عندما نقف امام قضية اللاجئين باعتبارها قضية شعب كامل طرد من أرضه ودياره قسراً عام 1948 جراء الاحتلال الصهيوني المدعوم من الامبريالية والقوى الاستعمارية وبتخاذل النظام الرسمي العربي آنذاك فصودرت ممتلكاته وتم تشتيته في دول الطوق ووصلت أقدام اللاجئين نتيجة لمعاناتهم وتهجيرهم وتدمير مخيماتهم إلى أربع أرجاء المعمورة.
قضية اللاجئين اساس الصراع وهي جوهر القضية الفلسطينية ومفتاح الحل وستبقى عقبة أمام أي تسوية للحل العادل والدائم والشامل باعتبارها قضية تحرر وطني وإنساني لا يمكن أن تحل وتختزل بحلول إنسانية واجتماعية واقتصادية .
فعلى صخرة صمود اللاجئين الفلسطينيين وتضحياتهم بائت كافة مشاريع التصفية بالفشل التي حاولت تأهيلهم وتوطينهم وطمس هويتهم منذ عام 1949 ومازال الشعب الفلسطيني يواصل معركة الحرية والاستقلال والعودة بمقاومته الشاملة وانتفاضاته المتتالية .
فعلى صخرة الصمود الوطني سقطت مشاريع دولية وإسرائيلية وعربية رجعية حاولت أن تنتقص من قضية اللاجئين وحق العودة , واليوم تتعرض قضية اللاجئين مرة اخرى في لقاء باريس الدولي لمخاطر تهدد حق العودة.
ولهذا نرى انا ما نقل عن لقاء باريس الدولي شكل حالة احباط لمن روجوا ورحبوا بعقد هذا اللقاء بينما كان الشارع الفلسطيني يتطلع الى وسائل الاعلام والبيان الختامي الذي شكل بكل تأكيد صدمة للبعض ومحاولة من كانوا من العرب الحديث عن تعديل ايضا المبادرة العربية ، بينما هي المبادرة حملت يومها اجحاف عربي بحق الشعب الفلسطيني .
وامام كل هذه التطورات نؤكد بأن الشعب الفلسطيني الذي يقدم التضحيات لا يمكن ان يتنازل عن حق العودة او الثوابت الفلسطينية او القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وهذا الشعب الفلسطيني العظيم يرفض مبدأ التوطين أو التعويض أو المساومة على هذا حق العودة ، أو مبادلته بأية حقوق أخرى، لأن حق عودة اللاجئين هي اساس القضية الفلسطينية، على الرغم من شظف الحياة وبؤسها ومآسيها فقد تمسك اللاجئين الفلسطينين بحق العودة وتمسكهم به لم يكن بالنسبة اليهم مجرد حلم، وانما واقع لا بد من تحقيقه، توارثته الاجيال جيلا بعد جيل وهذا ما يغيظ العدو الصهيوني المحتل، وكلما جاء جيل جديد كان ايمانه اقوى من الذي قبله، بما تشكله ظروف التشرد والتهجير والقهر والظلم من حوافز خاصة بهم، لم تثن عزمهم في البحث عن وسائل تمكنهم من تحقيق عودتهم، وها هم ابناء المخيمات في الضفة يشاركون بفعلية في الانتفاضة المتواصلة ويؤكدون تصميمهم على دحر الاحتلال مهما بلغت التضحيات .
وها هي مخيمات اللجوء صامدة في لبنان وسوريا والاردن كما في الضفة وغزة تشهد على عمق ودوام مأساة الفلسطينيين ولتؤكد ايضا ان اللاجئين لم ولن يتخلوا عن اراضيهم وحقهم في العودة اليها مهما كان الثمن، ومهما بلغت التضحيات وقد دفعت على مذبح هذا المفهوم مئات الآلاف من الشهداء والاسرى والجرحى والمشوهين والبيوت المدمرة لكي تبقى قضية اللاجئين.
تطرح بقوة على بساط البحث مهما تجاهلت اسرائيل حقهم وعدم استعدادها للتعاطي السياسي مع هذه القضية وخاصة قرارات الامم المتحدة الخاصة بذلك وبما تقوم به من تهيئة المجتمع الدولي للتشكيك في هذا المطلب وعدم امكانية تطبيقه واقناع العالم بمحاولة شطب القرارات التي تشير الى حقهم في العودة، كما تحاول شطب وتهديم المسجد الاقصى وتهويد القدس ، لهذا نقول لصناع القرارات الدولية ومن يدور في فلكهم من عرب بانهم لم يتمكنوا من كسر ارادة هذا الشعب وطمس هويته الوطنية لا بالتشريد ولا بالمجازر ولا بتحويل الوهم الى واقع ولا بتزوير التاريخ ، لان ابناء مخيمات اللاجئين في الشتات والمنافي وعلى ارض فلسطين في الضفة وقطاع غزة دافعوا بكل شي فهم من قدم الشهيد والشهيدة من اجل حقهم بالعودة وحقهم الطبيعي في الحرية وتقرير المصير على جزء من ارض وطنهم التاريخي اي اقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
ولكن الغريب أن الموقف الإسرائيلي المتعنت برفض مبادرة باريس قوبل بتقدير بعض وزراء الخارجية العرب، الذي قال إن الموقف الإسرائيلي أصبح أفضل، وهذا يجعل تصريحات مقدمة لتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وكيان الاحتلال ، وهذا يدل على ان تصريحات رئيس حكومة الاحتلال تتناغم مع بعض وزراء الخارجية العرب حول تعديل مبادرة السلام العربية فيما يتعلق بالقدس وحق العودة، ما يعني نسفها من الأساس.
من هنا لقد فضح لقاء باريس الدولي السياسة التي تحاول بها بعض الدول الاوروربية والعربية حول مفهوم السلام من خلال محاولة القضاء على تجريد الفلسطينيين ارضهم ومصادر حياتهم و مقدساتهم الاسلامية والمسيحية، ومحاصرتهم بالمستوطنات والطرق الالتفافية، وهنا السؤال اين هم من قرارات الشرعية الدولية والقرار الاممي 194 باعتباره الاساس لحل قضية فلسطين.
وفي ظل الظروف ورغم ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان احتلالي استيطاني بدعم من الادارة الامريكية ، نرى ان هذا الشعب العظيم والمناضل يجدد مقاومته وانتفاضته واساليب التصدي لارهاب الدولة وللعدو الصهيوني، لافشال اهدافه في القدس والمسجد الاقصى وعلى الارض الفلسطينية ،ورغم كل الاختلال الذي تشهده موازين القوى, وهو اختلال لا تسأل عنه فقط الاوضاع العربية والاقليمية والدولية, فأن الشعب الفلسطيني سيبقى في خندق الصمود والمقاومة، خندق الوحدة الوطنية التي تواصل طريق الحرية والاستقلال لتحقيق ألاهداف الوطنية العادلة، الخندق الذي يسعى لتحقيق مصلحة كل طبقات الشعب الفلسطيني، الخندق الذي يعرف حقيقة (إسرائيل) والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الاحتلال والاستيطان بالكامل عن ارض فلسطين ، الخندق الذي يؤمن يأن الدولة وتقرير المصير والعودة أهداف مرحلية وليس نهاية المطاف أو الصراع مع كيان الاحتلال ، هذا هو واقع الحال دون رتوش وألوان زاهية.
وامام انتفاضة متواصلة تتصدى للاحتلال وقطعان مستوطنيه وتدافع عن الارض والمقدسات وخاصة المسجد الاقصى وعمليات بطولية تهز كيان الاحتلال وخاصة عملية " تل أبيب " النوعية ، هذه العمليات تمثّل نقلة نوعية في الفعل الانتفاضي، وهي رد طبيعي على الإعدامات الميدانية التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ، وامام حملة المقاطعة الدولية
للاحتلال ، التي تؤكد الانتصار لقضية الشعب الفلسطيني ، فهذه الانتفاضة تستدعي من الجميع مخاطبة القوى الصديقة من احزاب وقوى وبلدان حتى تكون حملة مناصرة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بهدف استعادة فاعلية البعد الدولي المساند لقضيتنا في مواجهة حالة التفرد الأمريكي في رسم وفرض المخططات على شعبنا وأمتنا.
ختاما : قضية حق العودة هي جوهر الصراع ، وفق قناعتي ورؤيتي فإن العامل الأساسي التي يجب ان يعمل عليه الجميع هو انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل وتطوير مؤسساتها والحفاظ على المشروع الوطني واستمرار التحرك عربياً ودولياً، ومواصلة النضال بكافة الاشكال حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
بقلم/ عباس الجمعة