وحدها الولايات المتحدة الأمريكية الدولة القادرة على تحويل خيرات وثروات الشعوب الفقيرة من نعمة إلى نقمة عليها وتعتبر الدول الإفريقية النموذج الأبرز بهذا الشأن إلى جانب ما هو عليه الحال في الدول العربية النفطية تحديدا, لكن النموذج الإفريقي يقدم نموذجا صارخا بهذا الشأن فقد شكلت ثروات لمعادن الكولتان والألماس إلى جانب النفط لعنة على البلدان الإفريقية التي تمتلكها
معدن الكولتان هو مزيج من معدني الكولومبيت والتنتاليت وهو يستخدم على نطاق واسع ورئيسي في الصناعات الالكترونية وأجهزة الهواتف النقالة والاتصالات والدوائر الكهربائية وهي أكثر الصناعات رواجا في عالم الثورة الرقمية إلى جانب ذلك فان هذه العناصر تستخدم على نطاق واسع في الصناعات العسكرية وخصوصا في صناعة عوادم الطائرات ومراوح محركات الطائرات النفاثة وأجسام العديد من أنواع الصواريخ والمركبات الفضائية والأقمار الصناعية وتستخدم أيضا في صناعة آلات الحفر للتنقيب عن النفط والفاعلات النووية والمسرعات الذرية وبسبب من قدرتها الفائقة على مقاومة التآكل وعدم التأثر بالمجالات الحيوية المحيطة فهي تستخدم على نطاق واسع في الشأن الطبي وخصوصا في صناعة الأجزاء البديلة للجسم كالركبة والمفاصل والأطراف وصمامات القلب وأجهزة تنظيم دقات القلب وعلاج والأدوية المهمة كعلاج الأنسولين الخاص بمرضى السكري المرض الأكثر انتشارا في العالم ولذا تبذل الدول الصناعية كل جهدها لتوفيره بأقل الأسعار مما يعني تشجيعها للعصابات وحركات التمرد التي تمول أنشطتها وثروات زعمائها من هذه التجارة وتجري صراعات قاتلة بين الدول وخصوصا الدول المحيطة بجمهورية الكونغو الأغنى بمعدن الكولتان في الدول الإفريقية وتستخدم الجيوش وخصوصا الجيش الرواندي بما في ذلك طائرات سلاح الجو هناك في هذه التجارة لصالح الشركات الدولية العملاقة والأغرب أن غنى الكونغو بعنصر الكولتان لا يوفر لأبناء الكونغو حتى فرص عمل فالحق بالتنقيب عنه لا يطال المواطنين أبدا وقد حملت منظمات حقوق الإنسان الشركات الدولية الكبرى المسئولية عن الحرب البشعة في الكونغو الديمقراطية التي وقعت فيها نحو 300،000 امرأة وطفلة ضحية للاغتصاب كأداة ترهيب للسيطرة علي الأهالي والأراضي وأكدت ايف انسيلر، الناشطة الحقوقية الأمريكية المعروفة ومؤسسة حركة "يوم النصر" (فيي داي) العالمية الناشطة من أجل إنهاء العنف ضد المرأة، أن "الاغتصاب يستخدم كأداة متعمدة للتحكم في الأهالي والأراضي". وأوضحت لوكالة انتر بريس سيرفس أن "الاغتصاب يجرى بصورة منتظمة وبشعة، وعادة ما تمارسه عصابات من المتمردين المصابين بمرض الايدز".
وتقدر حالات الاغتصاب ضد النساء هناك بنحو 3،500 امرأة سنويا, وقالت ايف انسيلر أن مئات النساء والقاصرات والأطفال يقعون فريسة للاغتصاب يوميا، فالأمر يتعلق بحرب اقتصادية تعتمد علي الترهيب كسلاحها الرئيسي لضمان سيطرة أسياد الحرب والعصابات علي الأقاليم التي تنشط فيها الشركات العالمية لاستغلال الصفيح، الفضة، الكولتان، والأحجار الثمينة, ويقدر عدد القتلى في هذه الحرب الجارية منذ الإطاحة بالدكتاتور موبوتو سيسي سيكو في عام 1997، بما يزيد عن خمسة مليون قتيلا. وتتواجد قوة لحفظ السلام مكونة من 17000 جندي وتابعة للأمم المتحدة في الكونغو الديمقراطية التي تعدل مساحتها أوروبا الغربية، منذ عام 2000 والمعروف أن جماعات المتمردين وقعت في 22 يناير 2008 اتفاقية سلام مع حكومة الكونغو التي اتهمت بالفساد والتواطؤ في عمليات الاغتصاب المنتشرة بشكل بشع. وحتى بعد توقيع اتفاقية السلام تلك، واصلت عصابات المتمردين اغتصاب الآلاف من النساء والبنات في مناطق شرق الكونغو المتاخمة مع حدود رواندا وأوغندا، حيث توجد مناجم الكولتان وغيره من المعادن، مما دفع بمئات الآلاف من المواطنين إلى النزوح من قراهم هناك بحثا عن مناطق أكثر أمنا.
في سياق حرب الكولتان البشعة وبسبب من الأهمية العالية لهذا المعدن ومكوناته للصناعات الالكترونية الحديثة بكامل استخداماتها المدنية والعسكرية تتورط الشركات الكبرى بشكل مباشر في جرائم الحرب الدائرة هناك وقد اتهمت عديد المنظمات غير الحكومية رجل الأعمال السويسري كريس هوبر كأحد أطراف شبكة دولية كبيرة تسعى إلى تهريب المعادن الطبيعية الثمينة من الكونغو بالنيابة عن الدول المتورطة في الحرب هناك كرواندا وفي هذا السياق فقد دعا التقرير، الذي نشرته في بروكسيل مؤسسة الخدمة المعلوماتية للسلام الدولي وذلك بالنيابة عن المنظمات غير الحكومية، دعا منتجي الآلات الإلكترونية إلى حظر استيراد معدن الكولتان من الدول المتورطة في حرب الكونغو، التي بلغ عدد ضحاياها منذ عام 1998 نحو مليونين ونصف المليون قتيل.
يتراوح سعر كيلو الكولتان من 30 الى 100 دولار وتحرص الشركات العملاقة على إبقاء هذه التجارة بعيدا عن النظام الرسمي وهي لذلك تمول حركات المتمردين وتطيل أمد الحرب هناك في سبيل إبقاء سعر الكولتان بحده الأدنى ما أمكن لتوفير اكبر ربح ممكن لها وهي لذلك لا تقيم وزنا لكل المخاطر التي يتعرض لها مواطني الكونغو وبلادهم والبلاد المحيطة هناك.
بقلم/ عدنان الصباح