الصورة والمواقف ليست بحاجة للتجميل فعودة حماس لرسم تحالفها مع طهران تمليه المصلحة والضرورة وليس القناعات والمواقف المشتركة،فالجو السائد عند قواعد وكوادر حركة حماس ومحيطها الإجتماعي،هو التحريض على ايران ومروحة حلفائها السوريين وحزب الله وحتى روسيا والإلتصاق بالمواقف السعودية والتركية والقطرية.
حماس انتقلت من محور طهران – دمشق – الضاحية الجنوبية بعد ما يسمى بالثورة السورية،عندما صور لها المحور القطري- السعودي- التركي بأن النظام السوري بات في حكم المنتهي،وبانه عليها ان تنجو بنفسها وترتب أوراقها ضمن الواقع الجديد،وإلا فإنها ستخسر كل شيء،ومنذ ذلك التاريخ وعلاقات حماس مع طهران متأرجحة بين المحورين،فالقيادة السياسية بحكم الجغرافيا والمصالح والتماثل الفكري والإيديولوجي والتشابك التنظيمي مع قطر وتركيا (الإخوان المسلمين) تريد لحماس ان تكون ضمن المحور السعودي- القطري – التركي،فقطر وتركيا تحتضن قيادات حماس،وتشكل شريان مالي في تمويل الحركة ودعم مشاريعها ومؤسساتها،وكذلك السعودية بثقلها السياسي ودعمها المالي،في حين رأت القيادة العسكرية بان هذا المحور لم يقدم لحماس سوى الوعود الفارغة،وتجلى هذا الصراع في الحرب العدوانية الأخيرة تموز/2014 التي شنت على قطاع غزة،حيث توجهت قيادة حماس بالشكر للمحور السعودي- القطري التركي والفضائيات ووسائل الإعلام الدائرة في فلكها من الجزيرة الى العربية وغيرها لدعمها لحركة حماس ومساندة المقاومة في قطاع غزة،بالوقوف الى جانبها ضد الحرب العدوانية التي تعرضت لها،ولم تاتي على ذكر ايران ومحورها أصحاب الدعم الحقيقي عسكريا ومالياً لحماس.
علاقة حماس بإيران استمرت بالتأرجح بين منعطفات الأجندات السياسية التي تتحكم بمواقف وسياسات الدول،ولم يجر تعبيد الطريق لكي تصبح سالكة بين حماس والقيادة الإيرانية،رغم ان وفداً رفيعاً من حماس التقى القيادة الإيرانية في طهران،واعلن عن إعادة الدعم المالي الإيراني لها،بعد وساطة للتقريب بين وجهات نظر الطرفين قادها حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي،وبقيت المواقف متباعدة وخاصة بان الموقف مما يحدث في سوريا نقطة خلافية جوهرية،وكذلك الدعم الحمساوي للسعودية في حربها العدوانية على اليمن،وبقي التوجس والحذر الإيراني تجاه إعادة ترميم العلاقة مع حماس،وخاصة بان حماس صمتت على قرار الجامعة العربية السعودي بتصنيف حزب الله المقاوم على لائحة الإرهاب.
وهذا التوجس والخوف الإيراني له خلفياته وله ما يدعمه على أرض الواقع،فإيران التي دعمت حماس مالياً وعسكرياً وسياسياً،كما حدث مع سوريا التي احتضنت حماس وقدمت لها كل أشكال الدعم،حماس ب"براغماتيتها" وتغليبها للغة المصالح على لغة المبادىء قلبت لها ظهر المجن،وللدلالة على تخبط حماس وإزدواجية مواقفها بين السر والعلن،قبل التطرق لموقف حماس من ايران وما قاله نائب رئيس مكتبها السياسي موسى ابو مرزوق بحقها في شهر شباط من العام الحالي،اود التذكير بموقف حماس من القائد الشهيد سمير القنطار احد قادة حزب الله الذين اغتالته اسرائيل في سوريا،فكتائب القسام قدمت واجب العزاء بالشهيد،وبالمقابل القيادة السياسية صمتت والكوادر والعناصر وصفت الشهيد بالرافضي والكافر والمجوسي وادانت تعزية كتائب القسام....الخ.
اما حول الموقف الحمساوي من العلاقة مع طهران،فيمكن تلخيصه بما قاله نشطاء التواصل الإجتماعي عن مكالمة مسربه منسوبه لموسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في شهر شباط من العام الحالي،يفضح فيها الحكومة الإيرانية المكالمة التي أكدت صحتها تحدث فيها أبو مرزوق عن أمور هامة لم تصرح بها حماس من قبل، وبلغة لم يسمع لها مثيل على ألسنة قادة الحركة،هاجم فيها أبو مرزوق الحكومة الإيرانية بشدة متهما إياها بالكذب فقال: «هؤلاء من أكثر الناس تلاعبا بالأوصاف وباطنية وحذرا في السياسة،منذ عام 2009 لم يصل منهم أي دعم،وكل ما كانوا يقولونه كلام كذب وهراء،ما كان يصل لجيوبنا ليس منهم،وكرر اتهامه لإيران بالكذب والتدليس قائلا كلما كان يجرى الحديث معها عن الدعم تشترط علينا بتحسين علاقاتها مع دول مثل السودان وغيرها، بل إن بعض تصريحات الإيرانيين تعتبرنا خوارج، فهم متمرسون من 1400 عام على الدهاء والحيلة والثورية والباطنية وبالتالى هم ليسوا بهذه السهولة».
هذا الموقف الحمساوي أشعل الضوء الأحمر امام القيادة الإيرانية،فهي لم تعد تثق بحماس والتحالفات معها،وبذلك رفضت استقبال وفد رسمي من المكتب السياسي لحماس،وأغلقت صنابير المال عليها،وهذا ضاعف من ازمة الحركة المالية ومعانياتها،حيث المحور الذي احتضنها وتحالفت معه،لم يبعها سوى الأوهام والكلام.
حماس ليس لديها مشكلة في تحالفاتها ومواقفها،فهي مستعدة للإنتقال من النقيض للنقيض،المهم مصلحة الحركة فوق كل الإعتبارات،وإلا كيف نفسر إنتقال أبو مرزوق ومعه قادة آخرين في تصريحاتهم ومواقفهم من النقيض للنقيض،وما الذي تبدل وأستجد في الخمسة شهور التي مضت حتى ينقلب أبا مرزوق وقادة حماس من النقيض للنقيض..!؟،ما الذي دفع أبا مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس كي يدلي بتصريحات لم تلق قبولاً ولا إرتياحاً عند قاعدة وكوادر حماس،وتعالت الأصوات التي تقول داخل حماس،بأن أبو مرزوق لا يمثل موقف الحركة،وتعرض لهجوم غير مسبوق..؟ حينما صرح أبو مرزوق لموقع محسوب على حماس يقول فيه «إن ما قدمته إيران من دعم للمقاومة الفلسطينية سواء على صعيد الإمداد أو التدريب أو المال للمقاومة الفلسطينية لا يوازيه سقف آخر ولا تستطيعه معظم الدول، فماذا يعنى ذلك بعد هجوم عنيف لم يتجاوز الخمسة أشهر؟!.
ما اعتقده بأن حماس المحاصرة مالياً،باتت على قناعة بأن الحلف الذي خدعها وصور لها بأنه مجرد مغادرتها دمشق،فإنه ستفتح امامها عواصم العالم،وستنتزع التمثيل الفلسطيني من المنظمة،وبأن الحصار سيرفع عن القطاع وستنفذ عمليات الإعمار،وان الأموال ستدفق على الحركة،ولكن كل ذلك لم يتحقق أو ينفذ منه شيئاً،وهذا ما دفعها للعودة الى الحضن الإيراني،ولكن ليس بغرض التحالف الإستراتيجي،بل تحالف تقتضيه الضرورة والمصلحة،وايران كذلك تريد من هذا التحالف ان تنتزع حماس من تحت عباءة المحور السعودي.
بقلم/ راسم عبيدات