عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة

بقلم: حنا عيسى

بعد إنتهاء الحرب العالمية الاولى تم عقد مؤتمر للصلح في مدينة باريس عام 1919م، وقد انتهى هذا الموتمر إلى توقيع (معادة فيرساي) في نفس العام ، وتنص على عدة أحكام تتعلق بتنظيم عالم ما بعد الحرب، وأهمها: إنشاء عصبة الامم  ومحكمة العدل الدولية الدائمة.

كما عرفت خارطة العالم تغيرات ضخمة نتيجة لهذا المؤتمر أهمها خسارة السلطنة العثمانية لجميع أراضيها في أروبا وخسارة ألمانيا لجميع مستعمراتها في إفريقيا، ونشوء بعض الدول المستقلة الجديدة مثل بولونيا وتشيكوسلوفاكيا ودول البلطيق (استونيا، ليتونيا ولاتلفيا)، وانفصلت المجر عن النمسا وايرلندة عن بريطانيا، واستكملت إيطاليا وحدتها الترابية بإسترجاع منطقة البندقية وتريستيا من النمسا التي خرجت مغلوبة من الحرب.

واذا أضفنا الى هذه التغيرات سقوط النظام القيصري في روسيا بثورة أكتوبر 1917م يظهر لنا بوضوح أن أحداث الحرب العالمية الاولى قد قلبت الميزان الأوربي رأسا على عقب، وخلقت نوعا من التغيرات الجغرافية التي كانت السبب الأول في نشوب الحرب العالمية الثانية بعد عشرين عاما من معاهدة فرساي.

وهكذا لم تستطع (عصبة الامم) التي قامت بموجب معاهدة فيرساي أن تقف في وجه تدهور الأوضاع الدولية وإندفاع العالم الى الإرتماء في أتون حرب عالمية ثانية، لانها كانت أضعف من ذلك، ولان الدول المؤسسة لها حاولت أن تبقيها ضعيفة بهذا الشكل.

عصبة الامم حاولت أن توفق بين ثلاث مصالح متعارضة ومتضاربة هي:

1-   مداراة مصالح الدول الكبرى.

2-    مراعاة الرغبات القومية .

3-    الحفاظ على التوازن الدولي .

عصبة الامم حققت بعض الانجازات من أهمها ما يلي :

1)  تطبيق مبدأ مساواة الدول بشكل فعلي وذلك بقبولها في عضويتها بعض الدول الافريقية (مصر، ليبيريا، الحبشة)، والاسيوية (اليابان، الصين، ايران، العراق..).

2)  طبقت بنجاح نظام الانتداب الجديد في بعض الاراضي التي انفصلت عن السلطنة العثمانية (سوريا، لبنان، العراق، وشرق الاردن) وفي المستعمرات التي انفصلت عن ألمانيا مثل زنجبار والتوغو

 ولكن نظام الانتداب الدولي انتهى الى فشل كامل، وأدى الى خلق بؤرة للحروب والثورات في مناطق مختلفة مثل انتداب بريطانيا على فلسطين.

3)  أحدثت العصبة طفرة ملحوظة في القضاء الدولي وذلك بواسطة محكمة العدل الدولية الدائمة المرتبطة فيها ومقرها لاهاي.

4)  أحدثت تطورا في ميدان (قانون منع الحروب - ميثاق بريان كيلوج) 1928 وميثاق جنيف 1928 حول القبول بالتحكيم الاجباري ووسائل حل المنازعات بالطرق السلمية ( وساطة، توفيق، مساعي حميدة).

5)   وضعت مشروعا لنزع السلاح.

ولكن هذه الانجازات جميعها لم يقدر لها أن تعطي أفضل النتائج لتوالي الأزمات الدولية بعد عام 1933م وفشل العصبة في حلًها (فشلها في الوقوف بوجه أعمال التوسع اليابانية في الصين وكوريا عام 1933 م وفشلها في منع ايطاليا من احتلال الحبشة سنة 1935، وموقفها السلبي من مؤتمر ميونيخ سنة 1938 ...) وهذا ما قاد إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.

ومنذ عام 1941 م بدأ الحلفاء بالتفكير في تنظيم المجتمع الدولي على أسسٍ جديدة وإنشاء منظمة دولية تكون أقوى فعالية من (عصبة الامم) ولهذا الغرض دعت الولايات المتحدة الأمريكية جميع الدول الحليفة والصديقة والمحايدة إلى عقد اجتماع في مدينة سان فرانسيسكو حضره ممثلون لواحد وخمسين دولة، وقد وضع هؤلاء (ميثاقاً أو شرعة) لمنظمة دولية جديدة تحت اسم (هيئة الامم المتحدة) وتم التوقيع على هذا الميثاق يوم 26 /حزيران 1945 م ، ودخل حيز التنفيذ في 24/ تشرين الأول / من العام نفسه .

والكسب الجديد الذي أتى به ميثاق الهيئة هذه بالنسبة لصك عصبة الامم الذي سبقه، هو إتسامه بطابع الشمول، حيث أنه موضوع ليطبق على العالم بأسره ، وكذلك النص في صلبه على تساوي الدول جميعا ومنع استخدام القوة ووجوب إزالة الاستعمار من العالم .

واذا أردنا معرفة مقدار التطور الذي مرت به الهيئة الامم المتحدة فيكفي أن نعدد الاوضاع الدولية التي كانت سابقا مشروعة في فترة عصبة الامم وزالت في العصر الحاضر مثل:

1)   زوال الاوضاع الاستعمارية وشبه الاستعمارية.

2)   زوال فكرة المعاهدات غير المتكافئة.

3)   قبول قواعد جديدة في مجال استخلاف الدول.

4)   تحريم الاستيلاء على الاراضي بالقوة (زوال حق الفتح).

واخيرا فأنه ينتظر من هيئة الامم المتحدة أن تقوم بعدة مهام:

1)   الحيلولة دون إندلاع حرب عالمية ثالثة.

2)   إنهاء الاوضاع التي خلفها الاستعمار، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية.

3)  تحقيق معدلات تنمية معقولة في البلدان المتخلفة والسائرة في طريق النمووإقرار نظام اقتصادي عالمي جديد .

بقلم/ د. حنا عيسى