أعيدونا إلى مربع العزة والكرامة بدلا من الوقوف أمام بوابات الذل

بقلم: أكرم أبو عمرو

للمرة الثانية وخلال فترة قصيرة احدني مضطرا للكتابة من وحي ترددي على معبر رفح البري خلال اليومين الماضيين، ولكن هذه المرة لا أريد التعرض لما رايته ولمسته من أشكال المعاناة التي يواجهها شعبنا بكل شرائحه ، لأنني تناولته في مقالات سابقة ، وتناوله الكثير غيري ، ولكن أريد هنا تسجيل أننا لا نتوجه باللائمة إلى الموظفين العاملين في المعبر ، سواء أكانوا موظفين مدنيين أو رجال شرطة أو رجال امن ، لا في الجانب الفلسطيني، ولا في الجانب المصري ، فهؤلاء كان الله في عونهم ينفذون القرارات والتعليمات الصادرة إليهم من مكان بعيد ، حيث يجلس من يخطط، ويرسم ، ويصدر القرار، في كللا الجانبين ، وفي هذا التسجيل ربما أقوم بالرد على الكثير ممن يتهمون الكتاب بأنهم لا يقومون إلا بالصراخ ولا يقدمون الحلول ، أقول نعم أننا نكتب ، ونصرخ ، لنقل الصورة الحقيقية لمعاناة شعبنا ، ليس من دورنا ، ولا من صلاحياتنا وضع الحلول ، ولا تنفيذها ، أننا فقط نقوم باقتراحات ربما، ونقوم بنقل ما يطرحه المواطن والرؤى المختلفة ، يبقى الأمر مرهون بالإدارات العليا ، والقيادات الأعلى على جميع المستويات ، فهؤلاء يجب عليهم وضع معاناة المواطنين أمام أعينهم .

كنا والى فترة قريبة نسمع شعار غزة هي بوابة الوطن ، غزة هي أول الوطن ، غزة هي فخر الوطن ، غزة هي مهد ثورة الوطن ، وإذا بنا الآن نرى أن غزة قد أصبحت بوابة ذل الوطن ، وذل أهل الوطن ، ولا أبالغ هنا إذا قلت أنها تقترب من نهاية الوطن الذي لم نراه إلا في أحلامنا وأوهامنا .

ماذا يعني حصار نحو مليونين من البشر ، من جميع الجهات التي خلقها الله سبحانه ، ببرها وسمائها وبحرها ، وماذا يعني إطلاق هذه البالونات الإعلامية في فترات متباعدة جدا عن فتح معبر رفح للسفر ولا يبلغ عدد من أصابه الحظ للخروج بضع مئات وربما بضع آلاف اقل من عدد أصابع اليد ، ماذا يعني الإعلان في فترات متباعدة عن السماح لخروج بضع عشرات من المواطنين عبر معبر بيت حانون للعبور من جسر الكرامة إلى الأردن ، كم يمثلون ممن هم في حاجة للسفر ، هذه جريمة ترتكب في حق شعب كامل ، جريمة ترتكبها سياسات حمقاء لا ـاخذ في حساباتها أي بعد أنساني .

إن مسالة قضية مغبر رفح البري ليس المسالة الوحيدة والجميع يعرف ، لا داعي لإعادة ذكرها واجترارها ، وإذا ذكرت الأسباب تجد الجميع يلقي باللائمة على الانقسام الفلسطيني ، وعدم التوافق الفلسطيني ، وهذه اللائمة تجدها مع الأسف تأتي من الداخل أولا، ومن الخارج ثانيا .

كل هذا يجري وكأن قيادات شعبنا ، بمختلف أطيافها وألوانها قد استمرأت ذلك ، كل ما نراه ونسمعه لا يعدو عن بيانات أو مبادرات تواجه بالتأييد والترحيب تارة وبالانتقاد تارة أخرى ثم تمضي ولا حراك كم من مبادرة ، كم من اقتراح ، أين ذهبت وما هو مصيرها .

إذا كان كذلك فلماذا كل الزيارات منها المكوكي والماراثوني والمتكرر إلى الدوحة والقاهرة ، ما الفائدة ، سنوات عديدة قيل كل شيء هل بقى هناك اقتراحات أو رؤى ، لماذا مضيعة الوقت ، وتمديده بلا طائل ،أن الوقت يأخذ من عمر أبناء شعبنا ، السنين تمضي بسرعة البرق بالشباب الواقف على طوابير الانتظار ، إلى متى .

ولماذا الجري وراء أوهام وسراب اللقاءات والمفاوضات والمبادرات ، ولننظر إلى الأخير منها وبالتأكيد لن يكون الأخر ، مؤتمر باريس ، هل ما زلنا نرجو شيئا من أمريكا وإسرائيل .

السؤال أين الأيام الماضية ، عندما كان الفلسطيني يخرج ويدخل إلى بلادة معززا مكرما إذا ما قيس بحالته هذه الأيام ، حتى زمن الاحتلال ، نعم لقد كنا شعبا يتصدى للاحتلال ، كنا شعبا نقول للاحتلال لا في وجهه وهو بين ظهرانينا ، كانت قضية أرضنا هي جل اهتمامنا ، فما الذي تغير .

اعتقد أن جميع مشاكلنا يمكن الخروج منها لأنها بأيدينا ، وليس بتعليقها على شماعات الغير ، في إمكاننا العودة إلى مربع الكرامة ، في إمكاننا فتح كل الأبواب عندما نثبت للغير أننا شعب مؤهل وشعب حضاري ، المطلوب لجم مشاكلنا الداخلية وصراعاتنا ومناكفاتنا واختلافاتنا ، ولتحتفظ كل جهة برؤاها ، مع ضرورة التوافق على القواسم المشتركة ، ألا وهي مصلحة الشعب ، ومجريات حياته اليومية ، المطلوب هو إعادة احترامنا لأنفسنا حتى يحترمنا الغير ، وأول مظاهر الاحترام هو أن نسعى للمصالحة هنا في غزة موقع الحدث وليس في الدوحة القاهر مع احترامنا وتقديرنا لدور كل منهما ، كما أن المصالحة لا يمكن أن تتم في سويسرا أو أي بلد ، وأخيرا كفي وقوفا على بوابات الذل ، اجعلوها بوابات للكرامة ، أعيدوا غزة أول الوطن وليس نهايته .

بقلم/ أكرم أبو عمرو