غريب جدا أن نرا ما يحدث على الساحة الفلسطينية من مهازل سياسية ولا نحرك ساكنا وكأننا من كوكب آخر أو لا نعيش على نفس الساحة. والأغرب من ذلك أننا نستمع لنفس السنفونية منذ سنوات ولا نمل من إستماعها . فأين إرادة الشعب . هي ماتت ؟ أم إنهرست تحت آلة القمع أم ذابت في مصطلح الفاشية المتفشية في المجتمع والدولة الرضيعة .
إن المصالحة الفلسطينية أصبحت من أسوا الظواهر السياسة وأكثرها قبحا . ليس لأنها مصالحة فحسب بل لسوء إستخدامها على أرض الواقع وهذا ما يجعل تنقيذها مستحيلا .
فهناك شيئ خطير جدا يجري على أرض الواقع وهو في حد ذاته أخطر من الإنقسام وهو
"إدارة الإنقسام" وهذا ما يجعل الإنقسام أطول عمرا لأنه يتغذى على مفاهيم وأدوات مخادعة من شأنها أن تكسب الوقت وتلعب على اأجندة مخالفة لطبيعة الواقع الفلسطيني .
فهناك شيئ خطير يلعب دورا هاما في الإنقسام وللأسف الشديد الكثير من الناس يعتقد أنه يكمن في عدم التفاهم بين الفصيلين المتناحرين "فتح حماس" أو يكمن في الكراهية بين الفصيلين فحسب أو يكمن في تطبيق أجندة دولية ومصالح إقليمية تسعى لنشر نفوذها على الساحة الفلسطينية الداخلية . فهذه الأسباب موجودة كما يظن غالب الناس ولكنها واضحة وصريحة عبر ذهن الناس جميعا والسكوت عنها يعني عدم المقدرة على تغييرها ولكن أسباب الإنقسام الأكثر خطورة من هذه الأسباب التي ذكرتها هي مجموعة من الأخطاء القاتلة التي يمارسونها الأشخاص القائمين على ملف المصالحة وهي عدة نقاط .
أولا : تشكيل حكومة التكنوقراط وهي ما أطلق عليها اسم حكومة إدارة الإنقسام رغم أنها تقدم خدمات للمواطن ولكنها أيضا تغذي حالة الإنقسام لأنها كمصطلح سياسي تعطي إنطباعا بأن الوضع الراهن على ما يرام مع أنها لا تستطيع أن تمارس صلاحياتها على أرض الوطن بالكامل . علما بأن الصلاحيات تمارس في الوضع الراهن بوضع اليد وليس بالتشريع الكامل .
ثانيا : الصولات والجولات المتكررة في ملف المصالحة وتسويقها في المجتمع الدولي والوطن العربي وتسويقها عبر وسائل الإعلام وتكرار الجلسات المنعقدة بين الطرفين المتناحرين يعطي إنطباعا للناس بأنهم جادين في المصالحة وأنهم يعملون ليلا نهارا لتحقيق هذا الملف الشائك . ولكن في الحقيقة ما هي إلا تقاليد واعراف سياسية الهدف منها الحفاظ على هيبة بعض الاشخاص أما الرأي العام .
ثالثا: الغريب في الأمر أن جولات المصالحة الوطنية الفلسطينية تتنقل بين العواصم العربية والدولية وتبحث على من يرعاها ويدير الحوار بين الأشقاء وهذا دليل واضح على أن الأشقاء أنفسهم لا يملكون القدرة على إدارة انفسهم وحل مشاكلهم بانفسهم . فكيف سوف يديرون الوطن سويا في حال إنتهت مهام الوسطاء بينهم وتركو الشئن لأصحابة .
رابعا : من المؤسف أيضا أن بعد كل جلسة للمصالحة مباشرتا تبدأ الإتهامات بين الطرفين والتراشق بالألفاظ وتحميل المسئولية من طرف الى آخر عبر وسائل الإعلام وهذا ما يجعلهم يتنصلون من الإتفاقات السابقة بشكل سهل ويبقى الشعب المطحون في حيرة من أمره .
هذه هي سنفونية المصالحة التي أوشكنا الإدمان عليها ومن خلالها دخلنا في دائرة مغلقة لا نستطيع الخروج منها . ومن هذا المنطلق يجب على الشعب أن يقف وقفة جادة أمام إجتكار الرأي والقرار . فيجب على المثقفين وأصحاب الآراء والمفكرين والمتخصصين في هذا المجال من عامة الشعب أن يوصلو رسالتهم عبر وسائل الإعلام وجميع الوسائل المتاحة لتحديد مصير الناس البسطاء ووضع بصمة لهم لأنهم هم السلطة الحقيقية التي تعطي تشريعا للسلطة التقليدية التي لا تزال متصلبة في مواقفها ولا تستطيع الخروج من دائرة الصراع .
أشرف صالح