للباحث الاقتصادي / حسن عطا الرضيع
تقديم ومراجعة / الدكتور فاروق دواس , دكتوراه في فلسفة العلوم الاقتصادية والسياسية.
تقديم الكتاب :
يبحث ويتناول كتاب اقتصاد الأزمات_ ولنقل اقتصاد الكوارث والصدمات _في الاقتصاد السياسي لرأس المال المُعولم ودور رأس المال اليهودي العالمي في الأزمات الاقتصادية العالمية_ وكذا يحلل مراحل تطور الاقتصاد الإسرائيلي منذ 1948 وما قبلها مركزاً على ما هو أساسي فيما سبق قوله.
ورغم امتداد صفحات هذا الكتاب على ما يزيد عن 500 صفحة مضافاً إليها قائمة ببليوغرافية يُعتد بها, إلا أنه من الجوهر يعالج بشكل رئيس الأزمات الاقتصادية الرأسمالية من خلال دراسة تستعرض وتحلل بعمق وموضوعية أزمات الأسواق المالية العالمية وعلاقتها بالعولمة المالية, وبذات الوقت القيام بدراسة ومُقاربة للاقتصاد الإسرائيلي وسوقه المالي ودور رأس المال اليهودي في الكوارث التي تعصف بشعوب الكرة الأرضية بشكل دوري وعنيف بين كل فترة وأخرى, مروراً بتداعيات الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 2008على البلدان العربية وبالتحديد دول مجلس التعاون الخليجي, واشتقاق الدروس عربياً وفلسطينياً من الأزمات ذات الصلة ومن التجربة الإسرائيلية أيضاً في هذا المضمار.
غني عن الذكر إن الأسواق المالية ارتبطت بتطور النشاطات الاقتصادية والعلاقات التجارية الخارجية لجهة تزويد وحدات الفائض الاقتصادي والمالي لوحدات العجز بالأموال والقروض .
وبتعاظم انتشار العولمة المالية وظهور الابتكارات والهندسة المالية الجديدة فقد توسعت الهوة بين نشاطات رأس المال العيني المنتج ورأس المال النقدي والثروة الورقية, فمقابل كل دولار يثم استثماره في الاقتصاد المنتج فإنه يتم توظيف 20-50 دولار في الأسواق المالية العالمية المنفصلة والمستقلة عن الاقتصاد الحقيقي.
ففي تسعينات القرن الماضي مثلاً ومن أصل 800 مليار دولار كانت تُضخ في السوق, فإن ما كان يستثمر منه في الاقتصاد المنتج لم يزيد ولا بحال عن 25 مليار دولار, والباقي كان يتم تداوله بغرض المضاربات المالية والنقدية.
وليس هناك أي مغالاة أن تم التأكيد على أن إمكانات المضاربين الماليين منذ آنذاك تتفوق على إمكانيات كافة البنوك المركزية في العالم بما لا يقل عن 50 ضعفاً.
بات معلوماً أن عمليات التداول المالي العابرة للحدود والقارات باتت حكراً على مجموعة صغيرة من الأوليغاركية المالية وحيثان رأس المال المالي, لدرجة أنهم أصبحوا يشكلون فيما بينهم حكومة عالمية/ وإن شئت فقل مجلس إدارة اقتصاد العالم/ ؛ وإذا كان هؤلاء يشكلون 1% وحسب من نفوس المعمورة فإن 99% من شعوب الإنسانية عليها أن تتحمل وبدرجات متفاوتة البؤس والشقاء والتقشف والبطالة والفقر, والأكثر من ذلك فقد بات على فقراء العالم عبء تمويل الأغنياء لدى كل أزمة اقتصادية ومالية.
أما حل مشكلة الفقر لدى الطغم المالية العالمية فإنه يتمحور حول مفاهيم المالثوسية والمالثوسية الجديدة البائسة و اللا أخلاقية, ووفق تعبير تشوسودفسكي فإن مكافحة الفقر من وجهة نظر الأثرياء تكمن في إبادة الفقراء, أما تشو مسكي فيرى أن دول أوروبا الشرقية_ الاشتراكية سابقاً_ فقد أضحت خدماً لكبار رأسمالي دول المراكز المتقدمة.
لم يُعد سراً أن 3% من التداولات المالية يثم استثمارها في الاقتصاد الحقيقي, وما يتبقى يذهب لعمليات المضاربة والربح السريع وبما ينجم عن ذلك من مخاطر جدية تهدد الاستقرار الاقتصادي في العالم.
ومع أن أسواق المال ليست حديثة العهد, إلا أن العقود الأربعة الماضية شهدت صعوداً غير مسبوق لرأس المال المالي والنقل العكسي للموارد_ أي انتقال الأموال من دول الأطراف إلى دول المركز؛ وبكلمة أخرى فإننا شهود عيان على مرحلة تنامي وتعاظم لا حدود له للاقتصاد الرمزي _ الافتراضي والثروة الورقية غير المغطاة بالإنتاج البضاعي؛ وحيث أن النيو ليبرالية وبالأحرى الليبرالية المتوحشة هي التي سادت بعد انهيار الكينزية في مطلع سبعينات القرن المنصرم, فإن الفجوة في الدخول والثروات قد أصبحت مهولة, بل وتم تحميل ذوي الدخول المحدودة والمتوسطة وكاسبي الأجور من العمال وفقراء الفلاحين تبعات وتداعيات السياسات الاقتصادية للنيو كلاسيك, وكل هذا يتم في ظل غياب شبه كامل للتدخل النشط للدولة صاحبة الفضل في النمو والتنمية الاقتصادية, إلا من أجل إنقاذ الرأسماليات الاحتكارية في حال اندلاع الأزمات.
وبموجب نفاذ مفعول السياسات المُعولمة فإن انعدام العدالة الاجتماعية أضحى السمة الأساسية للرأسمالية الراهنة, حيث انتقلت من مرحلة عدم عدالة التوزيع وإعادة التوزيع إلى مرحلة اللا إنسانية في توزيع وإعادة توزيع الخيرات المادية؛ فعشرات الملايين في دول المركز المتقدم وليس فحسب في بلدان المحيط أضحت عاطلة عن العمل أو تم تقليص أجورها الأسمية, أو تخفيض دخولها الفعلية حيث أن الفقر الثلاثي الأبعاد وفقاً لتصنيفات الأمم المتحدة, وأنواعه المتمثلة في الفقر المطلق أو النسبي أو المُدقع باتت تطال مئات الملايين من كاسبي الأجور وشرائح واسعة من أصحاب الدخل المحدود والمتوسط من فئات الطبقات الوسطى.
رغم الكثير الذي قيل ويُقال حول كفاءة الأسواق المالية وما تعنيه من الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية سواء لجهة القضاء على الهدر الاقتصادي وسريان مفعول التشغيل الكامل استناداً لنظريتي التوقعات العقلانية والرشيدة, فإن نظرية التوقعات الرشيدة أثبتت عدم قدرتها على التنبؤ بالأزمات والتحوط منها ومكافحتها؛ ويعود الخلل الرئيسي في افتراضاتها القائمة على أساس نموذج المنافسة الكاملة وحرية المعلومات والتوازن الاقتصادي.
سيكون من قبيل الوهم الاعتقاد بأن عين الشمس بالإمكان حجبها بغربال فالوقائع العتيدة تخبرنا بأن التوازن الاقتصادي في كافة مراحل تطور الرأسمالية كان مؤقتاً وفي المدى القصير وحسب, أما الأصل فهو الاختلال وفي المدى الطويل, وذلك بفضل الأسواق الرأسمالية القائمة على الرأسمالية الاحتكارية _ سواء كانت منافسة احتكارية , أم احتكار قلة, أم احتكار كامل_ وهذا الأمر لم يعد ينفيه علماء الاقتصاد السياسي الرأسمالي حيث يقرون بأن الأسواق لم تعد تنافسية, ويذهب الكينزيون أبعد من ذلك نت خلال التأكيد على التوازن الاقتصادي الرأسمالي هو مؤقت وعابر وأن الاختلال هو الذي يحمل صفة الديمومة .
هكذا فإن الأزمات الرأسمالية كما يعرضها ويحللها الكتاب هي بحق اقتصاديات الأزمات والكوارث والعلاج بالصدمات, حيث ينجم عن أزماتها المتلاحقة دماراً هائلاً لقوى الإنتاج أو ما يُطلق عليه شومبيتر بالتدمير "الخلاق" وكوندليزا رايس "بالفوضى الخلاقة", رغم أن قولها هذا جاء في سياق أخر هادف لتقسيم الدول العربية وإنهاك اقتصادياتها المُنهكة بالأصل.
ومع أن الرأسمالية لا زالت قادرة على" تجديد نفسها" كما يقول فؤاد مرسي, إلا أن هذا التجديد يتم على حساب تدمير واسع للقوى الإنتاجية وتغييرات في مراكز ومكانة مالكي وسائل الإنتاج لصالح الرأسمالية الريعية _ الطفيلية وليس الإنتاجية منها_ أي فإن هذه العملية مؤسسة على تخصيص المنافع للأثرياء وتعميم الخسائر لمحدودي الدخل وإفقار مئات الملايين من البشر.
استعان مؤلف الكتاب بمئات المراجع الوازنة والمتنوعة والمتفاوتة في الرؤى ومنها على سبيل المثال لا الحصر فؤاد مرسي, سمير أمين, بول باران , بول سويزي , روزا لوكسمبورغ , أرنست ماندل, صادق العظم, جوان روبنسون , تشوسودفسكي, تشو مسكي, عبد الحي زلوم, جلال أمين, شيفر سورس , بافيث, فوكو ياما, بلوز, تتيريني...إلخ, وكان موفقاً في اقتباساته, وذلك بغرض تعزيز هذه الدراسة النوعية بلغة الأرقام كنسب الفقراء والأغنياء, فعلى سبيل المثال فإن 1% من السكان الأغنى في العالم يملكون ما يملكه 57%, وأن 2.5 مليار من سكان العالم والذين يشكلون 40% من النفوس يعيشون على أقل من 2 دولار يومياً, مما يعني ببساطة أنه لا يمكن اعتبار النمو عالمياً محابياً للفقراء حتى في ظل العصر الذهبي لدولة الرفاه الرأسمالية الكينزية, ويعود السبب في هذه الفجوة المرعبة إلى مسألة آلية توزيع الدخل وعلاقات الملكية.
يرى كاتب هذا التقديم أن الباحث/ حسن الرضيع قدم ما هو جديد خاصة على ضوء قيامه بتحديث البيانات والمعطيات من خلال مصادر يُعتد بها, ووفقاً لمصادره فإن الخيرات المادية الموجودة على الأرض بإمكانها تلبية حاجات 132 مليار إنسان وليس 7 مليارات فقط.
ويمكن إضافة القول أن حسن بإعداده لهذا الكتاب الموثق بالأرقام والمشاهدات والملاحظات يحاول أن يسلك الطريق والمسار المعُقد الذي سلكته هامات كبيرة كافحت من أجل أهداف إنسانية عظيمة, إلا وهي نفاذ مفعول السوية بين الناس إزاء ملكية وسائل الإنتاج, بمعنى أن تكون الأرض وما عليها وما في باطنها من ماء وكلأ ونار ملك لكل البشر وليس لفئة مجتمعية دون الأخرى.
يعتقد حسن في الجزء الأول من الكتاب واعتقاده في محله بأن الإنسانية أمام معادلة لا يمكن أن تكون سرية في علم الاقتصاد, هذه المعادلة تقوم على تعاظم الأسواق المالية بمعدلات تتجاوز بكثير معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي_ أي إضافة القيم الاقتصادية الجديدة المولدة للدخل والقائمة على متوسط الجهد المبذول ؛ وبمعنى أخر فإن الاقتصاد المالي العالمي قائم على المضاربة والمخاطرة وعدم التأكد وصنع النقود, أي أننا أمام اقتصاد افتراضي, رمزي , ريعي , طفيلي: أي ثروة ورقية لا قيمة لها من وجهة نظر الاقتصاد المنتج.
يُقدم الباحث في الجزء الثاني من مؤلفه عرضاً وتحليلاً يستحق الثناء لجهة استناده لرؤية علمية وموضوعية في تحديد الأسباب المؤدية للأزمات المالية العالمية وخاصة أزمة عام 2008 وكذلك توصيف الأسباب والنظريات المفسرة للأزمات المالية العالمية, مضافاً لذلك عرض شيق لأنواع وأهم الأزمات وخاصة أزمة الرهن العقاري , وتحليل للحلول المطروحة عالمياً بغض النظر عن تلك الحلول التي تحاول معالجة أعراض ومظاهر المرض وليس المرض نفسه, وفي السياق يناقش حسن تداعيات الأزمة عربياً وتحديداً ما تركته من آثار على بلدان مجلس التعاون الخليجي.
استعرض حسن بإيجاز تعرض البنوك الإسلامية للخسائر مثلها مثل البنوك التقليدية جراء الأزمة المالية العالمية, ومع اتفاق مُعد هذا التقديم مع ما ذهب إليه الباحث من أن هذه البنوك غير مُحصنة في مواجهة الأزمات المالية العالمية, وأن تعامل البنوك الإسلامية مع التوريق المصرفي المنظم / الصكوك يقع في خانة التحايل على مقاصد الشريعة الإسلامية, وكذا عدم جواز إعطاء هالة من القدسية على ظاهرة دنيوية وضعية تقع في خانة مبادئ الفقه ومعاملاته القابلة للتأويل والاجتهاد والاختبار؛ فيمكن إضافة القول أن المسألة لدى حركات الإسلام السياسي رغم التفاوت فيما بينها تقع مفاهيمها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في خانة النصوص السماوية المقدسة بما يؤدي خاصة في حال وصول هذه الحركات إلى مرحلة ما تسميه بالتمكين إلى إقصاء وإلغاء الأخرين باعتبارها حركات ربانية تملك تفويضاً الهياً بتنفيذ حكم الله في الأرض.
قدم حسن عرضاً سريعاً لمفهوم الاشتراكية الإسلامية كأحد الحلول لأزمات رأس المال المالي ورغم تأكيده بأن الفكر الاقتصادي أقرب إلى التعاليم منه إلى نظام اقتصادي مستقل, أي تيار وحسب في الفكر الاقتصادي والاجتماعي الإنساني, إلا أن صاحب هذا التقديم يعتقد أن استعراض أراء مجموعة غير متجانسة من المفكرين والساسة الإسلاميين في هذا المجال يحتاج إلى رؤية وتأنٍ, باعتبار رؤى هؤلاء غامضة وأقرب إلى المواعظ والتباشير منها إلى النظريات الاقتصادية, وهذا لا يتعارض مع قول عمر بن عبد العزيز " انثروا القمح فوق سفوح الجبال حتى لا يٌقال جاع طير في بلاد المسلمين"؛ وأقوال الامام علي بن أبي طالب الكثيرة ومنها " ما اغتنى غني إلا على حساب فقير", "والفقر أبو الشرور , ولو كان رجلاً لقتلته", وكذلك" الفقر في الغربة وطن, والغنى في الغربة وطن", فهذه الأقوال تقع في خانة السمو والنبل المتعاظم ولكنها مع ذلك تبقى في خانة التعاليم وحسب ولا ترتقي إلى مستوى القانون.
وفي الجزء الثالث من الكتاب والمتعلق بتأثير رأس المال اليهودي على الاقتصاد العالمي ومكوناته, وتطور الاقتصاد الإسرائيلي منذ عام 1948, فإن الباحث وفي مقتربه الدراسي والتحليلي للاقتصاد الإسرائيلي ودور رأس المال اليهودي في الأزمات العالمية فقد استعان أيضاً بمراجع متعددة ومتنوعة لبيان دور رأس المال هذا في نشأة إسرائيل وتطورها الاقتصادي بجانب الدعم الأمريكي وأموال التعويضات الألمانية وخبرة الحركة الصهيونية في مجالات العلوم الاقتصادية والمصرفية.
هذا الجزء من طبائع الأمور أن تكون له أهمية فائقة لدى الفلسطينيين والعرب على السواء, لجهة أحكام الضرورة الفاضية بمواجهة أطماع الحركة الصهيونية وإسرائيل, ورأس المال اليهودي العالمي في الأراضي الفلسطينية والعربية, وبصفتهم استعمار عنصري , شوفيني , إحلالي, استيطاني , توسعي وكولينيالي.
يناقش حسن بنوع من الحصانة المصادر الأيديولوجية للحركة الصهيونية وتأثير الأساطير التلمودية على تنظيماتها ليس وحسب الدينية بل حتى العلمانية فيها يمينية كانت أم يسارية, كما يدحض ادعاء وكأن الدياسبورا ظاهرة يهودية خالصة_ فهناك أقليات صينية وأرمينية وألمانية وغجريه عاشت وتعيش في الشتات, ويميل الباحث في هذا المجال لرأي ماركس ولينين ومفكرين مشهود لهم بأن اليهود واليهودية لم تعش رغم التاريخ بل من خلاله, أي عبر دورهم كجماعة اقتصادية واجتماعية من التجار والسماسرة والمرابين الكوزموبولتيك_ أي الذين تحركهم مصالحهم الخاصة وليس لديهم أي انتماء للدين أو العرق أو قومية بعينها_ والسابق على تكوين الرأسمالية اليهودية المعاصرة والحديثة.
يستعرض حسن الواقع التاريخي للوجود الكنعاني في فلسطين, ومن ثم اليهودي والفلسطيني/ شعوب البحر / في بلاد كنعان, ومع أن كاتب هذه السطور لا يمتلك المصادر الكافية حول أصول الكنعانيين وسنوات قدومهم وعلاقتهم بقدامى المصريين وتعددا اليهود في فلسطين حين ظهور المسيحية أو في القرن السابع الميلادي ...إلخ, مما يستوجب التدقيق واللجوء الجدي لعلم الآثار والأنثروبولوجيا للوصول إلى المعرفة العلمية؛ إلا أنه يتفق مع الباحث حول عدم أحقية اليهود تاريخياً في تحقيق مصيرهم في فلسطين, بغض النظر عن ما نجم بعد الحرب الكونية الأولى, والكونية الثانية وقيام دولة إسرائيل كأمر واقع بدعم أمريكي وبريطاني ورأسمالي وحتى الأمم المتحدة.
وتستمد الفكرة أعلاه أهميتها من أنه لو جاز ما ذهبت إليه الحركة الصهيونية في مفهومها لحق تقرير المصير , لجاز للصينيين المقيمين في إندونيسيا أو ماليزيا بتكوين دولتهم الخاصة بهم, ولجاز أيضاً للغجر في المطالبة بدولة مستقلة, وبموجب هذا المفهوم فإن غالبية القبائل المتنقلة في أفريقيا يحق لهم تكوين دول خاصة بها, وتعود فرضية عدم أحقية اليهود في تحقيق مصيرهم في فلسطين لجهة أن الشعب , الأمة كي تصبح له مثل هذه الأحقية فيتوجب أن تجمعه في أرض مشتركة بصفة دائمية لمئات السنين وعلى أساس مشترك من روابط اللغة والتاريخ والثقافة والاقتصاد والتكوين النفسي المشترك, وهذا ما لا يتوفر لدى الجماعات اليهودية المنتشرة في قرابة 80 دولة من دول العالم, وعلى الضد من ذلك فإنه ينسحب على الفلسطينيين كونهم يتمتعون بالتعريف أعلاه كما هو مقر في علم الاجتماع وعلوم القانون.
ليس هناك شك في أن هناك دوراً وتأثيراً لا يُستهان به لرأس المال اليهودي على سياسات الولايات المتحدة ودول أوروبية كبرى أيضاً_ تأثير روتشيلد, روكفلو, مورغان, ليمان براذرز, بنك تشيس مانهاتن....إلخ_ علاوة على دور رأس المال هذا في إتارة الحروب والقلاقل في العديد من بلدان العالم بحكم الزواج الكاثوليكي بين رأس المال اليهودي ورأس المال المالي العالمي.
وفي المجال يتوجب التركيز والكشف عن هذا الدور في الحرب على العراق واحتلالها واجهاض الانتفاضات العربية في منتصف الطريق/ ليبيا, اليمن, وتشديد الخناق على مصر/ , وفي تسعير الحرب الدائرة في سوريا ودعم حركات الإسلام السياسي المتطرف وتأجيج الصراعات الداخلية والحروب الأهلية.
ومع كل ذلك لا يستطيع مُقدم الكتاب الجزم بما يُسمى بمشروع الشعاع الأزرق العائد تاريخياً للحركة الماسونية _ أي توحيد العالم في ظل حكومة عالمية واحدة, وبروتوكولات حكام صهيون الداعية للسيطرة على العالم وحكومتها, وعليه فنحن بحاجة إلى المزيد من الوثائق والمعطيات المتعلقة بهذا الموضوع .
وأي كان الحال يعتقد كاتب هذه السطور أنه مهما بلغت سطوة وخبايا وخفايا رأس المال المالي اليهودي, فإنه يبقى جزءاً من رأس المال المالي المعولم والذي يُهيمن على الشركات العملاقة والمتعددة الجنسية.
وهذه الأخيرة لم تنفذ ذخيرتها بعد, فلا زالت تعرقل التوجه الروسي والصيني وبلدان أخرى كثيرة من أجل عالم متعدد الأقطاب سياسياً واقتصاديا وعسكرياً, كما أنها تبذل كل جهد من خلال أدواتها وقواعدها الاجتماعية لإحباط تجارب اقتصادية تنموية ذات بعد ونموذج اجتماعي أكثر عدالة وإنسانية في العديد من بلدان العالم ومنها مؤخراً البرازيل وفنزويلا.
قدم حسن عرضاً وافياً معززاً بالأرقام والمعطيات لمراحل تطور الاقتصاد الإسرائيلي , بما في ذلك مرحلة نهوضه وكذا أزماته كأزمته الممتدة من 1973-1985؛ وإبراز الدعم الاقتصادي والمالي الكبير من قبل رأس المال اليهودي العالمي, والرأسمالية الاحتكارية العالمية.
ورغم قدرة الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة على بناء اقتصاد متماسك قادر على النمو والاستمرار استناداً للإحصائيات الموثقة, فإن الباحث وجه سهام النقد كاشفاً مضامين السياسات الاقتصادية الإسرائيلية/ خاصة بعد عام 1977 _ أي فترة صعود الليكود للحكم, واستعانته بفريدمان مؤسس مدرسة شيكاغو النقدية المعادية لتدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية والمنادية بتقليص النفقات الاجتماعية إلى أدنى حد ممكن.
كما أنه يكشف عورة السياسات الاجتماعية التي يعبر عنها بعدم العدالة في التوزيع, حيث تُسيطر من 20-30 شركة إسرائيلية على نحو 50% من الثروة في إسرائيل, ورغم بلوغ نصيب الفرد السنوي من الناتج المحلي الإجمالي لقرابة 28-30 ألف دولار, إلا أن ثمار النمو تجنيه فئات محدودة مسيطرة, ويعبر حسن عن احتقاره للديمقراطية الإسرائيلية القائمة على أساس الأبراتاهيد العنصري في مواجهة العرب الفلسطينيين .
يعرض الباحث ويحلل نشأة وتطور سوق المال الإسرائيلي ويستعرض التأثير المحدود للأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008 على هذا السوق, ويشرح ويحلل أسباب محدودية هذا التأثير, ولكنه يضيف في سياق تحليله على أن تعافي الاقتصاد الإسرائيلي من أزمات أسواق المال العالمية بسرعة لا يعني بالضرورة أن سوق المال الإسرائيلي لن يتعرض لهزات عميقة في المستقبل؛ كونه يرتبط بالأسواق المالية المتطورة وبمراكزها الرأسمالية رغم استقلاله النسبي عنها.
يوصي حسن صانعي القرار الاقتصادي الإسرائيلي بالتوجه نحو الاقتصاد المنتج وبمزيد من العدالة الاجتماعية الغائبة عن العرب الفلسطينيين ومحدودي الدخل من اليهود, إلا أنه يستدرك بالقول أن الاستقرار الاقتصادي في إسرائيل لن يُكتب له الديمومة إلا في حالة إقرار السلام المتوازن مع الفلسطينيين ودول الجوار العربية.
ليس هناك مبالغة كما يعتقد كاتب التقديم إذا تم تأسيس القول بأن هذا الكتاب ثمرة جهد تراكمي لباحث شاب_ لا زال يبحث عن فرصة مُدرة للدخل_, حيث نجم عن الجهد الدؤوب دراسة نوعية تستحق الاطلاع والمتابعة, خاصة أن معرفتي بحسن بدأت أثناء متابعته لدراسته الجامعية كطالب مجتهد , وما بعد الجامعية كدارس جاد قام بإعداد مجموعة لا بأس بها من الأبحاث والدراسات والمقالات المنشورة وغير المنشورة, وأضيف أن ما يحفزني على مواصلة ما ينجزه هذا الباحث الشاب هو ما يذكرني بحلقات دراسية كنت مشاركاً نشطاً فيها منذ مطلع السبعينات عندما كنت طالباً بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية , ولاحقاً كدارس ومهتم ومشرف ومناقش لمجموعة من الأطروحات العلمية ذات الصلة لطلاب الدراسات العليا بجامعة الأزهر_ كأستاذ زائر_.
إن ما سبق قوله لا يعني أن هذا الكتاب حكراً على المختصين في الفكر والنظريات الاقتصادية, بل أنه يتضمن أفكاراً انسانية تهم كل أنصار العدالة الاجتماعية والسوية بين الناس؛ وعليه فإن ما ورد في هذا الكتاب يبعث على الأمل مجدداً في انبعاث جيل شاب قادر على مواصلة الدرب وإثراء أفكار وبرامج من سبقوه في الدفاع عن الشعوب المضطهدة والفقيرة والمظلومة في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية, والذين يتحملون وزر وأعباء وأخطاء وخطايا الرأسمالية الليبرالية المستبدة , وتبقى المسألة الأهم وهي القدرة على إنجاز هذه الأفكار والرؤى والبرامج , حيث أنه لا يجوز الاكتفاء بتفسير ما يجري في العالم بل يتوجب تغييره نحو الأفضل؛ أي مواصلة العمل الدؤوب كي يتبنى الناس هذه الأفكار والبرامج, فالأفكار إذا تبنتها الجماهير تصبح قوة مادية لا تُقهر مهما بلغ جبروت وطغيان حيثان المال ومؤسساتهم المعولمة والتي تقوم بدور الوصاية والهيمنة والاستئثار بمقدرات شعوب المعمورة.
تقديم ومراجعة
الدكتور/ فاروق دوَاس
دكتوراه في فلسفة الاقتصاد والعلوم السياسية .