قرأت في إحدى الصحف العربية حكما قضائيا صادرا عن محكمة أسبانية بأنها حكمت على إمام مسجد 14 شهرا لأنه ضمن كتابا ألّفه جواز ضرب الرجل لزوجته تأديبا ،ثم قضت محكمة الإستئناف بإطلاق سراحه على أن يدرّس البيان العالمي لحقوق الإنسان والدستور الاسباني ،وبينت الصحيفة أن البيان العالمي لحقوق الإنسان والدستور الأسباني يمنعان ضرب الرجل لزوجته .
وفي حسي القضائي بصفتي قاضيا في المحاكم الشرعية المختصة بأحوال الأسرة أرى أن حكم المحكمة الأسبانية الابتدائية والاستئنافية غير منصف ، فكان ينبغي على المحكمة التي أصدرت الحكم أن تدرس وتفهم موقف الإسلام من قضية تأديب المرأة وموقع الضرب من مراحل التأديب بالإضافة الى طبيعة ضرب الرجل امرأته كما تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها الضرب برفق يشبه المداعبة ولايكون لكل امرأه.
لكن القوانين الغربية تخطيء كثيرا في فهم موقف الإسلام من المرأة في حين ان الإسلام أعطى المرأة حقوقا لم تعطها اياها القوانين الغربية .ولاتزال هذه القوانين حتى الآن تضع قيودا على الذمة المالية للمرأة وتعطي زوجها حق التدخل في هذه الذمة ،وتجعل يد المرأة مغلولة في مالها أمام يد زوجها الذي يتمتع بحرية أكبر في هذا المال.
لامانع أبدا من أن ننظر في حقوق المرأة التي أعطاها الإسلام لها بعد جاهلية مقيتة كانت تقتل البنات وهن أحياء خوف العار والحاجة.فجاء الإسلام ومنع ذلك منعا كاملا،وعاقب عليه من يقترفه عقابا رادعا.
ثم إن المرأة كانت محرومة من الميراث فأعطاها الإسلام هذا الحق وقرر لها النصيب الذي يفي باحتياجاتها ،ويعيب الغربيون بلا فهم أن الاسلام يعطي المرأة النصف من نصيب الرجل اذا اشترك معها في الميراث ،ولم يفطنوا الى أن الإسلام جعل لها حق النفقة على زوجها ،أو على أبيها أو اخيها اذا كانت لم تتزوج بعد.ثم إنه جعل لها نصف تركة أبيها اذا لم يكن لها إخوة ذكور ،وجعل للإثنتين ثلثي التركة في مثل هذه الحالة.وجعل لها الشركة في العصبة مع أخيها الذكر اذا لم يكن لها فرض في التركة . ومعلوم ان على الرجل عبيء دفع المهر للبنت عند زواجه فما يأخذه من زيادة في الميراث يدفعه مهرا للبنت من جانب آخر وهذه هي عدالة الاسلام في توزيع المال.
وعند تكوين الأسرة جعل للفتاة حق إختيار الزوج ومنع أباها من تزويجها ممن لاتريده وهذا يعني أنه جعل لها حق المصادرة على رأي أبيها اذا لم يجد من نفسها قبولا وشرط على الأب أن يستطلع رأي ابنته عند تزويجها من شخص معين والسنة النبوية الشريفة فيها أمثلة واضحة على ذلك.
وبالنسبة لتصرف المرأة فيما تمتلك من مال جعل الإسلام لها حرية التصرف ومنع الزوج من التدخل في هذه التصرفات اذا كانت كلها تصرفات في الحلال ولم تتضمن شيئا من الحرام ،وهذا يعني أن الإسلام يحرص على التصرفات الصحيحة للمرأة ويمنعها من التصرفات الخاطئة في مالها ذلك أن مال الفرد أي فرد وإن كان ملكه الا أن له وظيفة اجتماعية تحظر الاسراف والتبذير في المال وتحظر تعريضه للهلاك .وفرضت الشريعة في ذلك الحجر على السفهاء الذين لايحسنون التصرف في أموالهم كذلك فرضت الحظر على الذين تقدمت بهم السن ولايحسنون التصرف في أموالهم ،وشرعت لهم الأوصياء على المال وأخضعت هؤلاء الأوصياء للرقابة حتى لايبددوا أموال الذين لايحسنون التصرف فيها.
ويطول بنا الحديث اذا تدرجنا في ذلك ووضحنا القيود التي وضعها الاسلام على المرأة ازاء التصرف في مالها وترى أن مثل هذه القيود وضعها الاسلام على الرجال الذين لايحسنون التصرف في اموالهم ويعرضونها للهلاك ،لكنا نأتي ونعود الى واقعة الضرب في تاديب المرأة فقد وضع الاسلام نظاما للاسرة يمنع تسلط أحد الزوجين على الآخر لانه جعل الزواج سكنا ورحمة وجعل للزوج حق القوامة على زوجته ،والقوامة تعني بذل الجهد كله لخدمة الزوجة وراحتها لكن كل قاعدة لها شواذ ،والشاذ وضع الاسلام له قواعد تأديبية ،والتأديب له حد أدنى وهو الوعظ والإرشاد وحد أعلى وهو الضرب غير المبرح وغير الشائن الذي يوجد جفوة وإيحاشاً وهذا الحق وحده الله تعالى يقول فيه : {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً)،فقد جعل مراحل التأديب ثلاثة تبدأ بالوعظ وهو النصيحة وتثنى بالهجر في الفراش على أن يكون فراش الهجر واحدا للزوجين التماسا للعدول عن هذا الهجر بالرغبة الخاصة،والثالثة هي الضرب،وصفته السنة الشريفة بأنه يشبه "المداعبة " فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ بيدك قضيبا من أراك وهو "السواك" ليضرب به الرجل زوجته وفي قصة سيدنا أيوب الذي حلف ليضرب زوجته مائة سوط أن يأخذ بيده حزمة من نبات خفيف فيها مائة عود يضرب بها زوجته ضربة واحدة فلا يحنث في يمينه وذلك رفقا بالمرأة وهذا ضرب المرأة المشروع وهو ضرب المحبين وليس أرفق منه في الضرب والتأديب ، وهذه الطرق الثلاث هي لكل النساء وليست كل امرأة تكون لها كل هذه الطرق فمن النساء من تكفيها الإشارة تأديباً والإعراض اليسير هجراً، ومنهن من لا يجدي معهن إلا الضرب وذلك واقع في كل زمان وهو مظهر ولاية التأديب، فالمرأة الصالحة لا تحتاج لتأديب لقول الله تعالى : {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}، وأما غير الصالحة وهي التي تخل بحقوق الزوجية فهي التي تكون بحاجة إلى التأديب،
ولو تتبعنا معنى الضرب نجد انه عقوبة من الظاهر جسدية مادية، ولكن المغزى منه والهدف نفسي أيضاً، وإن الضرب الذي أباحه القرآن الكريم هو ضرب الأدب غير المبرِّح، لذا عندما جاء به القرآن الكريم مطلقاً {واضربوهن} جاءت السنة النبوية مقيدة لهذا الإطلاق، وقد جاء ذلك في وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة حجة الوداع: (واضربوهن ضرباً غير مبرِّح) بالسواك ونحوه، أو بمنديل ملفوف، أو بيده، لا بسوطٍ ولا بعصا ولا بخشب، لأن المقصود به التأديب والزجر لا الإيلام والإيذاء والإذلال"وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يهجرها في المضجع فإن أقبلت –أي : إذا أطاعته في المضجع فليس له أن يضربها-، وإلا فقد أَذِنَ الله لك أن تضربها ضرباً غير مبرِّح، ولا تكسر لها عظماً، فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية (أي : في الخلع) .وهذا كله يمكن أن نطلق عليه ضرب المحبين .وقد يسأل سائل .ماذا لو الرجل نفسة هو الذي أخل بحقوق الزوجية هل يمكن تأديبه ؟والجواب نعم فهناك حقوق للزوجة على الرجل كثيرة ومنها تأديب الزوج وقد يصل الى سجنه .
هذا بعض ما يجب أن يفهمة الغرب وقضاتهم عن توصيف الاسلام لضرب الرجل لزوجته تأديبا وليس اهانة واحتقارا..
القاضي الدكتور/ ماهر خضير
قاضي المحكمة العليا الشرعية