نحن امام سياستين متناقضتين متباعدتين ... تتسم الاولى فيها بصفات المصداقية والثبات والوضوح ... وبمعالم محددة قائمة على العدالة والشرعية الدولية وقراراتها ... والثانية سياسة قائمة على الخداع والتضليل ... الاحتلال واستخدام قوة البطش وفرض الامر الواقع وانتهاك الحقوق وسلبها كما مخالفة قواعد القانون الدولي الانساني والتناقض مع الشرعية الدولية ومبادئها ومواثيقها .
المجتمع الدولي بكل ما يصدر عنه ... وما يؤمن به ... وما يؤكده عبر منظماته ومؤسساته من قوانين ومبادئ وقف منحازا لفترة من الزمن ... واصبح اليوم اكثر اتزانا امام سياستين وموقفين ورؤيتين الاولى يمثلها الرئيس محمود عباس بصفته الاعتبارية ... والاخرى يمثلها نتنياهو بصفته العنصرية والارهابية والمناهضة للحقوق الانسانية .
لقد شهدنا تطورات ملموسة على الصعيد السياسي والدبلوماسي باعتراف ما يزيد عن 135 دولة بدولة فلسطين ... وشهدنا والعالم بأسره ان فلسطين كدولة مراقب اصبحت ذات اعتراف دولي بها كما شهدنا اعترافات العديد من الدول والبرلمانات الأوربية ... وليس اخرا اعتراف مجلس وزراء خارجية 28 دولة عضو في الاتحاد الاوروبي بمبادرة السلام الفرنسية وعقد مؤتمر دولي للسلام وبحضور الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي قبل نهاية العام الحالي .
حراك سياسي دولي وعربي وفلسطيني ... يقابله محاولات اسرائيلية يقودها نتنياهو لوقف عجلة تقدم أي تحركات عربية او اوروبية او حتى على صعيد المؤسسات الدولية لإيقاف عجلة السياسة الدولية بمنطق السياسة الاسرائيلية والقائمة على التضليل والخداع ... والتي لو تستطع حتى اللحظة ان تحدث اختراقا او تعديلا في قناعات معظم دول العالم حول صحة موقف هذا الكيان .
حاولت اسرائيل عبر حكوماتها المتعاقبة واخرها حكومة نتنياهو العنصرية الارهابية ان تمرر عبر الياتها الاعلامية وقنواتها الدبلوماسية وعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ان الرئيس عباس يمثل الارهاب الفلسطيني ويشجع عليه وان الفلسطينيين يمارسون ارهابهم في ظل ان اسرائيل تمد اياديها للسلام بما تقدمه من حزمة انسانية اقتصادية لانعاش احوال الفلسطينيين رغم تعرضها للهجمات الارهابية كما تتعرض الكثير من الدول الاوروبية .
اكاذيب وافتراءات اسرائيلية ... وفشل نتنياهو السياسي والدبلوماسي في اقناع اوروبا وغيرها بمقولاته واتهاماته والتي حاول تمريرها استغلالا لحالة الارهاب الاسود والسائدة في العديد من دول العالم .
برغم حالتنا الفلسطينية الاستثنائية بكل ما فيها من ضعف مصطنع بفعل عوامل وقوى خارجية وما يحدث بداخلنا من انقسام نتيجة قصور وضمور بالفكر السياسي والفصائلي الثقافي والاعلامي ... الا ان حالتنا السياسية والدبلوماسية وتحرك قيادتنا الشرعية احدثت اختراقات عديدة وحالة نهوض سياسي للقضية الفلسطينية باعتبارها من القضايا ذات الاولوية بعد ان تأخرت لفترة وجيزة .
مبادرة السلام العربية قد انتعشت الآمال حولها برغم رفض نتنياهو لها كما المبادرة الفرنسية والمؤتمر الدولي للسلام وتأكيد وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي عليهم باعتبارهم مخرجا سياسيا للوصول الي تسوية للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي ... أي ان هناك عملا سياسيا ودبلوماسيا يتحقق من خلاله العديد من الخطوات والنقاط ... من خلال فعل متراكم ومستمر وهذا ما يجب ان نشهد به وان نقر به ... وان لا تأخذنا العزة بالإثم ... بمحاولة فرض اجندة الخلاف على ما يمكن ان يبرز داخل الصورة من مشاهد ايجابية كنقاط محققة على صعيد الساحة الدولية .
الرئيس عباس وحراكه السياسي ومتابعته المتراكمة وتواصله الدائم وجولاته المكوكية للعديد من العواصم ... انما تؤكد ان هناك شيء ما نقترب منه ... وان نتنياهو قد اصيب بالإرباك وفقدان الاتزان ... وعليه بلملمة خلافه الائتلافي مع اركان حكومته ومع جنرالات جيشه واللذين يجاهرون بأنه يشكل خطرا على امن اسرائيل كما اتهام ليبرمان له ما قبل تعيينه وزيرا للحرب والتي قالها بصريح العبارة ان نتنياهو رجل كاذب .
الرئيس محمود عباس يشق طريقه السياسي والدبلوماسي بينما نتنياهو يشق طريقه الاستيطاني والاحتلالي ... وهنا يجد المجتمع الدولي نفسه امام سياستين الاولى تساعد على الامن والاستقرار ومحاربة الارهاب ... والثانية سياسة قائمة على عدم الاستقرار والامن وتغذية دوافع الارهاب .
أي ان المجتمع الدولي بكل مصالحه الاقتصادية والامنية يجد نفسه اليوم امام موقف دعم السياسة الفلسطينية المطالبة بالسلام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ... كما ان ذات المجتمع الدولي يجد نفسه متعارضا ومتناقضا مع توجهات نتنياهو وسياساته العنصرية .
الكيان العنصري الاسرائيلي بقيادة نتنياهو لا يجد امامه الا هذا الانحياز الامريكي الذي اصابه التراجع مع نهاية عهد الادارة الامريكية الحالية ... الا ان امريكا بتحالفها الاستراتيجي وبانحيازها الدائم والثابت ستبقى المنقذ للسياسة الاسرائيلية حتى ولو كان على حساب السياسة الامريكية ومصالحها .
المراقبين والمحللين يجدون ان الكيان العنصري الاسرائيلي يدخل بحالة من العزلة في ظل انكشاف سياستهم والاعيبهم ... مما اضعف من تحركهم وقدرتهم على المواجهة السياسية ... برغم النفوذ والقوة للوبي الصهيوني والانحياز الكامل للولايات المتحدة .
صحيح اننا لم نحقق النتائج المطلوبة والاهداف التي نسعى لتحقيقها ... لكن الصحيح ايضا اننا كشفنا زيف هذا الكيان وعنصريته وارهابه كما كشفنا ممارساته واستيطانه وانتهاكاته كشفنا مدى تناقض هذا الكيان مع الشرعية الدولية ومواثيقها ... كما أكدنا على حقوقنا وثوابتنا ... واننا نسير باتجاه تسوية قضيتنا والخروج من عباءة السيطرة الامريكية كما ونقترب من احداث اجماع المجتمع الدولي الضاغط على انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطين بحدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية وحل عادل لقضية اللاجئين وفق القرار 194 .
حالة من التقدم السياسي والدبلوماسي تمر عبر طرق مليئة بالمصاعب والتحديات والتي تزيد من الاصرار الفلسطيني على مواصلة السعي الدائم لتحقيق تسوية سياسية نحقق من خلالها ثوابتنا الوطنية ... وننهي فصلا طويلا من الصراع .
بقلم/ وفيق زنداح