لم يسجل تاريخنا العربي والإسلامي تراجعا عن موقف حاكم ، أو تنازل ومغادرة الحكم طوعا ، بل احسبهم جميعا لم يغادروه إلا محمولين على الأكتاف بعد وفاة طبيعية أو اغتيالا إلى مثواهم الأخير ، أو يرزحون قسرا في غياهب السجون ، هذا هو حال حكامنا تاريخيا ، أقول هذا وأعود إلى الوراء بفترة من الزمن شهدناها في حياتنا ألا وهي تخلي بعض الزعماء خاصة في إفريقيا ، واخص إفريقيا لأنها اقرب سياسيا وفكرا إلى السياسة والتفكير العربي والإسلامي على مستوى الحكم والإدارة ، إذ شهد التاريخ الإفريقي الحديث ثلاث حالات لتنازل ومغادرة عدد من الزعماء لكراسي الحكم وهم في أوج تالقهم وعطائهم لشعوبهم ، لإفساح المجال لغيرهم من الطاقات المتجددة ليمارسوا دورهم الوطني ، اذكر ثلاث حالات هي الرئيس التنزاني جوليوس نيريري الذي حكم تنزانيا في الفترة من 1960- 1980 ، والرئيس السنغالي ليوبولد سنجور الذي حكم السنغال في الفترة من 1961-1985 ، والرئيس نيلسون مانديلا الجنوب افريقي الذي حكم في الفترة من 1994-1999 ، ثلاثتهم غادروا الحكم طواعية وكانوا في استطاعتهم البقاء على سدة الحكم حتى ساعة وفاتهم ، لذلك احتضنتهم شعوبهم ، وعاشوا معززين مكرمين رموزا يهتدى بارائهم وتوجيهاتهم .
اكتب هذه الكلمات بعد إعلان السيد راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسية عن قراره وقرار الحزب بمراجعة نهجه وبرنامج عمله القادم ، لم يخجل الغنوشي عندما قال فيما معناه أننا لم نستطع تحقيق ما يصبوا إليه الشعب التونسي من استقرار وامن وتنمية وتقدم ورخاء ، فكانت رؤيته للمراجعة مراجعة النهج وخطط العمل ومنها فصل الدين عن الدولة ، فصل الدعوة الدينية عن العمل السياسي ، مواقف هي بالفعل وطنية تنم عن حرص صاحبها على شعبه وأمته ووطنه ، ليس العيب أن يقف القائد ليعلن عن خطئه ، ولكن العيب الاستمرار والإصرار على الخطأ ، ربما هذه هي الحالة الوحيدة في عالمنا العربي التي يخرج قائدا لحزب كبير في بلادة تونس وله دور كبير في الحياة التونسية .
أمثلة نضربها كدليلا عن الرؤى السليمة والصائبة تنم على الحس الوطني والحرص على الوطن والانتباه إلى المواطن الذي هو إنسان قبل كل شيء ، المواطن أساس المجتمع ، أساس التنمية ، أساس الاستقرار "، وبدون المواطن فلا وطن ولا بلاد ، إنما ارض فارغة مرتعا لسباع البر والجو ، المواطن يعني الإنسان ، وفي كل الأحوال الإنسان أولا .
فلسطينيا ، ما أحوجنا إلى المراجعة ، المراجعة الشاملة لكل برامج الأحزاب والفصائل ، التي لم يحدث فيها أي تغيير أو تبديل منذ التأسيس للحزب أو الفصيل ، وليكون هدفها الأول هو المواطن ، والوطن لا الحزب أو الفصيل ، منذ أن وضعت هذه البرامج لم يتغير منها شيء ، وعليه فإن الخطاب السياسي لم يتغير ، هي هي نفس الشعارات ، نسمعها منذ بدايات نشأة الأحزاب والفصائل ، لا بد من المراجعة في ظل تبدل وتغير الكثير من المعطيات ، فالمنطقة العربية تتغير من حولنا ، الإقليم يتغير من حولنا ، والعالم يتغير من حولنا ، وهناك ثورة المعلومات والمعرفة التي لم تكن متوفرة من قبل ، اعتقد يمكن المراجعة بما يتناسب وطبيعة المرحلة وما يتناسب مع التمسك بحقوقنا الوطنية وتحقيق مصيرنا ، ولكن مراجعة تعمل على استمرار وتدفق الدماء في شرايين أبناء شعبنا ، مراجعة تضمن إعادة صياغة علاقاتنا الداخلية وعلاقاتنا العربية وفق المصالح العليا لشعبنا ، اعتقد انه بالمراجعة الحقيقية والجادة سوف تسهل على الجميع النزول عن شجرة التصلب في المواقف ، وإيثار مصلحة الوطن والمواطن على مصلحة الحزب .
متى يمكن للفصائل والأحزاب إدراك أننا شعب قابل للتغير ، أننا شعب حي ، وعلى الرغم من ذلك نواجه أصعب مراحل القهر والظلم ، صحيح إننا نواجه ممارسات عدونا نواجه ضغوطا دولية ، وعربية ، ولكن بالمراجعة يمكن التعامل والتعاطي مع هذه الأمور من اجل الوصول إلى ما نصبو إليه .
يا قادتنا ، نعرف إنكم تواجهون الكثير ، لذلك لا نطلب منكم أن تكونوا ملائكة ، بل نطلب منكم وقفة تأمل ، وقفه صادقة مع مواطنيكم ، ووطنكم ، لقد بلغ السيل الزبى ، ماذا تنتظرون ، أينتظر كل واحد منكم أن يرضخ الأخر له ، ويرفع الراية البيضاء عندها تقولوا انتصرنا ، المواطن يريد حياة كريمة بكل جوانبها ، تعليم ، صحة ، عمل ، غذاء ، كساء ، حركة ، فمن هو يتحمل مسئولية هذا الشعب فعلية إيجاد الحلول ولا يتحجج باعتذار الحصار والوضع الدولي والإقليمي ، فإذا لم يستطع فليعلن بصراحة انه غير قادر ويفسح الطريق ليأتي غيره لاستلام المسئولية ، ولن ينقص هذا شيء من قدره بل سيزداد احتراما وتالقا بين أفراد شعبة ، ياقادتنا انحازوا إلى شعبكم فسوف تسئلون أمام رب العالمين .
بقلم/ أكرم أبو عمرو