انتصرت إسرائيل في باريس باعتراف رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني الذي قال: لقد غاب عن البيان الختامي لمؤتمر باريس الكثير من النّقاط الأساسيّة التي افترضنا أنّه سيتضمّنها. وأضاف، لقد كنّا نتوقّع بيانًا أفضل، وكنّا نتوقّع مضمون بيان أفضل.
وانتصرت إسرائيل في باريس باعتراف القيادة الإسرائيليّة التي أبدت رضاها عن البيان الختامي للاجتماع كونه لم يتطرّق إلى جدول زمنيّ للمفاوضات بين الجانبين، إضافة لكونه لم يتطرّق إلى حدود 1967 كشرط أساسيّ للمفاوضات.
فشل مؤتمر باريس لا يعني فشل الرئيس الفرنسي هولاند الذي لخص المؤتمر ونتائجه وانعكاساته بجملة واحدة، حين قال: إننا لن نحلّ محلّ طرفي النّزاع، وشدّد على ضرورة تحرّك المجتمع الدّوليّ، حتى لا يملأ المتطرّفون الفراغ.
فمن الذي فشل إذن، طالما أن فرنسا لم تفشل في الدعوة إلى عقد المؤتمر الذي صار اسمه المؤتمر الداعم للقضية الفلسطينية بدل أن يكون المؤتمر الدولي لحل الصراع؟ ولماذا غاب عن المؤتمر ممثلو الدول العظمى المهمة في أوروبا، مثل بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وروسيا، والذي يمثل غيابها عدم الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وعدم القلق من تطوراتها؟
إن الانتصار الذي حققته إسرائيل في باريس هو انتصار لموقفها السياسي الرافض لأي تدخل دولي في المفاوضات، التي يجب أن تجري بين طرفين اثنين فقط، طرف قوي متمكن اسمه إسرائيل، وطرف آخر ضعيف لا يمتلك من أمره شيئاً، اسمه السلطة الفلسطينية.
وإذا كانت الخارجية الإسرائيلية ترجع الانتصار هذا إلى النشاط المكثف الذي قامت فيه الدبلوماسية الإسرائيلية على الصعيد الدولي، إلا أنني أزعم أن الانتصار الإسرائيلي في باريس قد تحقق بفعل بنشاط الأجهزة الأمنية الفلسطينية؛ التي نجحت في وأد الانتفاضة، ومنع المسيرات الجماهيرية التي كان يجب أن تحتك بالمستوطنين، وتؤرق أمنهم، ونجحت في التفتيش عن السكاكين في حقائب طلاب المدارس، ونجحت في تحقيق الأمن بدرجة لم تعد تؤرق المجتمع الدولي، ولم تعد تزعج إسرائيل كي تفتش عن عقد مؤتمرات دولية لتهدئة الأوضاع الأمنية.
لقد نسي الذين سعوا لعقد مؤتمر باريس أن الضغط على إسرائيل لا يأتي من الخارج، ونسوا أن كل دول العالم لا تزحزح إسرائيل مليمتر واحد عن احتلال الضفة الغربية، ونسوا أن حجراً صغيراً في يد طفلة قد يحرك الدنيا أكثر من مؤتمر باريس الداعم لقضية، ونسوا أن سكاكين القيادة التي ذبحت الانتفاضة في الضفة الغربية هي التي مكنت إسرائيل وأمريكا من فرض شروطهما وإرادتهما على المؤتمرين الذين لم يعرف بعضهم لماذا جاء إلى باريس؟
د. فايز أبو شمالة