إسرائيل في الأمم المتحدة – بعد رئاسة اللجنة القانونية عينها على مجلس الأمن

بقلم: عبد الحميد صيام

 جاء انتخاب إسرائيل لرئاسة اللجنة السادسة (اللجنة القانونية) التابعة للجمعية العامة يوم الاثنين 13 يونيو بمثابة بركان انفجر مرة واحدة فأصاب كل عربي شريف وكل محب للسلام في العالم بجرح عميق في كرامته. لكن هذا التطور لم يكن مفاجئا لنا، ونحن نراقب عملية تلميع إسرائيل ومداراتها والتغاضي عن جرائمها والتعامي عن انتهاكاتها للقانون الدولي، على مدار السبعين سنة الماضية.
وأود في هذا المقال أن أنبه الشعوب العربية بأن المقبل أعظم، ما دام الحضور العربي في المنظمة الدولية مبعثرا وضائعا ومتخاصما مع ذاته. وأستطيع أن أتنبأ بشيء من الثقة بأن إسرائيل ستدخل مجلس الأمن عضوا غير دائم، إما في 2018 أو 2019 إذا ما بقيت الأمور في العالم العربي بمثل هذه الحالة المزرية. وسأحكي للقراء القصة من أولها.

دخول إسرائيل في مجموعة
"أوروبا الغربية ودول أخرى"

بعد زيادة عدد الدول الأعضاء التي انضمت للأمم المتحدة في نهاية الخمسينيات، إثر موجة التحرر من الاستعمار، أقرت الجمعية العامة عام 1961 أن يخضع التمثيل في كافة لجان الأمم المتحدة وصناديقها وأجهزتها، بما في ذلك عضوية مجلس الأمن غير الدائمة، لنظام المحاصصة الجغرافية، التي تتوزع على مجموعات جغرافية خمسة: المجموعة الآسيوية والأفريقية و"دول أوروبا الغربية ودول أخرى" ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وأخيرا أوروبا الشرقية.
الدولة الوحيدة التي بقيت خارج التقسيمات الجغرافية جميعها هي إسرائيل، إذ إن المجموعة الآسيوية، حيث تقع إسرائيل من الناحية الجغرافية، رفضت أن تنضم إليها فغالبية هذه الدول كانت تعتبر إسرائيل دولة مارقة غير شرعية، وكثير من دول المجموعة المؤثرة لم تكن تعترف بها أصلا مثل، الهند وإندونيسيا وباكستان. ولم تحاول إسرائيل أن تلعب بذيلها آنذاك في ظل الحرب الباردة، ووقوف دول المعسكر الشرقي مع العرب بقيادة مصر جمال عبد الناصر، واكتفت أن تلجأ إلى الحضن الأمريكي، كلما دعت الحاجة إلى ذلك في سلم أو حرب. فلم تحاول أن تدخل لجنة أو ترشح نفسها لمنصب أو تطمح في وظيفة رفيعة في الأمانة العامة.
بقيت الأمور هكذا لغاية عام 2000، حيث أطلقت إسرائيل حملة دعائية في الأمم المتحدة وخارجها ونشرت إعلانات في الصحف الأمريكية الكبرى مثل "نيويورك تايمز" مفادها أن هناك عنصرية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، إذ ما معنى أن كل دول العالم منضوية ضمن مجموعات جغرافية إلا إسرائيل، وبالتالي فلا يمكنها أن تنتخب لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة أو أي عضوية في إحدى اللجان الدائمة أو غير الدائمة، كما أن كل دول العالم تخضع لنظام المحاصصة الوظيفية في الأمانة العامة إلا إسرائيل. نجحت هذه الحملة بدعوة الدول الأوروبية لضم إسرائيل "مؤقتا" إلى "مجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى" ليصبح عددها 27 دولة، بما فيها كندا وأستراليا ونيوزيلندا، بينما تتمتع الولايات المتحدة بعضوية مراقب فقط. لكن المؤقت أصبح دائما واستقرت إسرائيل في هذه المجموعة ثم ما لبثت المجموعة نفسها في جنيف أن ضمت إسرائيل إلى عضويتها عام 2013، وبالتالي رفعت كل القيود التي كانت تمنع إسرائيل من الترشح والترشيح في كل منظومة الأمم المتحدة بلا استثناء.
بدأت إسرائيل تعمل بهدوء من خلال أصدقائها في المجموعة، وعلى رأسهم كندا وأستراليا والولايات المتحدة، بهدف إعادة تأهيل إسرائيل لتعامل كدولة عادية من دول المجموعة مثلها مثل لوكسمبورغ أو اليونان أو إسبانيا. كما أن فرنسا خاصة أيام ساركوزي الذي كان عاشقا لإسرائيل بدأت تتبنى ترشيح إسرائيل نيابة عن المجموعة في اللجان والمجالس المختلفة، تحت حجة كسر المقاطعة العربية والإسلامية. ونعتقد أن الاتحاد الأوروبي كان مخطئا لأن إدخال إسرائيل في تلك المجموعة ما زادها إلا غرورا وصلفا وتمردا، حتى ان المندوب الإسرائيلي داني دانون، ادعى في بيان الاحتفال بانتخابه للجنة السادسة، أن هذا الانتخاب عبارة عن مكافأة لإسرائيل لمواقفها القيادية من مسألة الالتزام بالقانون الدولي ومحاربة الإرهاب.
من مواقع ثانوية إلى رئاسة اللجنة السادسة
حاولت إسرائيل عام 2002 و 2003 و 2005 التسلل للجان حقوق الإنسان، لكنها فشلت في الحصـــــول على الأصوات اللازمة. إلا أنها انتخــــبت لأول مرة عام 2003 في لجنة نزع السلاح، ودخلت لجنــة مكافحة المخدرات في العام نفسه. وفي يوليو 2005 عـُين محام إسرائيلي، ديفيد شاريا، في منصب مستشار قانوني للمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، وهي لجنة مهمة تشرف على أعمال فريق دولي يقدم المشورة لمجلس الأمن حول جهود مكافحة الإرهاب.
في عام 2005 انتخبت إسرائيل لأول مرة نائبا لرئيس الجمعية العامة في دورتها الستين. كان المندوب الإسرائيلي واحدا من بين 18 نائبا. ففي غياب الرئيس يجلس على المنصة مكانه أحد النواب. فبالكاد يأتي نصيب الإسرائيلي بالجلوس على منصة الرئاسة مرة في اليوم أو في اليومين. وكان العُرف، وليس القانون، الساري آنذاك ألّا يترأس المندوب الإسرائيلي أي جلسة عندما يأخذ الكلمة أحد المندوبين العرب كي يتحاشى أحدهما أو كلاهما الحرج. لكن ذلك الانتخاب اعتبر بالنسبة لإسرائيل إنجازا عظيما، لأن فيه كسرا للمحرمات. وتمادى كوفي عنان، الأمين العام آنذاك، وبالغ بالترحيب بإسرائيل في افتتاح الدورة قائلا: "إن أنصار إسرائيل يشعرون بأن إسرائيل تعامل بخشونة وتطبق عليها معايير لا تطبق على خصومها. وفي غالب الأحيان أن هذا القول صحيح، خاصة فيما يتعلق بأجهزة الأمم المتحدة".
تابعت إسرائيل مجهوداتها بدعم من دول المجموعة بالتسلل إلى اللجان المهمة والمقصودة في ذاتها. فقد انتخبت إسرائيل في 18 يونيوعام 2014 نائبا لرئيس اللجنة الرابعة، أو اللجنة السياسية الخاصة بتصفية الاستعمار بغالبية 74 صوتا، والمكلفة بمراجعة موضوع احتلال إسرائيل للأراضي العربية ومسألة اللاجئين الفلسطينيين وميزانية وكالة الأونروا، بالإضافة إلى مسائل تصفية الاستعمار، علما بأن إسرائيل هي آخر استعمار استيطاني احلالي إجلائي في العالم. فكيف من يمارس الاستعمار يتكفل بمسألة تتعلق بتصفية الاستعمار. وإن دل هذا على شيء فانما يفضح نفاق القارة الأوروبية، التي تدعي أنها النموذج الأعلى لاحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، إلا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فلا غضاضة بأن يسمح لها أن تكون دولة فوق القانون الدولي.
ثم تقدمت إسرائيل خطوة إلى الأمام عندما انتخبت بتاريخ 29 أكتوبر 2015 بـ117 صوتا إيجابيا من بينها مصر لضم إسرائيل للعضوية الكاملة في لجنة الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي ومقرها فيينا. وقد صوتت دولة واحدة ضد هذه العضوية وهي ناميبيا، بينما صوتت 21 دولة بـ "امتناع" من بينها قطر والجزائر والكويت وموريتانيا وسوريا وتونس والمغرب والسعودية واليمن، وتغيبت دول عربية أخرى عن الجلسة مثل الأردن وليبيا ولبنان. وقد وضعت إسرائيل ضمن مجمـــــوعة خمــــس دول هي عمان وقطر والإمارات والسلفادور وسريلانكا والتصويت على المجموعة مرة واحدة ظنا منها أن العرب سيصوتون لصالحها.
وأخيرا تم انتخاب إسرائيل بالاقتراع السري يوم الاثنين 13 يونيو لرئاسة أهم لجان الجمعية العامة وهي اللجنة القانونية. وقد حصل المندوب الدائم لإسرائيل، داني دانون، على 109 من مجموع 177 دولة شاركت في الاقتراع. وقد امتنع عن التصويت 23 دولة ووجدت 14 ورقة غير قانونية وتم حذفها وتوزعت بقية أصوات المعترضين على دول لم ترشح نفسها، مثل السويد وإيطاليا وغيرها أصلا كي تمنع هذه الأصوات عن إسرائيل. لكن التكتيك العربي والإسلامي، فشل في تعطيل الترشيح ففاز بالموقع المهم المندوب الإسرائيلي الذي اعتبره مكافأة على التزام "إسرائيل بالقانون الدولي ومكافحة الإرهاب".
ولعل وصول إسرائيل لرئاسة اللجنة القانونية والمعنية بمتابعة تنفيذ الاتفاقيات الدولية والبت في مسائل القانون الدولي، الخطوة ما قبل الأخيرة لعضوية مجلس الأمن.

إسرائيل والقانون الدولي

لا يوجد بند في القانون الدولي الآن إلا وهناك أسئلة حول مدى التزام إسرائيل به. فمن قانون حقوق الطفل إلى قانون البحار، ومن قرار تصفية الاستعمار إلى منع التمييز، ومن اتفاقية جنيف الرابعة إلى اتفاقية منع التمييز ضد المرأة، ومن عدم جواز احتلال أرض الغير بالقوة، إلى عدم شرعية بناء المستوطنات أو لاشرعية بناء الجدار العازل أو تغيير معالم القدس أو ضم الجولان أو الاعتقال التعسفي والاستخدام المفرط للقوة والقتل خارج نطاق القانون، واعتقال الاطفال وتعذيبهم، إلى عدم الانصياع المتواصل لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بما في ذلك قبول عضويتها المشروطة بتنفيذ قراري 181 (التقسيم) و 194 (حق العودة). ويجب ألا ننسى أنها دولة من بين أربع دول في العالم لم توقع تفاقية عدم الانتشار النووي.
أضف إلى ذلك أن إسرائيل لم تتعاون مع أي لجنة من لجان التحقيق أو تقصي الحقائق فيما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية، سواء ما يتعلق بالانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان أو التحقيق في الحروب والمذابح. فرفضت استقبال لجنة مارتي إحتساري عام 2002 للتحقيق في مذبحة مخيم جنين، ولم تسمح للجنة ديزموند توتو بالتحقيق في استهداف المدنيين في بيت حانون عام 2006، ولم تتعاون مع لجنة غولدستون للتحقيق في حرب 2008/2009 ولم تتعاون مع لجنة وليم شاباس المكلفة بالتحقيق في مجازر حرب 2014 وبقيت تتهمه بالتحيز إلى الجانب الفلسطيني إلى أن أجبرته على الاستقالة في 2 فبراير 2015. كما استقال مكارم وبيسونو، رئيس لجنة التحقيق في انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراض المحتلة ، يوم 4 يناير 2016 احتجاجا على عدم السماح له بدخول الأراضي المحتلة.
وفي الختام منذ أن اغتالت العصابات الصهيونية الكونت برنادوت بتاريخ 17 سبتمبر 1948 وإلى تاريخ كتابة هذا المقال وإسرائيل تنتهك القانون والأعراف والقرارات والمعاهدات الدولية ومع هذا تكافأ. وقد كوفئت في الأشهر الأخيرة ثلاث مرات:
- كوفئت عندما أقامت معرضا فنيا يوم 19 مايو وسمح لها أن تعلق ملصقات تعتبر القدس التي ظهرت وقبة الصخرة في وسطها عاصمة إسرائيل الأبدية.
- وكوفئت عندما استخدمت قاعة الجمعية العامة يوم 31 مايو لتدريب 1500 طالب من مناصري إسرائيل للتصدي لبرنامج المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات (بي دي إس).
- وكوفئت عندما انتخبت نيابة عن أوروبا لرئاسة اللجنة القانونية.
فماذا بقي أمام إسرائيل إلا مجلس الأمن؟
وللعلم فقد تقدم المندوب الإسرائيلي دان غيلرمان عام 2005 بطلب لدى مجموعة "دول أوروبا الغربية ودول أخرى" بطلب ترشيح إسرائيل لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة. وقيل له يومها إن المقاعد المخصصة للمجموعة محجوزة لغاية 2018 ولا تستطيع المجموعة أن تنكث العهود مع الدول المصنفة، وتقول لهم تنازلوا عن مقعدكم من أجل إسرائيل. أما عندما يقترب ذلك العام فلكل حادث حديث. أحببت في النهاية أن أنبه الشعوب العربية والشعب الفلسطيني خاصة، وليس الحكام الذين ينسجون أقوى العلاقات مع إسرائيل "كما هي" ويصوتون لها في السر، كي يتنبهوا لما هو مقبل فهل سيستبينون الرشد قبل حلول "ضحى الغد؟"

د. عبد الحميد صيام

٭ محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز