أن يصبح البلطجي مسؤولا عن تطبيق القانون فإن ذلك يعني إلغاء القانون الذي لا يطبق أصلا إلا على الضعفاء الذين يجدون في القانون ملاذا لهم ولكنهم يقعون ضحية القانون الذي يظلمهم ويقهرهم لأنهم لا يملكون القوة في تطبيق ما يفضي إليه القانون لإعطائهم حقوقهم.
فما بالنا اليوم وعلى المستوى الدولي يصبح المستعمر والمحتل رئيسا للجنة القانونية الدولية بفعل البلطجة والقوة والإرهاب، هذا المستعمر الذي أقام كيانه على أرض فلسطين التي احتلها بمساعدة ودعم الدول الغربية التي رشحته لرئاسة اللجنة القانونية، هي البلطجة الدولية والإرهاب الدولي الذي يمارس اليوم في ظل اللجنة القانونية الدولية .
كيف يصبح الكيان الصهيوني راعيا للقانون الدولي وهو الرافض الرئيس لقرارات الشرعية الدولية بدءا من القرار 181 والقرار 194 ومرورا بالقرارين 242 و338 وقرار محكمة العدل الدولية المتعلق بجدار الفصل العنصري، والقرارات المتعلقة بالاستيطان، وانتهاء بالقرار 67/19 الخاص بقبول الدولة الفلسطينية عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، ورفضها لكل القانون الدولي المتعلق بالأسرى، هل هذا الرفض المطلق لكل القانون الدولي يخول الكيان الغير شرعي أن يكون راعيا للشرعية الدولية؟
ولا غرابة اليوم أن تقوم دول أوربا الغربية بترشيح الكيان الصهيوني لرئاسة اللجنة القانونية الدولية مكافأة للموقف الصهيوني من المبادرة الفرنسية ومؤتمرها الباريسي ، هذه الدول التي أوجدت هذا الكيان الغريب في المنطقة العربية وقامت برعايته ودعمه عسكريا وسياسيا وماليا واقتصاديا ، وذلك انطلاقا من أن هذا الكيان هو مشروعهم الاستعماري الاستيطاني في فلسطين وذلك خدمة لأهدافهم الاستعمارية في المنطقة العربية .
وعندما تقوم تركيا بترشيح هذا الكيان لرئاسة اللجنة القانونية الدولية فتلك رسالة واضحة كل الوضوح للفلسطينيين الذين يرون في تركيا داعما قويا للقضية الفلسطينية بعد أن اخترقت الحصار المضروب على قطاع غزة عبر سفينة مرمرة التي راح ضحيتها العديد من الضحايا الأتراك بنيران الكيان الصهيوني المنوط به اليوم مناهضة الإرهاب، وكأنها بذلك تقدم اعتذارا عمليا للكيان الصهيوني عن مساهمتها في خرق الحصار المضروب على قطاع غزة، وهذا ليس غريبا على تركيا التي تقيم علاقات استراتيجية عسكرية مع الكيان الصهيوني حيث تكيل بمكيالين تجاه القضية الفلسطينية مرجحة التعاون الأهم مع الطرف الأقوى.
ولكن الأكثر غرابة ودهشة أن يتحول تطبيع بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني إلى موقف داعم لهذا الكيان في اختياره رئيسا للجنة القانونية الدولية، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، وذلك بأن تنتقل عدة دول عربية من موقع العداء لهذا الكيان إلى موقع الدعم والتأييد له، وأن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مدى تغلغل النفوذ الصهيوني في العالم العربي وتقبل بعض العرب بالتعامل مع سياسة الأمر الواقع التي فرضها منذ أن وقع معاهدات سلام مع مصر والأردن واتبعها باتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية .
وإن ترؤس الكيان الصهيوني للجنة القانونية الدولية يفرض على الفلسطينيين وقفة جادة ومسؤولة مع أنفسهم، وقفة تبدأ بانهاء الانقسام فورا، والدعوة الفورية أيضا لانعقاد المجلس المركزي بمشاركة جميع القوى الفلسطينية دون استثناء أحد لوضع استراتيجية فلسطينية موحدة في مواجهة بلطجة القانون الدولي الذي أصبح في كنف الأرهاب الصهيوني، وأي تلكؤ فلسطيني في مواجهة ذلك سيدفع الفلسطينيون ثمنه غاليا على مستوى العلاقات الدولية وعلى مستوى الفعل الصهيوني على الأرض الفلسطينية.
بقلم/ صلاح صبحية