تعريب لمواجهة التدويل

بقلم: هاني العقاد

بعد ان بات من المؤكد وصول فرنسا لإطلاق ورعاية مؤتمر دولي لحل الصراع وبعد ان ادركت اسرائيل ان فرنسا اخذت تحشد بكثافة للمؤتمر ,اخذت اسرائيل تبحث عن قنوات ما لمحاولة التأثير على المؤتمر والتشويش على الجهد الفرنسي وجزء من هذا التشويش باتت تضطلع به واشنطن حليفة اسرائيل الكبرى وراعية كل مبادرات السلام والمفاوضات الفاشلة بالماضي ,وهذا ما ظهرت نتائجه في البيان الختامي للاجتماع التشاوري في باريس مما سجل نجاح اسرائيل وحلفاءها للمرة الثانية بالتأثير على الموقف الفرنسي بعدما اجبرت فرنسا بالتراجع عن اعلان (فابيوس) وزير الخارجية الاسبق ان فرنسا مزمعة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية اذا ما فشل المؤتمر , والاخطر من هذه التدخلات والمحاولات ما تديره اسرائيل بمكر ودهاء في القوات الخلفية اليوم وهو محاولة اقناع بعض القوي بالإقليم القبول بتعديل مبادرة السلام العربية التي ستكون بالطبع احدي مرجعيات مؤتمر باريس الدولي للسلام وهذا ما لا تستطيع القيادة الفلسطينية السيطرة عليه بالمطلق , ولا تستطيع فعل جهد في هذا الموضوع الا الجامعة العربية والتي اعرب امينها العام اليوم عن خشيته من قلب المبادرة العربية.

بعد الاجتماع التشاوري الدولي في باريس ونجاح التأثير الامريكي على مخرجات الاجتماع على الاقل البيان الختامي المخفف وقبول باريس بذلك بات هناك تخوفا كبيرا ان يكون ضعف البيان الدولي هو اساسي و مقصود وليس تكتيكي يقصد به اغراء اسرائيل و جذبها للتعاطي مع متطلبات انجاح المؤتمر الدولي وبالتالي التماشى مع رغبة المجتمع الدولي للتدخل وتبني حلول مقنعة للطرفين لقضايا الصراع ’ لكن لا احد بات يشك في ان ما صدر عن المؤتمر من اسس للعمل الدولي لا ترتقي لخطة عملية لحشد ضغط ودعم لأفكار حل الصراع على اساس المرجعيات والمبادرات والقرارات الدولية واعتبار هذه الحلول ملزمة لإسرائيل دوليا , لقد بات واضحا منذ الجولة الاولى للمؤتمر ان واشنطن في طريقها لإدارة الصراع العربي الاسرائيلي وليس حله من داخل المؤتمر وبالتالي حرف المؤتمر الدولي عن اهدافه وهذا ما سوف يسجل فشل ذريع للجهد الفرنسي والذي تتحمل فرنسا وحدها مسؤوليته .

المعروف ان اسرائيل تريد علاقة سياسية امنية اقتصادية واسعة مع دول الخليج العربي وعلى راسها الدول البترولية الثرية لان اسرائيل تنجذب بالأساس الى السوق الخليجي كمستهلك كبير لكل البضائع بما فيها المنتجات العسكرية لهذا تسعي إسرائيل مؤخرا لتعريب الصراع ومحاولة جذب بعض الدول الثرية بالخليج العربي لصالح ان اسرائيل تقبل بالمبادرة العربية للسلام معدلة حسب التغيرات الاخيرة بالإقليم وقبولها المبادرة يعني التخفيف من شروطها وقلبها وطرح هذه التعديلات بقوة في القمة العربية في موريتانيا ,هذا هو السيناريو الاسرائيلي الذي تشتغل عليه اسرائيل منذ فترة , وقد يكون هذا التعريب هو الخطة الاخطر امام مؤتمر باريس لان العالم سيعتمد ما يصدر عن العرب انفسهم كمرجعية للحل حتى لو كانت ببصمات اسرائيلية تمكن اسرائيل من البقاء دولة يهودية كبيرة مؤثرة بالإقليم وقادرة على اللعب بكل المتغيرات , وتعطي الفلسطينيين دولة ضعيفة مؤقتة بلاد حدود رسمية ودون القدس وبلا حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين عل اساس القرارات الشرعية ,وهنا تعتمد اسرائيل في ذلك على استغلال المتغيرات الخطيرة بالإقليم والتهديدات التي تطال دول الخليج من وقت لأخر بسبب ما يسمي الارهاب والتطرف ولعل اسرائيل تحاول ان تثبت انها الدولة القوية بالإقليم التي تستطيع ان تسحق اي تدخل متطرف بسبب تفوقها العسكري والنوعي والاستراتيجي .

مصر السعودية الاردن والمغرب اربع دول رئيسية بلجنة الدعم والضغط الدولي التي تسعي لتطبيق القرارات الدولية وحل الصراع بمرجعيات حقيقية كالمبادرة العربية والقرارات الشرعية قد يكون لها راي مخالف هذا الموضع لما تريده اسرائيل وبعض الدول الخليجية وقد يكون لها نصف الخاطر لأهداف تتعلق بالتغيرات الاقليمية الاستراتيجية والحرب على الارهاب , لكن مهما كان توجه هذه الدول فأنها مكلفة من الجامعة العربية بالحفاظ على مبادرة السلام العربية والسعي مع القيادة الفلسطينية لتدويل الصراع ورعاية المجتمع الدولي مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين تنهي الاحتلال الاسرائيلي بجدول زمنى محدد تقام على اساسه دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف , ولعل ما يجري من محاولات اسرائيلية للتأثير و التشويش على المؤتمر الدولي باتت حقائق تحدثت عنها اسرائيل في اكثر من مناسبة وبلسان نتنياهو وبات هنا سؤال كبير : هل تتمكن اسرائيل و واشنطن من استخدام دهائهما ومكرهما لتعريب الصراع وافشال تدويله وبالتالي دفع المؤتمر الدولي الخروج بتوصيات للطرفين اقل من المستوي المطلوب تقضي بانطلاق مفاوضات ثنائية بين اسرائيل والفلسطينيين برعاية بعض القوي الاقليمية وبتوجيه من واشنطن وحلفاءها بالعالم دون جدول زمنى ودون امل في ان تحقق حلا عادلا يضمن استعادة كل حقوق الشعب الفلسطيني.

بقلم/ د .هاني العقاد