ليبرمان وزيرا للحرب في حكومة متطرفين

بقلم: سليمان الشيخ

صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على تعيين أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" في نهاية شهر مايو هذا العام، وزيرا للحرب.
والمعروف أن ليبرمان من غلاة المتطرفين في إسرائيل، كذلك هو حزبه. إذ أن تجربة ليبرمان كوزير خارجية دولة إسرائيل في حكومة سابقة (2013)، كانت من التجارب التي وضعت إسرائيل في مواجهة مع دول عدة، كان بعضها يحسب على أنه من أصدقاء إسرائيل.
على سبيل المثال، عندما انتقدت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بادر ليبرمان إلى نعتها بأنها ضد السامية، وطالب يهود جنوب أفريقيا، أو من تبقى منهم فيها (يقدرون بنحو 70 ألف يهودي) بالهجرة منها إلى إسرائيل، خوفا عليهم من أن تطالهم مضايقات معينة، فبادرت الوزيرة آنذاك لتطمين يهود بلادها، لكنها أوصت بعدم زيارة إسرائيل من قبل زملائها وزراء حكومتها. كما أن ليبرمان دخل في اشتباكات كلامية مع بعض وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي على خلفية انتقادهم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل إن ليبرمان نفسه هدد وقبل استلامه وزارة الخارجية بقصف السد العالي في مصر، وإغراق الأراضي والسكان، كما صرح بكلام غير لائق وغير دبلوماسي ضد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، على الرغم من توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني منذ عام 1977، كما وجه رسائل غير مناسبة إلى وزير الخارجية الألماني في حينه، ما دفع بالعديد من الوزراء الأوروبيين وغيرهم لعدم الالتقاء به، كأن الدولة أصبحت ممثلة بشخصه، وليس هو مجرد وزير ينفذ سياسات حكومته، وهذا الأمر يؤكد تبادل الأدوار بينه وبين رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو في التطرف والغرور والاستعلاء، والتعامل مع الدول بعدم حصافة وعدم مسؤولية.
إن استعمال تقنية الوجه والقناع في العلاقة بين رئيس الوزراء وليبرمان وزير الخارجية آنذاك، يؤكد مقولة ما جاء في رواية الروائي البريطاني ستيفنسون "دكتور جيكل ومستر هايد" ليتم الكشف في نهاية الرواية بأن قناع دكتور جيكل الطيب، كان يخفي الوجه الحقيقي الشرير لمستر هايد، ليتبين في النهاية أن كلا الوجهين هما لشخص واحد، وأن لعبة الازدواج هذه، ما هي إلا من تمثيليات توزيع الأدوار. وها هو الأمر يتكرر مجددا في لعبة ازدواج جديدة بين رئيس الوزراء نفسه وليبرمان نفسه أيضا، بعد أن تبوأ الأخير وزارة الحرب.

حفلة تكاذب

إن حفلة التكاذب والعلاقات العامة القائمة حاليا في تحبيذ رئيس الوزراء ووزير حربه، بأن تكون هناك دولة للفلسطينيين إلى جانب دولة إسرائيل، ما هو سوى تغطية لرفض إسرائيل للمبادرة الفرنسية وإفشالها، ومحاولة فرض المفاوضات المباشرة على الفلسطينيين، كي يستفرد القوي بالضعيف ويفرض شروطه من دون رقيب، ومن دون أن تكون القرارات والمرجعيات الدولية هي من يفصل ويحدد بعض الأمور، ويمكن العودة في هذا المجال إلى تصريحات سابقة لنتنياهو وتصريحات أخرى لوزير حربه الجديد، مفادها رفض إقامة دولة فلسطينية، وأن جل ما يمكن أن يعطى لهم هو إدارة للحكم الذاتي لتبقى الأرض بين أيدي الإدارات الحكومية الإسرائيلية، بينما تتولى سلطة الحكم الذاتي التعامل مع السكان الفلسطينيين. هذا هو ما يمكن الاجتهاد به واستخلاصه من حفلة التكاذب القائمة حاليا بين نتنياهو ووزير حربه، فيما يتعلق بأكاذيب التفاوض المباشر مع الفلسطينيين، وتحبيذ بعض بنود مشروع السلام العربي الذي طرح منذ عام 2002.
أما فيما يتعلق بملف ليبرمان وتصرفاته المتطرفة، فهي معروفة ومحفوظة في سجل الأرشيف الشخصي لهذا السياسي المتطرف، فلماذا إذن يتم تعيينه في منصب خطير كوزارة الحرب؟
لقد خسرت الحكومة الإسرائيلية بخروج موشيه يعلون من الوزارة والبرلمان الصوت الذي كان يقيها من السقوط، أو سحب الثقة منها بوجود 61 صوتا يؤيدها في البرلمان (الكنيست)، وعندما فقدت الحكومة والبرلمان ذلك الصوت، فإنها أصبحت معرضة للسقوط، عند أي مواجهة مع المعارضة، لذا وحتى يؤمن نتنياهو أغلبية مريحة تبقي ائتلافه على قيد حياة التطرف واستكمال المشاريع التي تعرض حياة الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم وحياتهم للإيذاء والمصادرة وفرض المخططات التهويدية، إن كان في القدس أو في غيرها من الحواضر الفلسطينية، لذلك فإن نتنياهو لجأ إلى إشراك حزب "إسرائيل بيتنا" بالحكومة بوزيرين، أحدهما ليبرمان. والمعروف أن حزب ليبرمان يملك خمسة أعضاء في الكنيست وهذا ما يمكن أن يبقي الحكومة على قيد الاستقرار وعدم السقوط أمام محاولات سحب الثقة منها من قبل المعارضة.

سليمان الشّيخ

٭ كاتب فلسطيني