هل وصلت حكومة اليمين في إسرائيل آخر أشواطها؟ سؤال مطروح في ضوء ما نشهده من ضغط خارجي وداخلي على هذه الحكومة ورئيسها، بنيامين نتانياهو، على نحو يبدو فيه وجود "قرار" بوضع فصل الخاتمة لهذه الحكومة وللواقف في رئاستها. ويبدو أن الضغط يأتي من ثلاثة محاور واضحة المعالم، وهي المحافل الأوروبية والأميركية العالمية والجاليات اليهودية في الخارج ومن المعارضين في الداخل الإسرائيلي.
عندما تقلب الصحافة الإسرائيلية ظهر المجنّ للحكومة أو لرئيسها في عزّ ولايته يعني أن شيئاً ما قد حصل في الأروقة وفي المحافل التي تصنع السياسة في إسرائيل. كما أن طبيعة النقد الإعلامي هو دلالة أخرى. وهو لا ينحصر الآن في انتقاد سياسات عامة أو عينية ولا في نشر آراء نقدية لنتانياهو وحكومته بل يطاول كل شيء في هذه الحكومة وفي رموزها. بل يتصرّف بعض الصحفيين الذين كانوا خائفين أو صامتين إلى أسابيع خلت كأنهم تولوا القيادة بأنفسهم فتأتي لغتهم متهكمة أو ساخرة أو ناقدة بحدّة، من دون كوابح لرئيس الحكومة وأسرته وما يصدر عنه. وأرى أن أوساط الذين يفعلون ذلك في الإعلام الإسرائيلي في اتساع من يوم إلى يوم، خلاف ما كان عليه الأمر من شهور. أقدّر أن نقطة التحوّل الواضحة كانت إطلاق جندي إسرائيلي النار على فلسطيني جريح في الخليل بقصد القتل (محاكمته تجري الآن في المحكمة العسكرية) والهجوم الذي تعرّض له وزير الأمن موشي يعلون في ساعتها لإدانته فعلة الجندي وذلك داخل حزبه - اليكود - وبإيعاز من نتانياهو ورهطه. وهو هجوم تكرر من نتانياهو ورهطه ضد نائب قائد أركان الجيش الذي استغلّ مراسم إحياء المحرقة اليهودية لانتقاد مظاهر العنصرية والتحريض في المجتمع اليهودي.
أما التطور الذي غيّر وجهة الأمور في تعامل الإعلام مع حكومة نتانياهو فهو تفضيله ضم "صديقه/ خصمه" وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، ذي الأصول الروسية، إلى حكومته على حساب حزب العمال الذي بقي خارج الائتلاف بعد مفاوضات سرية لم تُثمر. ومن المعروف أن معظم الصحافيين ومالكي وسائل الإعلام المرموقين في إسرائيل مقربون من حزب العمال ويتحدرون من نُخبه.
إضافة إلى الإعلام، هناك "أجهزة" أخرى في إسرائيل وخارجها ضالعة في الحملة ضد نتانياهو وحكومته. ولعلّ أبرز هذه "الأجهزة" الجهاز القضائي وذاك الأمني. فكلاهما مجند في النيل من نتانياهو وشخصه وسياساته وحكومته. يركّز الجهاز القضائي الآن مع الإعلام على مخالفات وتجاوزات قانونية ومالية لرئيس الحكومة من فترات مختلفة، لا سيما الولاية الحالية. ويُنشر في كل يوم تقريباً تقرير إعلامي واحد أو أكثر يتصل بتُهم مباشرة قديمة وجديدة بحق نتانياهو أو زوجته. وعندما نقول الجهاز القضائي فإننا نقصد تحديداً النيابة العامة والشرطة المحققة والمستشار القضائي للحكومة ومراقب الدولة. فلدى جميعها ملفات تتعلق بنتانياهو قيد البحث.
هذا فيما حذرت القيادات الأمنية، لا سيما السابقة وأبرزها وزيرا الأمن اللذان عملا إلى جانب نتيناهو، إيهود براك (وكان رئيس حكومة عن حزب العمال) وموشي يعلون الذي أقيل قبل شهرين من منصبه، يُضاف إليهما أكثرية "الأمنيين" المتحدثين في مؤتمر هرتسليا الأخير (قبل أيام)، بل الأكثرية الساحقة من الجنرالات السابقين ورؤساء الأجهزة الأمنية، لا سيما جهاز الأمن العام و"الموساد" ومجلس الأمن القومي والاستخبارات العسكرية سابقاً، من استمرار سياسات نتانياهو وأسلوبه الذي يُضعف إسرائيل ومجتمعها من الداخل وعلى كل المستويات في العلاقة مع العالم والمحيط العربي.
لكن هناك حراكاً لا يقلّ أهمية في أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا وأميركا الشمالية بالاتجاه نفسه، ينعكس في حراك داخل إسرائيل وبأيدي أطر وفاعليات سياسية حزبية وغير حزبية تنشط في سبيل تأليف اصطفافات جديدة وتأطّرات يُمكن أن تُفضي إلى تبديل نتانياهو. ويندرج في الإطار نفسه، مؤتمر باريس للسلام المنعقد قبل نيف وثلاثة أسابيع وعودة الحديث عن حل سياسي برعاية دولية. وقد أعقبه حديث بالاتجاه نفسه عن السلام وضرورته وإمكانه، جاء على لسان السفيرين المصري والأردني في إطار مؤتمر هرتسليا الأخير. فقد شدد السفيران وبذكاء على أن المبادرة العربية المعدّلة هي أكرم ما يُمكن أن يقدمه العرب وبدعم من الدول الإسلامية. وقد كانت مداخلتا السفيرين لافتتين وأثارتا اهتماماً في إسرائيل، لا سيما أوساط صنع القرار لجهة إرباك نتانياهو وسياساته.
ومن اللافت أيضاً الخطاب السياسي المباشر الذي يعتمده الرئيس الإسرائيلي نفسه رؤوبين ريبلين، المتحدر من حزب نتانياهو والذي انتُخب رئيساً للدولة خلافاً لرغبة نتانياهو وبالرغم عنه. فريبلين يُنشئ خطاباً ليبرالياً غير متشدد نقدياً لسياسة نتانياهو وخطه. وهو يشكّل تحدياً واضحاً في الطروحات للحكومة، فيما لا يستطيع نتانياهو إسقاط شرعيته أو اتهامه بـ "اليسارية" كما كان الأمر مع سابقه.
تقديرنا أن الدائرة بدأت تنغلق حول عنق نتانياهو الذي يتضح للإسرائيليين خاوياً تماماً وشخصية محض افتراضية ومنقطعة عن الواقع. وليس أمام نتانياهو في هذه الحالة سوى أن يلجأ إلى أسلوبه، وهو إشاعة أجواء من الخوف في قلوب الإسرائيليين. فقد أكثر وزراؤه في الأيام الأخيرة الحديث عن "قرب معركة حاسمة في غزة للقضاء على حماس" وعن "جاهزية إسرائيلية لتدمير لبنان في حال جرؤ حزب الله على المغامرة"!
الوقت لا يلعب لمصلحة نتانياهو، فيما أوساط واسعة في إسرائيل وخارجها تعتقد أن الوقت يلعب لمصلحة تسوية قريبة بين إسرائيل وما بقي من مُحيطها العربي ومن ضمنه الفلسطينيون!
مرزوق الحلبي