يخطئ ...من يفكر !!

بقلم: وفيق زنداح

المشهد الداخلي الفلسطيني بتركيبته الاجتماعية الثقافية ....السياسية والاقتصادية ....تأخذنا الي استنتاجات سياسية ...والي مواقف قد لا ترضي أصحاب المواقف المتصلبة ....او العنترية ....وهذا ليس تقليلا أو تهميشا لمواقف احد بقدر ما نحن نود الوصول الي استنتاجات موضوعية تحاكي وتلائم الواقعية السياسية ....المستمدة من واقعية الرؤية ...ومعايشة كافة التفاصيل الحياتية.... والاطلاع على خفايا النفس وما تتحدث به من احتياجات ومصالح واهواء .
المواقف لا تبني على أوهام ...ولا يجب ان تستند الي تأويلات ....لتأملات لا تستند على وقائع وأحداث وتواريخ ....ولا الي تمنيات يحاول البعض أن يبني لها أبراج بخيال عقله ...لعل وعسي أن تتحقق او ان تري النور ....لان المواقف تبني علي حسابات دقيقة ..ومعرفة حقيقية لمجمل معالم المشهد بكافة تفاصيله وعناوينه .
نحن لسنا خارج الكرة الارضية ...ولسنا خارج التأثر بمجريات الاحداث وتقلباتها ومتغيراتها ....بل نحن في صلب المتغيرات .....ومن اوائل المتأثرين بها..... لكننا لسنا من اوائل المراجعين لمواقفنا ....والمقدرين بحسابات دقيقة ما يجب اتخاذه من خطوات .
معظم ما يجري داخل المشهد الداخلي الفلسطيني ....وما يجري من احداث داخل المشهد الاقليمي ...وما يتم من تحالفات وما يخطط من مؤامرات ...وما تشهده الساحة الدولية من متغيرات في اولويات السياسة الخارجية والمصالح الاستراتيجية ....والتي ستأخذنا الي تحليلات واستنتاجات مخيفة بنتائجها ....اذا لم نتدارك احوالنا ...ولم نعيد تقدير مواقفنا .....ولم نتعاطى بحسابات دقيقة قبل تحديد مواقفنا ...وضرورة التعاطي بإيجابيه عالية مع ما يطرح علينا من مبادرات .
المشهد الداخلي الفلسطيني يؤشر في بعض مواقفه وتفاصيله لحالة من التفكك والتضارب ...ولا يعبر عن تماسك وتوحد بالخطاب السياسي الاعلامي والثقافي ....وهذا ما يزيد احوالنا ضعفا .
المسألة باختصار شديد ليس شطارة كلام ...وليس كما يقال مهارة اللعب بالبيضة والحجر ...كما أنها ليست محاولة اطلاق تصريحات متواصلة.... واقامة مهرجات متعددة ...وصناعة أحداث يكثر الحديث فيها والاتهام ...وكأننا أمام مبارزة ما بين أعداء .....وليس الحديث عن علاقات أخوة...وأصحاب قضية ...اصحاب حساب واحد.... كما هم أصحاب فاتورة واحدة لأهداف ثابتة .
فإما أن نكون داخل لعبة الحسابات الدقيقة.....واما أن نخرج منها ليتم التلاعب بنا ....وانهاك قوتنا ....ويتم تأكلنا من داخلنا .....وننهار بمعنوياتنا ...ليتلاشى كل منا عن المشهد والتأثير به .
لا نريد ..ولا نأمل ...ولا نتمنى ....أن نصل الي مثل هذه الاحوال البائسة واليائسة .....بل يجب أن يأخذ فكر كل منا الي أننا لا زلنا بقارب واحد ... أو داخل سفينة واحدة ....لا زالت تبحر بنا في هذا البحر الهائج ..والاخطار تحدق بنا ....وتحيطنا.... وتهدد وجودنا .
الحقيقة واضحة وثابتة ...والصورة مكتملة الاركان ....وكافة الاحداث ومجرياتها ...وتراكمات التجربة واستخلاصاتها ...انما تؤكد ضرورة ان نعيد صياغة فكرنا الجمعي من خلال الافكار والاجتهادات التي تقربنا من بعضنا البعض ...ولا تباعد بيننا .....لأن ما يجمعنا اكثر وأكبر مما يفرقنا ...بدليل ان السياسة ومواقفها ليست مسألة ثابتة .....لكنها متغيرة بتغير الاحداث ومجرياتها كما أنها متغيرة بتغير التحالفات وعلاقاتها ....كما تغير الأنظمة وحكامها ....والأيدولوجيات والأفكار وما يطرأ عليها .
كل شيء متغير ...وربما بسرعه البرق ..أو ربما ببط شديد ..لكنه التغيير الحاصل ...والذي يتجاوز قدرات كل منا ...بل يتجاوز امكانيات قوي المنع بداخلنا ....على اعتبار أن التغيير محكوم بالعديد من العوامل والاسباب والمتغيرات الجزئية التي تولد متغيرات كلية ...يصعب على أحد مواجهتها ...كما يصعب وقفها ....أو حتي تحجيمها .
بداخلنا قناعة ثابتة ...ان الحسابات وارصدتها وأرقامها تتغير بفعل عوامل الزمان والمكان ....كما أن الحسابات لدي كل منا تتغير بفعل تجاربنا ....وفكرنا واستخلاصات تجربتنا ...وبالتالي يجب الاقتناع الثابت والراسخ ان فكر كل منا لا يعني الحقيقة الكاملة والمطلقة ....بل كل منا يحمل بفكره ويخلص بنتائجه ...الي جزئيات يمكن تجميعها وبلورتها ...وانضاجها ..والاضافة عليها من خلال المختصين والخبراء واصحاب الشأن لنجعل من كل هذه الافكار فكرة ناضجة تحتاج الي قرار ...والقرار يحتاج الي اعتماد ....حتي نصبح جميعا أمام شيء ملموس قابل للتطبيق ...وبداخله الكثير من الحقيقة التي نأمل بها .
هذا ليس مجرد خيال ....لكنه واقع ملموس لكل من تابع مجريات الاحداث والمواقف ...وربما التغيرات الحاصلة بالمواقف عبر المراحل التاريخية والتي تؤكد لنا ولغيرنا أن لا ثبات للسياسة ....ولا ثبات بالمواقف ....ولا حتي هناك ثبات بالاستراتيجيات ....وكل من يحاول أن يؤكد حالة الثبات انما يحاول ان يخرجنا عن عقولنا ....وفكرنا ..وتجاربنا ...وحتي تجارب كافة الشعوب .....وثوراتها ومسيراتها .
منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد صاحب مواقفها الكثير من التغيرات ...فالقرار 242 كان مجرد الاقتراب منه خيانة وطنية ....واليوم اصبح مطلب نطالب به ...كما القرار 181 قرار التقسيم كان مجرد الاقتراب منه خيانة عظمي....واليوم نأمل بتنفيذه .
والبرنامج السياسي الذي تم اقراره والمسمى برنامج الحد الأدنى....لم يكن مقبولا ....بحسب نصوص ميثاق منظمة التحرير .
مثال التغير بالمواقف.... وما أتيت عليه كمثال منظمة التحرير الفلسطينية.... لا يعني تنازلا ....أو تفريطا ....أو تراجعا ....ولكنه يعني الحكمة.... والقدرة على احداث الاختراق السياسي والخروج من دائرة الضيق .....لنصل الي مسرح السياسة العالمية حيث التأييد الدولي ...والقرارات الاممية ..والاعترافات التي تزداد لصالح شعبنا ودولتنا ....وما يجري على الساحة الدولية من مبادرات وقرارات ومواقف تؤكد حقوقنا .....وتجعلنا الاقرب لتحقيق دولتنا .
لا اريد الحديث ....عن مواقف الاخرين.... الذين تراجعوا عن ما كانوا يقولونه ويرفعوا من شعارات .....فالمسألة ليست اثبات اخطاء ...وسوء تقدير بالحسابات السياسية ....لكننا يجب أن نراجع أنفسنا جميعا ....بما كان يقال قبل عقود ....وبما يقال اليوم ...وربما بما سيقال غدا ....والذي يثبت أن التغيرات جارية .....والحسابات تتغير ...والمراجعات تحدث تغييرات للحسابات والمواقف ...وهذا ليس عيبا.... أو يحسب كخطأ ..لكنه يأتي في اطار الموضوعية والالتزام والفكر السليم .....واستخلاصات التجربة التي اوصلت الي نتائج أقرب الي الموضوعية ....ولكنها ليست الاقرب للعدل والحق ....لذا فلكل منا فكره ومواقفه ....والتي يمكن أن يخطئ بها ...لكننا يجب أن لا نحاسب أنفسنا على اخطأنا .....بل نحاسب أنفسنا .....على كل من لا زال مصرا على أخطائه ...دون مراجعه لمواقفه .
الكاتب : وفيق زنداح