كل المعطيات والوقائع على الأرض كانت تشير أن العاصمة الفرنسية باريس كانت ستستضيف اجتماع وزراء من 20 دولة في 30 مايو/ايار، يغيب عنه الجانب الفلسطيني والجانب الاسرائيلى، لبحث مبادرتها للسلام ومسألة عقد مؤتمر دولي، بهدف البحث في تشكيل لجنة دولية للسلام والتي ستنعقد نهاية العام الحالي بمشاركة فلسطينية وإسرائيلية.
فيما تجاوب الجانب الفلسطيني مع المبادرة الفرنسية ورحب بها بشكل قوى، ودعمها وقام بالتسويق لها عربيا ودوليا، بل انه، وفقط حسب تسريبات إعلامية، قرر تأجيل التوجه إلى مجلس الأمن لإصدار قرار يدين الاستيطان بناء على طلب فرنسي، لضمان عدم تأجيج الخلاف قبل عقد مؤتمر باريس، أعلنت الحكومة الإسرائيلية رسميا رفضها الكامل لهذه المبادرة ورفضها المشاركة في اى مؤتمر دولي أو لجنة دولية للسلام، وتمسكها بخيار المفاوضات المباشرة مع الجانب الفلسطيني، بل أنها سعت لإجهاضها عبر إقناع الولايات المتحدة بعدم المشاركة في اجتماع باريس.
وحتى تخفض باريس من مستوى حدة الاحتقان بينها وبين الجانب الاسرائيلى بسبب تصويت فرنسا على قرار اليونسكو الذي يتحدث صراحة عن "فلسطين المحتلة"، وسعيا منها للتخفيف من حدة معارضة الجانب الاسرائيلى على المبادرة الفرنسية للسلام، فقد قال رئيس الحكومة الفرنسية (مانويل فالس) أمام الجمعية الوطنية بالنص أن "هناك في قرار اليونسكو صياغات مؤسفة، في غير محلها، تلحق ضررا وكان ينبغي من دون شك تفاديها، وأن فرنسا لن تنكر الوجود اليهودي في القدس لا اليوم ولا غدا، وان القرار الذي يشير إلى فلسطين المحتلة من دون أن يستخدم تسمية جبل الهيكل لن يغير شيئا في سياسة فرنسا" حيال النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين".
أما بخصوص موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المبادرة الفرنسية والمشاركة في مؤتمر باريس في 30 مايو/ايار فعلى ما يبدو ان الامر ليس واضحا، ففيما، وعلى ذمة الإذاعة الاسرائيلية، أكد (جون كيرى) رئيس الدبلوماسية الأمريكية بأن بلاده لم تقرر بعد إذا ما كانت ستشارك في الاجتماع الوزاري، وان كان قد المح إلى وجود تعاون في الجهود لدفع مسيرة السلام إلى الأمام، فانه، وفقط حسب "الحياة اللندنية"، فقد قالت مصادر فلسطينية موثوقة ان (جون كيرى) ابلغ الرئيس محمود عباس خلال اتصال هاتفي بينهما في الأسبوع الماضي بأنه سيشارك في الاجتماع الذي تعقده مجموعة الاتصال الأولى، والتي تضم اللجنة الرباعية الدولية وبعض الدول العربية وعلى رأسها مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والمغرب، من اجل بحث المبادرة الفرنسية التي تهدف الى إحياء العملية السلمية.
اللافت، وحسب "الحياة" اللندنية، فقد كشف مسئول فلسطيني رفيع بأن جمهورية مصر العربية كان لها وما زال دورا كبيرا وناشطا في هذا الحراك الدولي الكبير (المبادرة الفرنسية للسلام) من خلال اتصالات قامت بها مع أطراف دولية وعربية، وان هناك تنسيق مصري - فرنسي، وكذلك تنسيق مصري – فلسطيني حول هذه المبادرة.
ولإعطاء مزيدا من الزخم للمبادرة الفرنسية، فقد وصل وزير الخارجية الفرنسي (جان مارك ايرولت) الى تل أبيب مساء السبت الفائت في مسعى لإقناع صانعي القرار برفع معارضتهم لعقد المؤتمر، ولكن مكتب (نتنياهو)، قد استبق زيارته بالإعلان عن رفض المبادرة الفرنسية الداعية لمؤتمر دولي للسلام وقال أن "إسرائيل مستعدة للبدء على الفور في مفاوضات مباشرة مع الجانب الفلسطيني ودون اى شروط مسبقة، واعتبر أن اى مبادرة دبلوماسية أخرى من شأنها إبعاد الفلسطينيين عن المفاوضات المباشرة،"
وفى تطور دراماتيكي لافت، أعلن الرئيس الفرنسي (فرنسوا هولاند) عبر إذاعة أوروبا - 1 يوم الثلاثاء أن المؤتمر الدولي الذي كان من المقرر عقده في باريس في 30 مايو/آيار لمحاولة إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية قد ارجىء إلى الصيف معللا التأجيل بان وزير الخارجية الامريكى (جون كيري) لا يمكنه الحضور في 30 مايو/أيار، الأمر الذي جاء متناغما تماما مع تصريح (جون كيربى) المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الذي قال ان التاريخ المقترح في الأصل لا يناسب وزير الخارجية وجدول مواعيده، وان واشنطن تبحث حاليا مع الفرنسيين تاريخا بديلا يناسب أكثر وزير الخارجية الامريكى"
وفى تطور دراماتيكى لافت جديد، فقد دعا رئيس الوزراء الفرنسي (مانويل فالس)، عشية وصوله الى إسرائيل، ومن خلال حديث لصحيفة "يديعوت احرونوت"، الدول العربية وفى مقدمتها العربية السعودية إلى الاعتراف بدولة إسرائيل بغية دفع عملية السلام في المنطقة، الأمر الذي سيشجع الإسرائيليين على المضي قدما في عملية السلام، مؤكدا أن امن إسرائيل يشكل الشغل الشاغل لفرنسا وشرطا للتقدم في عملية السلام، وان المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر السلام تهدف إلى منع جولة أخرى من العنف والحرب بين إسرائيل والفلسطينيين، وانه سيدعو الجانب الفلسطيني إلى وقف العنف والتحريض على العنف، مؤكدا معارضة فرنسا بصورة مطلقة لمقاطعة إسرائيل.
وفى تطور أكثر دراماتيكية، فقد جاءت مبادرة رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسى للسلام حين أعلن من أسيوط في صعيد مصر يوم الثلاثاء 18/5/2016 عن وجود فرصة حقيقية لإقامة سلام حقيقي وامن واستقرار بين الجانبين الاسرائيلى والفلسطيني إذا ما كان هناك تجاوب حقيقي مع الجهود العربية والدولية لإقامة السلام، وعن استعداد مصر للعب دور بين الفلسطينيين والإسرائيليين بهذا الصدد، وانه إذا ما تم حل المسألة الفلسطينية بإخلاص حقيقي وإرادة حقيقية ستكتب صفحة أخرى جديدة قد تزيد على ما تم انجازه بين مصر وإسرائيل في معاهدة السلام ، وعن وجود مبادرة عربية وضعت صيغة جيدة للعلاقة بين الدول العربية وإسرائيل إذا ما تم تسوية القضية الفلسطينية، و مبادرة فرنسية وجهود أمريكية ولجنة رباعية تهدف جميعا لحل القضية الفلسطينية وأنهم في مصر مستعدون لبذل كافة الجهود لإيجاد حل لهذه المشكلة، و أن على القيادة والأحزاب الإسرائيلية أن تتوافق لإيجاد حل لهذه الأزمة، وذلك سيقابله كل خير للأجيال الحالية والقادمة إذا ما تم إقامة دولة فلسطينية بضمانات تحقق الأمن والسلام والاستقرار للجانبين، وانه إذا تحقق ذلك ندخل مرحلة جديدة قد لا يصدقها احد.
مبادرة الرئيس السيسى لتحريك عملية السلام وحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلى جاءت مفاجأة من العيار الثقيل، مبادرة جاءت لتعيد دور مصر الشقيقة الداعم والمساند للقضية الفلسطينية في ظل ما تتمتع به مصر قيادة وشعبا من ثقل كبير على الساحات العربية والإقليمية والدولية، مبادرة جاءت في وقت غابت فيه قضية فلسطين عن سلم أولويات العالم العربي و المجتمع الدولي في ظل ما تشهده المنطقة من صراعات ونزاعات وحروب لا يعلم وقت نهايتها ونتائجها وانعكاساتها الا الله، مبادرة جاءت في وقت كثر الحديث فيه عن صعوبة بل فشل تحقيق حل الدولتين الذي كان مطروحا بقوة في زمن المفاوضات المباشرة وغير المباشرة ، مبادرة جاءت لتحريك المياه الراكدة ووضع كل الجهات ذات العلاقة عند مسئولياتها تجاه حل القضية الفلسطينية، مبادرة لابد أنها قد حصلت على مباركة عربية وإقليمية ودولية الأمر الذي يمكن البناء عليه لتحقيق فرص الحل المنشود لقضية فلسطين باعتبارها أم القضايا.... الخ.
المبادرة الفرنسية للسلام تأجلت فجأة ولا تواريخ محددة لعقد لقاء باريس، وليس واضحا ان كان هذا اللقاء سيرى النور ام لا .... مبادرة الرئيس السيسى تطرح فجأة .... وفجأة أيضا وفى تطور دراماتيكى، وحسب القناة الأولى في التلفزيون الاسرائيلى، أعلن مكتب نتنياهو أن إسرائيل تولى اهتماما بالغا وترحب بتصريحات الرئيس السيسى حول ضرورة استئناف محادثات السلام بين الجانب الفلسطيني والجانب الاسرائيلى، فيما وافق وبارك زعيم المعسكر الصهيوني المعارض (هيرتصوغ) المبادرة .... كما رحبت السلطة الفلسطينية وباركت المبادرة ..... فيما قدم (جون كيرى) رئيس الدبلوماسية الأمريكية مسرعا لمصر لمقابلة الرئيس السيسى لمناقشة المبادرة حيث اعلن من القاهرة عن دعمه واهتمامه بالمبادرة .... كما ان هناك تسريبات إعلامية عن زيارة لنتنياهو وأقطاب من المعارضة الإسرائيلية لمصر تدخل في هذا الإطار ......
ولكن وفجأة وفى تطور دراماتيكي آخر، ونقولها بصوت مرتفع، تتوقف المفاوضات لضم المعسكر الصهيوني المعارض للائتلاف الحكومي، فيما يفتح المجال واسعا لانضمام (ليبرمان) رئيس (إسرائيل بيتنا) للائتلاف الحكومي ليحتل وزارة الدفاع، فهل يقصد بذلك نتنياهو يا ترى ابتزاز زعيم المعسكر الصهيوني لتقديم مزيد من التنازلات للانضمام للائتلاف وتشكيل حكومة وحدة وطنية، أم يقصد ضم البيت اليهودي لضمان تشكيل أوسع حكومة يمينية تحظى بعدد اكبر من النواب ..... وهل يا ترى أيضا ستتوافق القيادة والأحزاب الإسرائيلية لا يجاد حل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلى كما ورد في مبادرة الرئيس السيسى ، سؤال كبير سيجيب عليه المستقبل القريب وما يحمله من مفاجآت ؟؟؟؟!!!!
بقلم : د. يوسف حسن صافى
مدير مركز هدف لحقوق الإنسان