التغيُّرات التي شهدتها الساحة السياسية الإسرائيلية مؤخراً، لا تحمل جديداً مختلفاً، ولا تحتاج إلى أن يرهق المحلّلون أنفسهم في تحليل أبعادها.
استبدال متطرف من الليكود هو وزير الدفاع السابق يعالون بوزير أشد تطرفاً، هو أفيغدور ليبرمان لا يخالف كلاهما السياق الذي تتجه نحوه الدولة الإسرائيلية وسياساتها.
نتنياهو كان قد اتبع العديد من السبل، للسيطرة على جهاز القضاء وعلى الأجهزة الأمنية، وهو في سبيله للسيطرة على الجيش دون أن يضع نفسه في الواجهة وليبقى حكماً متحكماً في عملية تطويع الجيش.
لا نحتاج إلى سرد الكثير من المعطيات والمؤشرات التشريعية والإجرائية التي تؤكد التحول التدريجي المتسارع للدولة نحو العنصرية، فلقد كانت أقوال نائب رئيس الأركان التي فجّرت الخلاف واحدة من أهمّ الشهادات.
شهد شاهد من أهلها، فلقد قال إن الوضع في إسرائيل يشبه الأوضاع التي كانت عليها ألمانيا عشية الحرب العالمية الثانية.
عشية الحرب العالمية الثانية مرت ألمانيا بظروف تشهد على تصاعد العنصرية والنازية، والغرور الذي دفع البلاد إلى أتون حرب مدمّرة، انتهت إلى سقوط النازية، وتقسيم ألمانيا، بعد أن قدمت خسائر ضخمة أعاقت تطورها لكثير من الوقت.
قبل تصريحات نائب وزير الدفاع الإسرائيلي كانت وزيرة الخارجية السابقة تسيفي ليفني قد صرحت بأن سياسة حكومة نتنياهو تدفع إسرائيل إلى جهنم.
نتنياهو الذي يركبه الغرور ويواصل السعي من أجل تتويجه ملكاً بسبب طول فترة إقامته كرئيس للحكومة وبسبب قدرته على السيطرة على مفاصل الدولة، لا يجد ما يدعوه للاستماع بعقل إيجابي للدعوات التي تصدر من عواصم كبرى، من أجل تحقيق السلام. تتصرف إسرائيل باعتبارها دولة كبرى مستقلة تستطيع أن تفرض على حلفائها ضرائب باهظة لقاء دورها في تدمير حركة التحرر العربي، وحراسة المصالح التي تتعلق بحلفائها ممن خلقوها، ومن كلفوا أنفسهم بحمايتها، وإدامة تفوقها.
لا يتورّع هذا المغرور عن توجيه الإهانات إلى حلفائه وأكثر هذه الإهانات تلقتها الإدارة الأميركية الحالية بما في ذلك رئيسها وأهمّ رجالاتها.
يعتقد نتنياهو أن الظروف الصعبة المحيطة بفلسطين تمنح إسرائيل الفرصة لملء الفراغ، والتصرف كدولة إقليمية طاغية يمكنها أن توسع أطماعها ونفوذها، وأن تتحول إلى الشرطي الأول لحماية المذعورين، ولردع الطامعين.
إذا كان هذا هو تقدير الموقف في إسرائيل فإنه من غير المتوقع المراهنة على استعداد حكومة نتنياهو "لأن تتنازل للفلسطينيين عن أرض تراها محل نزاع، وتتطلع إلى استعادتها باعتبارها يهودا والسامرة"؟. وجود شخصية غير عسكرية مثل ليبرمان في وزارة الدفاع، مع كتلة برلمانية توسع قاعدة الحكومة في الكنيست، لا بدّ أنه يضيف إلى المنطق السياسي الرسمي للحكومة المتطرفة، تطرفاً، من المرجّح أن يدفعها نحو المزيد من المغامرات.
وإذا أضفنا إلى ذلك التداعيات التي يمكن ملاحظتها، والمعاني التي يحملها انضمام يهود غليك إلى الكنيست فإن المشهد يصبح مكتملاً.
المشهد يشير إلى سيطرة كاملة وشاملة للمتطرفين على الحياة السياسية والتشريعية، بحيث يبدو ما يسمى اليسار والوسط، وكأنه عنصر لا يصلح حتى لتجميل المشهد ولو قليلاً.
نتنياهو لم يكن يقصد المراهنة على انضمام حزب العمل إلى الحكومة، إلاّ إذا ذهب رافعاً الرايات البيضاء، ومستعداً للرضوخ الكامل لإملاءات نتنياهو واستراتيجياته، ولكنه استفاد من ذلك لضمان انضمام حزب "إسرائيل بيتنا" بأقل الأثمان والشروط.
القادم إلى الجيش معروف بأطروحاته المتطرفة، ومعروف بثباته على قراراته ومواقفه وسياساته سواء أكان في الحكومة أو في المعارضة، وهو معروف، أيضاً، بأنه الأكثر صراحة وفجاجة في التعبير عن طبيعة الدولة.
ليبرمان لا يعرف اللف والدوران، ولم تبدل تجربته السابقة في وزارة الخارجية من طبيعته، ولذلك فإنه من أكثر الشخصيات السياسية التي ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد.
ليبرمان كان قد قال حين كان في الحكومة إنه لا مجال لتحقيق سلام انطلاقاً من مبدأ الأرض مقابل السلام، وهو القائل إنه لا توجد إمكانية لتحقيق رؤية الدولتين وإن إقامة دولة فلسطينية على أجزاء من الضفة تستدعي تبادلا سكانيا يريح إسرائيل من فلسطينيي المثلث.
ليبرمان، أيضاً، هو من أصرَّ منذ البداية، ويواصل الإصرار على ضرورة اقتلاع حركة حماس والمقاومة من غزة، حتى لو تطلّب ذلك إعادة احتلال القطاع، وهو، أيضاً، من يواصل تهديداته للرئيس محمود عباس والسلطة.
مع وصول ليبرمان على الفلسطينيين أن يستعدُّوا لتصاعد دقّات طبول الحرب، على غزة بعدوان واسع وعلى الضفة بإجراءات إجرامية متنوعة، خصوصاً وأن إسرائيل تحتاج إلى قطع الطريق على الجهد الفرنسي والدولي الذي يستهدف إعادة الحياة للعملية السلمية، وفي الوقت ذاته التغطية على الأزمة التي خلّفها تعيين ليبرمان بدلاً من يعالون.
المهمّ أن الإدارة الأميركية عبّرت عن تطلعها للتعاون مع الوزير الجديد، انطلاقاً من حرصها المطلق على إسرائيل وأمنها، فعسى أن يكون في ذلك درس للفلسطينيين قبل غيرهم.
طلال عوكل
2016-05-23