حيث شارك شقيقه فيها ولقي مصرعه في عملية تحرير الرهائن هناك. ولذا حاول في هذا التصريح أن يصور نفسه كمن يحاول أيضاً إنقاذ "العالقين" على نيل القاهرة من غضبة الآلاف المحتشدين، في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، بعد اجتياز القوات الإسرائيلية علامة الحدود 76 وفتحها النيران عشوائياً ما أسفر عن مقتل جنود مصريين مسلحين بأسلحة خفيفة.

وفي هذا السياق يجب أن يوضع في الحسبان تدني شعبية نتانياهو المرتبط في الأساس بخلافات داخلية مع وزراء ائتلافه الهش، على غرار ما حدث منذ أسابيع قليلة مع زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت. مع الأخذ في الاعتبار أن الأمور زادت تعقيداً باستمرار رفض حزب العمل الانضمام إلى الائتلاف. وقد يبرر هذا توجه نتانياهو لمغازلة أفيغدور ليبرمان بمواقف متطرفة حتى يقبل الانضمام إلى الائتلاف خصوصاً أنه سبق أن هدد بضرب السد العالي، وكانت القاهرة تقاطعه حتى وهو يشغل منصب وزير الخارجية.

وبمقارنة شعبية حكومة نتانياهو ببقية المؤسسات الإسرائيلية، نجد أن أحدث استطلاع للرأي أظهر أنها تأتي بعد الجيش الإسرائيلي والشرطة، على رغم أن الأخيرة لها مشاكل جمة مع قطاعات عريضة على رأسها فلسطينيو 48 والإثيوبيون، ومتورطة في ملفات فساد. واللافت أن استطلاع الرأي الذي أشرفت عليه جامعة تل أبيب وتم إعلان نتائجه قبل أيام، وضع أمام خيار: "أنا غير فخور بدولة إسرائيل"، ثلاثة خيارات لإغراء المتردد في اختيار آخر، هي "لا أعرف"، و "فخور"، و "فخور بعض الشيء". ومع هذا أقر 50 في المئة من اليهود، وليس فلسطينيو الـ 48، الذين أجري عليهم الاستطلاع بأنهم غير فخورين بدولة إسرائيل. وهذا يوضح عدم رضا الغالبية عن الإدارة الحالية لإسرائيل، وأنه لو تمرد عضو أو أكثر في الائتلاف الحكومي سيخسر نتانياهو في شكل مخزٍ في أي انتخابات مبكرة.

ويتزامن مع نشر نتائج هذا الاستطلاع انفجار أزمة ألقت بظلالها على المجتمع في ذكرى إعلان قيام الدولة، حين صرح يائير غولان نائب رئيس الأركان بأن ثمة سلوكات وتصرفات في المجتمع الإسرائيلي تشبه سلوكات وتصرفات أقدمت عليها النازية في ألمانيا، وأن ما حدث وقت النازية يحدث في 2016 وأن هناك براعم عدم تسامح وجذور عنف وتدمير ذاتي، الأمر الذي يؤدي إلى انحلال أخلاقي.

في المقابل شن نتانياهو وكبار مساعديه هجمات قاسية على الجنرال غولان، بحيث وصفته جريدة "هآرتس" بأنه "تأكيد قتل" (بإطلاق الرصاص من مسافة قريبة على جسد شخص مصاب)، والمقصود هو التصفية السياسية لمن جرؤ على القول إن في إسرائيل بالفعل فاشية وعنصرية وإقصاء.

ويبدو أن نائب رئيس الأركان أقدم على هذه التصريحات كنوع من تجميل وجه إسرائيل القبيح وتفريغ شحنة الضمير لدى الشارع الإسرائيلي بعد تبرئة قاتل الشاب الفلسطيني أمام الكاميرات، وهو لا يمثل أية خطورة على من حوله، ثم تبرئة الجندي القاتل على رغم اعترافه بجريمته. هذا فضلاً عن استعداد نائب رئيس الأركان لدخول عالم السياسة من خلال التقاعد والانضمام إلى حزب يساري.

يضاف إلى ما سبق أنه على المستوى الإعلامي هناك حالة احتقان ظاهر ضد نتانياهو عبَّر عنه محرر "هآرتس" حين نشر على مساحة كبيرة "حواراً" مع نتانياهو من دون أجوبة، مبرراً ذلك برفض الأخير إجراء حوارات إلا مع عوديد منشه، صديقه المقرب. الحوار المرفوض تضمن 21 سؤالاً، بينها: سيدي رئيس الوزراء إن استمرار الاحتلال يذبحنا أخلاقياً... هل لديك حلول غير التخويف؟ لماذا تتدخل زوجتك في تعيينات المسؤولين وفي السياسات وهي غير منتخبة؟

الخلاصة أن نتانياهو في أزمة داخلية حقيقية لن ينقذه منها سوى إنجاز سياسي إقليمي كبير يعيد بعض الحقوق المغتصبة، والسيناريو البديل هو نيله قبلة الحياة من افيغدور ليبرمان بانضمامه إلى الائتلاف الحكومي ليزيد نعرة الهوس والتطرف ارتفاعاً.

أحمد فؤاد أنور 

* أكاديمي مصري