سعيد اليوسف امتطى حصان المقاومة

بقلم: عباس الجمعة

عندما امتطى سعيد اليوسف حصان المقاومة ومضى من شمس لأخرى، كنت واثقاً بأنك ستصل إلى مبتغاك، لم تكن وحدك، بل مضى خلفك ومعك عدد كبير من فرسان الجبهة الذبن تمسكوا بخط المقاومة رافعين رايات فلسطين والجبهة للوصول إلى ارض فلسطين. وكلما سقط أحدهم في الطريق، انضم آخرون كثر إلى موكب القافلة.

تتعرج الطرق التي ناضل وقاتل فيها القائد سعيد اليوسف عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية ، لكن بوصلته لم تخطئ الهدف، وبأن الهدف يستحق المضي في كل الطرق الوعرة للوصول إليه متسلّحاً بالمبادئ التي ما بدلت ولا غيّرت خلال هذا المسير الطويل، فكان بالمرصاد للعدو الصهيوني خلال غزو لبنان صيف عام 1982 ، متنقلا بين الجنوب وبيروت والجبل حتى اصدم مع قوات الاحتلال الصهيوني في جبل لبنان الاشم وبعد هذه المعركة فقد ولم يعثر عليه، حيث لم تتعبه المسيرة، بل أتعبت من كانوا يراهنون على سحق الثورة ، وصل سعيد اليوسف إلى كل المواقع، وبقي كالصخرة الشماء تحول الموقع إلى أداة عمل فاعل، وتحمل ثقل المسؤولية باقتدار ، فاشرف على العديد من العلمليات البطولية للجبهة مع رفيق دربه القائد الشهيد الامين العام ابو العباس ، وكان مؤمنا بأن المسؤولية والقيادة تكليفٌ وليس تشريفاً، ومن خلالها أرسى العلاقات مع كافة مناضلي الجبهة بمزيد من الفعل والعمل الجاد ، او من خلال المعارك التي خاضها في المواجهة ، فكان أشد صلابة وأكثر عزيمة للاستمرار في المسيرة.

ومن هذا الموقع نؤكد ان فكرة المقاومة لدى القائد سعيد اليوسف لم تأت من العبث، إنما من إرادة الحياة، والقدرة على ممارسة الحياة،بل جاءت بفعل ظلم تاريخي اكتوينا بناره، فتحولت هذه النار الظالمة إلى نار مقاومة حمل شعلتها .

واليوم وفي الذكرى الرابعة والثلاثون على غياب القائد سعيد اليوسف ، نقول أننا في ظروف تأخذ الكتابة هنا طابع المخاطرة، بسبب تكرار الحديث عن القادة والمناضلين والشهداء وتعداد المناقب لانهم كانوا صمام أمانٍ وعامل تجسير بين النظرية والممارسة، بين الوطني والقومي، وبينهما وبين الاممي، دون أن يفقدوا البوصلة مما جعلهم قادة استثنائيين لحراسة قيم المقاومة، ورفض الخنوع، والتمسك بحقوق شعبنا الوطنية والتاريخية، في مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

وفي ذكرى القائد سعيد نقول ان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية تعيش أسوأ الظروف وأعقدها على المستويين الوطني والقومي، ويواجه تصعيداً في المشروع الإمبريالي الصهيوني الذي تتكامل حلقاته بتواطؤ رجعي عربي، ويستهدف في محصلته النهائية تكريس وتعزيز وظيفة العدو الصهيوني في السيطرة على الوطن العربي عبر تقسيمه وتفتيته إثنياً وجغرافياً، وتدمير مقدرات الأمة وإدامة تبعيتها وتخلفها وصولاً لإنهاء قضيتها المركزية، قضية فلسطين التي تتراجع في الأجندة الدولية والقومية يوماً بعد يوم، حيث نرى بعض العرب والمسلمين يصوتون لتولي كيان العدو الصهيوني اللجنة القانونية للامم المتحدة ليقدموا له شهادة حسن

سلوك على مجازره وجرائمه التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني وحتى الشعوب العربية وبحق الارض والمقدسات ، كما لم نتفاجأ في البعض الفلسطيني بذهابه الى مؤتمر هرتسليا الصهيوني والتحدث باسم الشعب الفلسطيني ، هذا المؤتمر الذي يناقش السبل الأنجع لحماية الصهاينة وكيانهم العنصري، فهل يعقل ان نطالب بلجان مقاطعة ولجان مواجهة لسياسة التطبيع ، ونرى قادة يسعون الى التطبيع مع الكيان الصهيوني حيث أصبحت هذه الظاهرة كالورم السرطاني الذي يجب استئصاله سريعاً، وكشف الحقيقة أمام الجماهير الفلسطينية والعربية.

ونحن في ذكرى قائدا شكل على مدار سنوات الكفاح نموذجا في المقاومة والنضال نقول انه بات المطلوب مواجهة هذه الظروف لا بد لنا كشعب يعيش مرحلة تحرر وطني و لم تنجز مهامها أن نتخلى عن المفاوضات مع الاحتلال، سواء كانت مباشرة، او المشاركة في مؤتمرات التطبيع والتي تستهدف إحباط الهبات الشعبية التي لم تنقطع، مما يستدعي انهاء الانقسام الكارثي والعودة الى خيار الوحدة والمقاومة، ودعوة المجلس الوطني الى الانعقاد، وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، حتى تبقى قائداً فعلياً لنضالات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.

وامام هذه الذكرى نقول اننا لم نفقد الثقة بالجماهير العربية، رغم جفاف الوضع العربي وتصحره، ، لاننا على ثقة بان الجماهير العربية التي قاومت الاستعمار وأحلافه وأتباعه عبر تحركها الشامل الواسع، تستطيع اليوم أن تفشل المشروع الصهيوني الأمريكي الاستعماري الساعي لإخضاع الوطن العربي وتصفية قضيته المركزية، وان الجماهير العربية وقواه اليسارية والقومية والتقدمية واسلامية التنويرية هي قادرة على تبديد كل الأوهام التي يسعى لها بعض النظام العربي من خلال سياسة التطبيع والتصويت مع قاتلي الأطفال وقاطعي الشجر وممتهني الكرامة الإنسانية.

ختاما : لا بد من القول ، سعيد اليوسف الملح الذي لم يفسد والضمير الذي لم يصدأ والعزيمة التي لم تلن والقائد الذي عركه الكفاح وعلمه فنون القيادة، وبُعد الرؤية، والحرص الوطني، والانشداد للمناضلين، حكايته كانت دائما مع حكاية قادة يتقدمون الصفوف وفي مقدمتهم القادة الامناء العامون لجبهة التحرير الفلسطينية ابو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب وكل رفاقهم القادة والشهداء ، ولهذا ونحن امام ذكرى قامة من قامات فلسطين نؤكد على السير نحو التجديد، ولندع الزمن والناس يقولون كلمتهم اين إنجازنا أو إخفاقنا، لأن مشوارنا صعب، وطويل لكننا نسير بالاتجاه الصحيح وبيدنا بوصلة الرؤية السياسية والفكرية والكفاحية، التي لن تجعلنا نتوه عن طريق تحرير الارض والانسان .

بقلم/ عباس الجمعة