سنبقي ندور حول أنفسنا ....باختلاق الأعذار والأسباب التي ادت الي فشل اللقاءات وجلسات الحوار .....باعتبار أن عدم الجاهزية ...وامتلاك الارادة ....وتحديد الاولويات غير وارد لأسباب هلامية مرة يقال داخلية ...ومرات يقال عنها خارجية .
الشعب الفلسطيني يعيش حلم تحقيق المصالحة خاصة هؤلاء الذين يعيشون بهذا الجزء الجنوبي من الوطن ....وما عاشوه من مرارة الانقسام... وما عانوه من كوابيسه ....لا يهمهم كثيرا الحديث والشرح والتفصيل حول أسباب ونتائج ....بقدر ما يهمهم وفي اولوياتهم أن تنزاح ظروف القهر عنهم ....وأن يعيشوا بظروف انسانية قابلة للحياة ....وليس دافعة للانتحار المحرم ....أو للغرق القهري..... نتيجة هجرة ضاغطة على حياة الانسان تدفعه الي عدم التفكير في اختيار طريقه .
ارادة المتحاورين لا زالت تتحدث عن نتائج ....وما يعزز من المكانة والوجود وما يزيد من العشيرة وقوتها.... والجماعة ونفوذها .....ولا نسمع الحديث حول الولاية القانونية والسياسية للسلطة الوطنية ومسئولياتها الكاملة على كافة أرجاء الوطن المنقوص .....والفصل ما بين السلطة والفصائل...... كما نؤد الاستماع .....الي ما يؤكد الديمقراطية والانتخابات التشريعية والرئاسية باعتبارها المخرج من هذا الخلط الحاصل في النتائج والأسباب .....كما لم نسمع بحكومة وطنية وشراكة سياسية ...وانضمام الجميع داخل المؤسسات الشرعية .
هناك حالة من الخلط المقصود بالحالة الفلسطينية والتي يتم التعامل معها وكأنها حقائق ونتائج يجب التعامل معها ....والاقرار بها باعتبارها المدخل والأساس لأي مصالحة يمكن الحديث عنها ...وهذا ليس صحيحا بالمفهوم الوطني والوحدوي .....لكنه ممكن أن يكون ذريعة وسببا للمفهوم التنظيمي .
كابوس الانقسام الاسود وما ترتب عليه من نتائج ....وما يحدثه من سلبيات وتفاقم للأزمات ....وما يحدثه من شرخ وطني قاعدي ورأسي .....انما يؤكد أن الكابوس المصنع سيبقي يشكل مشهدا محملا بالذرائع ....والاسباب الواهية.... والتي لا علاقة لها بالمصالحة وتعزيز الوحدة وتوحيد النظام السياسي من خلال الشراكة السياسية ....وتعزيز الديمقراطية ....وتوحيد المؤسسات ....والتأكيد على اننا شعب وقيادة نتحدث بصوت واحد ....وبقرار واحد ....وندافع عن انفسنا بسلاح واحد ....وبالتالي قطع الطريق على كافة المتربصين بنا ....ممن يبنون مواقفهم وخططهم السياسية على خلافاتنا وانقسامنا ....باعتبارها أمرا أزليا ....وهذا ما يعيش عليه نتنياهو واليمين المتطرف الذي ينهب الأرض ...ويكرس الاحتلال ....ويضرب بعرض الحائط كافة القرارات والمبادرات الدولية والعربية .
الخطورة التي يدركها أطفالنا ....وشيوخنا بحكم تجربتهم .....ربما لم تصل الي فكر السياسيين والمتحاورين والمتنفذين .....فما نحن عليه وما نسير باتجاهه سيؤدي بنا الي اعطاء شهادة لهذا الاحتلال الغاصب لتعزيز مكانته .....وزيادة استيطانه..... وافشال كافة الجهود المبذولة لتحقيق التسوية السياسية .....كما ونؤكد بحالتنا الانقسامية للعالم بأسره أننا لسنا بعجلة من أمرنا ....واننا لا نريد دولة بالمرحلة الحالية.... لأننا نجري المزيد من التدريبات الحوارية حول كيفية التعامل مع الانقسام ....وكيفية الخروج منه .....بما يستطيع أن يكسبه طرف دون طرف .....كما نجري تدريبات تفاوضية حول كيفية انتزاع المواقف من الطرف المقابل .
نحن نعيش تجربة بائسة ....نختلق فيها الأزمات لأنفسنا ....ونسد كافة الطرق لكيفية وصولنا الي اهدافنا ....لأننا نمعن التفكير والبحث ووضع العراقيل .....لنتائج الانقسام وليس محاولة جادة لدراسة أسبابه .
ما علاقة الموظفين .....وما علاقة اعادة تفعيل المجلس التشريعي ....وتوزيع الاراضي ...وشركة الكهرباء ...كلها قضايا هامشية جانبية .....تحل تلقائيا بإنهاء الانقسام ....كما وتحل بالولاية السياسية والقانونية للسلطة الوطنية وسيطرتها الكاملة على كافة الاراضي الفلسطينية ...وبحكم مسئولياتها عن الشعب وقضاياه وازماته .
نتائج الانقسام الأسود أكبر من القضايا السالف ذكرها .....في ظل حصار اسرائيلي ....واغلاق متقطع لمعبر رفح نتيجة عدم وجود السلطة الوطنية .....كما الكثير من القضايا ذات العلاقة بالصحة والتعليم.... والتشغيل لعشرات الالاف من العاطلين عن العمل ....من الخريجين والعمال المهنين ....لأننا اذا ما فتحنا باب النتائج المترتبة على الانقسام لن نجد طريقا .....بل سنبقي ندور حول انفسنا ....ونختلق المزيد من الأزمات التي لا نهاية لها .
المصالحة ....وعنوانها الفشل المكرر والمتكرر لجولات الحوار ....لأسباب عديدة ....ولنتائج قائمة ....لا زالت تتفاقم بأزماتها في ظل مشكلتنا الازلية ...التي لا نريد مغادرتها باستمرار حالة الخلط ما بين الاسباب والنتائج ....10 سنوات ونحن ندور حول انفسنا .....وفي كل عام نطرح على طاولة الحوار نتيجة اضافية على مجمل النتائج المترتبة على هذا الانقسام .....بينما الاسباب المتجذرة والثابتة حول المواقف والأيدولوجيات والارتباطات والرؤي والفكر السياسي ....والالتزام الديمقراطي ....كلها غير مطروحة ولا يتم الاقتراب منها ....وكأنها خطوط حمراء .
عشرة سنوات على الانقسام ....عشرة سنوات على جلسات الحوار والاتفاقيات الموقعة .....دون تنفيذ ....ولا زالنا نحلم بمصالحة وطنية حقيقية ....مصالحة يتنازل كل منا عن ما يعتقد أنه يمكن أن يحققه من مكاسب..... في ظل خسارة وطن وشعب .....فالانقسام وأزماته المتراكمة وأثاره المباشرة وغير المباشرة تفوق بمصاعبها وآلامها ....كل ما يمكن أن يقال عنه انجاز أو مكسب ....يمكن أن يضاف الي هذا الفصيل أو ذاك .
جميعنا خاسرين ....ولم يربح من هذا الانقسام الا عدونا المحتل.... الذي لا زال ينهب الأرض ....ويعزز الاستيطان....ويجذر الاحتلال ....ويدنس المقدسات ....ونحن نتحاور على قضايا هلامية لا علاقة لها بوطن مسلوب ....وشعب مقهور ....وأجيال أصبحت بلا مستقبل ...وذاكرة وطن لا زالت تسجل كل ما يسئ لنا ....وما يضعنا في دائرة الاتهام حول قصورنا .....وتلاعبنا بمصير شعب ....زادت همومه ...الي الحد الذي لا يمكن ان يقبله عاقل .
المشهد الفلسطيني.... يشهد حالة من التناقض ....والتنافر ....والتناحر ....كما يشهد تحركا سياسيا يقف البعض ضده قبل نتائجه ....ويقف البعض الاخر متمنيا استمراره ....والضغط على هذا الاحتلال ...وما يجري غدا من اعتراف بالمبادرة الفرنسية وخاصة حول المؤتمر الدولي من قبل وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي.... يعتبر مكسبا سياسيا اضافيا .....في ظل حراك دولي يسعي الي انهاء ملف الصراع ....وتحقيق التسوية السياسية ....بنتائجها المحددة حول دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية بحدود الرابع من حزيران رغم انف نتنياهو وحكومته .....والي حل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194 .
مسيرة النضال الفلسطيني ....والتضحيات الجسام ....التي دفعت من أجل فلسطين وحريتها ....لا تستحق هذا الانقسام الأسود... ونتائجه المخيفة ....ولكنها تستحق حلم الدولة ....والحرية.... والاستقلال ...فهل سنبقي نعيش أحلام المصالحة ....وانهاء كوابيس الانقسام .؟؟!!
بقلم/ وفيق زنداح