التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، ووزير جيشه "أفيغدور ليبرمان"، عن التزامهما بإحلال السلام مع جيرانهم الفلسطينيين، ومع جميع جيرانهم العرب، معلناً أن مبادرة السلام العربية تتضمن عوامل حيوية يمكنها أن تساعد في مسيرة ومفاوضات السلام مع الفلسطينيين، واستعداده لإجراء مفاوضات لتعديل مبادرة السلام العربية، بصورة تعكس المتغيرات الدراماتيكية التي حصلت في المنطقة منذ عام 2002، وتحافظ على الهدف المتفق عليه وهو دولتان للشعبين، وبناء على ذلك، فإنهما يرحبان بالخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، واقتراحاته لدفع السلام والأمن في المنطقة إلى الأمام، هذه التصريحات هي جزء من سلسلة الخداع الإسرائيلي المتواصلة، لإظهار صورة الحكومة الإسرائيلية بالإيجابية، بعد ضم وإسناد وزارة الجيش إلى "ليبرمان"، وما رافقه من حمله دولية ضد هذه الحكومة الأكثر يمينية وقومية وعنصرية متطرفة، تفوق جميع الحكومات الإسرائيلية التي سبقتها، فهي لا تملك برنامجاً حقيقياً لتحقيق السلام، حتى أن مواقف وتصريحات وزرائها المعادي للسلام، دليل قاطع على ذلك.
"نتنياهو" في مكالمته الهاتفية مع الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"-حسب الصحفي الإسرائيلي "بن كسبيت"، في جريدة "معاريف 31-5-2016"-تعهد للرئيس "الـسيسي" بخطوات عملية نحو حل الدولتين، وقال "نتنياهو" للرئيس المصري، أنا لا أتراجع عن أي شيء، وأنا مستعد للتحرك إلى الأمام، فتحركه إلى الأمام كان بضم "ليبرمان" لحكومته بدلاً من ضم "إسحاق هيرتسوغ" زعيم حزب العمل الذي ينادي بحل الدولتين، والانفصال عن الفلسطينيين، فقد حاول "نتنياهو" إقناع "السيسي"-حسب المصدر- بأن "ليبرمان" ليس سيئاً كما يعتقد الجميع، فهو ملتزم بالمسيرة وبالاستقرار وبالخطة الإقليمية، لكن "السيسي" لم يرتح لأقوال "نتنياهو"، وقرر أن يمتحن "نتنياهو" بأفعاله وليس بأقواله ووعوده، فـ "نتنياهو" يعتبر أن حكومة يمينية أقدر على تحقيق السلام من الحكومات اليسارية، ومثالاً على ذلك، أن حكومة "مناحيم بيغن" اليمينية، هي التي حققت السلام مع مصر.
"نتنياهو" وفي تصريح غامض اعتبر مبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وطلبه إجراء تعديلات على المبادرة، وسارع "ليبرمان" للحاق بـ "نتنياهو" بما تعهد بقيام إسرائيل بتنفيذ خطوات على الأرض لتجسيد التزاماتها بحل الدولتين، فـ "نتنياهو" يتوقع حصول إعصار سياسي حقيقي قادم يهدد إسرائيل، أو ما يطلقون عليه بـ "التسونامي السياسي"، لكن أحداً من المتابعين لا يتوقع من "نتنياهو" سوى الكلام، دون الالتزام بالأفعال، فمنذ الإعلان عن مبادرة السلام العربية عارضها "نتنياهو"، وفي خطابه أمام الكنيست في شهر حزيران من عام 2013 قال:"نحن نستمع لكل مبادرة ومستعدون لنقاش المبادرات التي هي اقتراحات، وليست إملاءات"، وسبق في نقاشه مع المراسلين السياسيين أن قال:"يوجد في مبادرة السلام العربية أمور إيجابية، وأمور سلبية فات أوانها، مثل مطالبة إسرائيل بإعادة الجولان، أو موضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين"، وقال:"نحن على استعداد لإجراء المفاوضات مع دول عربية، لتجاوز التفاوض مع الفلسطينيين"، والملفت للنظر تكرار "نتنياهو" الحديث عن المبادرة العربية في الآونة الأخيرة، لا سيما في أعقاب تولي "ليبرمان" وزارة الجيش، فهناك أسباب كثيرة، لكن القاسم المشترك بينهما، الضغوط التي تتعرض لها إسرائيل في الموضوع الفلسطيني، وأن أكثر ما يخشاه "نتنياهو"، المعلومات المتداولة أنه بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، في شهر تشرين الثاني القادم، سيبادر الرئيس "باراك أوباما" الذي سيكون محرراً من القيود السياسية، إلى اتخاذ قرار في الموضوع الفلسطيني-الإسرائيلي في مجلس الأمن الدولي، أو الامتناع عن استخدام الفيتو ضد قرار مشابه تتقدم به دول أخرى، وأن زيارته الرابعة، خلال هذا العام، إلى روسيا للتنسيق مع الرئيس "بوتين" للوقوف إلى جانب إسرائيل، فـ "نتنياهو" يحاول إفشال هذه الاحتمالات من خلال تكرار تصريحاته حول مبادرة السلام العربية، وحسب المصادر، هناك تنسيقاً بين رئيس الحكومة البريطانية السابق "توني بلير"، والرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، بدفع "نتنياهو" لتشكيل حكومة معتدلة مع حزب العمل الإسرائيلي، والقيام بخطوات لتجميد البناء الاستيطاني، والقيام بخطوات حسن نية حقيقية تجاه الفلسطينيين، لكن "نتنياهو" تراجع، محاولاً القول بأن تعيين "ليبرمان" لا يعني تراجعه عن التزاماته، فالنغمة تتغير، لكن لا شيء يتغير على أرض الواقع، فلا ثقة بتعهدات "نتنياهو" عن السلام، فإسرائيل غارقة في المشاكل، ولا حل لمشاكلها دون حل أم المشاكل أي "المشكلة الفلسطينية"، فقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية "الإذاعة العبرية 8-6-2016"-ضمن حملة تندرج في الحرب النفسية من جهة، ولتسجيل نجاح دبلوماسي إسرائيلي في اختراق الدول العربية، وهذا بالنسبة لإسرائيل تطور إيجابي، لكن حتى وإن صح ذلك، فإن الأمر مرتبط بحل القضية الفلسطينية، أو على الأقل تحقيق تقدم ذا معنى، لكي تستطيع دول كالسعودية والكويت والمغرب والبحرين إضافة إلى مصر والأردن تطبيع علاقتها مع إسرائيل، لكن الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل، بوصفها الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" بالشجاع، والذي وصل التنسيق الأمني الإسرائيلي معه إلى أعلى المستويات، قاصدة التشكيك فيه، والإساءة إليه بنظر شعبه والشعوب العربية الأخرى، كما تحدثت جريدة "إسرائيل اليوم 18-5-2016"، إن عدم الثقة التي اهتزت بين الدول العربية، والولايات المتحدة، تشكل فرصة فريدة، لتحقيق تعاون بين إسرائيل وبعض الدول العربية، مستندة إلى أقوال الرئيس المصري، عن جهود القيادة الإسرائيلية الحكيمة، فكتاب الأعمدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، انشغلوا بملء أعمدتهم بخطاب الرئيس "السيسي" عن السلام مع إسرائيل، وتوجهه مباشرة وطلبه من وسائل الإعلام الإسرائيلية، نشر أقواله للجمهور الإسرائيلي.
وباعتقادنا .. لا وجود لأي نوايا إسرائيلية رسمية حقيقية لحل الدولتين، وتحقيق السلام، وكل محاولتهم لتحسين صورة إسرائيل دولياً دون أن تؤدي إلى حل، ربما لشرائح من الإسرائيليين رأي آخر، ففي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أجري من قبل معهد أبحاث سميث بتاريخ 3-6-2016، وجه فيه سؤال للمستطلعين في موضوع دولتين لشعبين فعبر 60% عن تأييدهم لهذا الحل، وعارضه 33%، وسؤال آخر هل تعتقد أن "نتنياهو" يؤيد حقا حل الدولتين، فأجاب 60% من المستطلعين أن "نتنياهو" لا يؤيد هذا الحل، مقابل 25% أجابوا بالإيجاب.
الغريب في الأمر، أن واشنطن ودول أوروبية، يريدون قلب المبادرة العربية رأساً على عقب، بحيث تقوم الدول العربية بالخطوات الأولى والتطبيع مع إسرائيل، قبل قيام إسرائيل بالتحرك العملي باتجاه الحل، لكن الجانب العربي رفض هذا الطرح، كما رفض طلب "نتنياهو" بإجراء تعديلات على المبادرة، فجل اهتمام "نتنياهو" دخول أسواق الخليج رسمياً، مع أن هناك بعض الاختراقات في هذا المجال، وتكرار "نتنياهو" على مبادرة السلام العربية، تصوره أن هذه المبادرة تؤدي إلى التطبيع، دون أن يقدم شيئاً من جانبه للحل.
بقلم/ غازي السعدي