الاستغوال أبشع مراحل الامبريالية (12)

بقلم: عدنان الصباح

في عام 1999م وصف حلف الناتو استرتيجيته الجديدة بأنها " تامين الوصول إلى المصادر على الصعيد العالمي " ويبدو أسلوب وطريقة التامين واضحة من خلال الجهة المعلنة عن ذلك فلم يأت الإعلان من جهة اقتصادية أو سياسية بل من الجهة الأكثر عسكرة بيد الدول الصناعية الغربية الكبرى أو وبشكل أدق من الذراع الضارب بيدهم.

للهدف المذكور سعت الولايات المتحدة وحلفائها منذ أمد طويل إلى خلق حالة من الصراع الخفي في المنطقة فهي دفعت بكل ما أوتيت من قوة إلى الحرب العراقية الإيرانية وصمتت أو أيدت الحلف بين العراق والدول الأكثر رجعية في المنطقة تحت شعار أن العراق يدافع عنهم من الخطر الفارسي ثم أدارت اللعبة بطريقة قذرة بحيث أصبح النظام العراقي هو الخطر بعد الحرب على الكويت وبذا صاغت تحالفا جديدا من نفس دول الحلف مع العراق ضد إيران بهدف إلغاء الخطر القادم من العراق عليهم وبذلك ضمنت تحقيق أهداف عدة ومنها
رفع حجم مبيعات السلاح للدول العربية والغنية منها تحديدا
ضمان السيطرة على كل مقدرات الكويت النفطية والمالية
ضمنت مشاركة الجميع لها في هدفها السيطرة المطلقة على كنوز العراق من النفط وغيره.
اعتبار احتلال العراق نقطة الانطلاق للقفز على سائر البلدان هناك لضمان السيطرة على كامل منطقة الثروة النفطية وسائر الثروات في الوطن العربي.
ويظل السؤال لماذا كان اختيار العراق أولا من بين سائر دول المنطقة ويصبح السؤال مجابا عند الإدراك أن باقي الدول العربية الرئيسية إنتاجا للنفط تعتبر إما بلدان ضعيفة أو مرتبطة جذريا في الولايات المتحدة ومشاريعها أو فاسدة متآمرة مع مصالح أمريكا في المنطقة لضمان استمرار المساعدات الأمريكية لها ولحكامها مقابل تنفيذ الأجندة الأمريكية في المنطقة والسبب الأخطر أن العراق هي الدولة الأقوى والاغني فقد اعتبرت العراق واحدة من أول 10 دول الأغنى بالموارد الطبيعية عالميا وحسب الخبير في الثروات الطبيعية الجيولوجي أسامة المالكي في حديث له لموقع دنانير الالكتروني المنشور هناك بتاريخ 15/7/2012 " ليس غريب أن دولة تحتوي في أراضيها 11% من الاحتياطي العالمي للنفط و 9% من الفوسفات أن تكون ضمن اكبر 10 دول في الموارد الطبيعية " وأضاف انه يوجد في العراق " 3000 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي تقريبا وكميات كبيرة من الزئبق الأحمر والكبريت والحديد " وبالتالي فانه لو قدر للعراق أن ينجو من المخططات الامبريالية لكان بالضرورة واحدا من أهم الدول الصناعية المتقدمة في العالم ولكن نجاح الولايات المتحدة في احتلاله حول أيضا واقع الثروة إلى واقع للنقمة على هذا البلد الغني جدا فحال العراق بعد الاحتلال عام 2003 يمكن تلخيصه بما يلي
انهيار سعر الصرف غير الرسمي للدينار العراقي بشكل غير مسبوق من 0.3109 دينار مقابل الدولار الأمريكي الواحد عام 1990 إلى 2000 دينار في يناير 2003.
ارتفاع معدلات البطالة إلى 70%، وتدهور معدل دخل الفرد السنوي الحقيقي من 4219 دولاراً عام 1979 إلى 1200 دولار في مارس 2003، وارتفاع معدل الفقر إلى 80% فضلاً عن تردي الحالة الصحية للشعب العراقي.
رغم أن العراق كان قد أعلن في العام 1997م عن خلو العراق من الأمية إلا أن نسبة الأمية وصلت في العراق هذه الأيام إلى أكثر من 20%.
عمدت الولايات المتحدة بعد احتلالها للعراق إلى تدميره كليا ونهب خيراته وثوراته بما في ذلك السرقة المباشرة فقد سرقت كل مكونات المفاعلات النووية هناك وكل أسلحة وذخائر ومعدات الجيش العراقي المحلول وسعت إلى السيطرة على باقي مكونات اقتصاد العراق واتخذت العديد من الإجراءات التي لا يمكن وصفها سوى بالسرقة العلنية ومن هذه الإجراءات:
منحت وزارة الدفاع الأمريكية لشركة هاليبرتون عقداً سرياً بقيمة بليون دولار، بهدف السيطرة علي حقول النفط العراقية وإصلاحها وترميمها وتشغيلها, ومن المهم جدا معرفة أن رئيس مجلس إدارتها هو “ديك تشيني” نائب الرئيس الأمريكي آنذاك.
تم منح شركة بيكتل عقد من الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية لإعادة البناء والبنى التحتية وإنشاء محطات كهرباء ومياه وطرق، وقد وصل العقد من 680 مليون دولار إلى 100 مليون دولار وهو اكبر عقد في إعادة إعمار العراق. وقد كان مديرها في حينه هو “جورج شولتز” والذي شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد الرئيس ريغان.
منحت الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية معهد تراينجل للأبحاث عقداً بقيمة 7.9 مليون دولار وصل إلى 167.9 مليون دولار بعد عام واحد، ويشمل تقوية المهارات الإدارية والخدمات البلدية من ماء وصحة ونظافة عامة، وتؤكد رئيسة المعهد “فيكتوريا فرانشيتي هافيز” أنه وسيلة للترويج لمصالح الشركات، وهدفه بناء حكومة ديمقراطية قوية من أبناء البلد، ودعم أشخاص موالين لواشنطن مما سيجعل السياسة العراقية أكثر تعاملاً مع المصالح الأمريكية. ويدعم المعهد الخصخصة، وجعل المصالح الحكومية بيد الشركات، ووصل الامر بهذا المعهد أن حصل على عقد من الوكالة الأمريكية لإصلاح النظام التربوي ووضع خطط لإعادة كتابة الكتب المدرسية العراقية لجعلها أكثر موالاة للولايات المتحدة.
يقول الخبير الاقتصادي سلام عادل لموقع العربي الجديد “أن عدد مشاريع إعمار العراق بلغ أكثر من عشرة آلاف مشروع بقيمة تجاوزت 300 مليار دولار، لكن نسبة إنجاز المشاريع بلغت 5% وهي نسبة تدل بشكل واضح على حجم الفساد في الدولة العراقية. وأشار إلى أن “نحو 9500 مشروع لم ينفذ بالرغم من صرف الدولة الأموال لإنجازها”
خصصت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في العراق عقدا بأكثر من 200 مليون دولار لشركة بيرينغ-بوينت، منذ عام 2003، للمساعدة في تطوير «القطاع الخاص المنافس»، وصاغت شركة بيرينغ-بوينت بنفسها هذا العقد لصالح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية, وينص هذا العقد على تنظيم تخصيص عائدات النفط للمؤسسات الأميركية المكلفة بإعادة إعمار العراق مثل شركة هاليبورتون، وذلك تحت إشراف مؤسسة خاصة أخرى هي سلطة التحالف المؤقتة, علما بأنه تم إنفاق أول عشرة مليارات دولار من رأس مال عائدات النفط العراقية في عقود إعادة الإعمار، واختفت أربعة مليارات أخرى بطريقة غامضة.
- الشركة البريطانية "بريتش بتروليوم" حصلت على عقد في حقل الرميلة, وحصلت شركة "شِل" البريطانية على عقد في حقل آخر. و شركة "موبيل" الأميركية الكبيرة على حقل وفي الجولة الأولى للتراخيص زجت الحكومة بستة من أضخم الحقول النفطية العراقية باحتياطي نفطي مقدرا بـ 43 مليار برميل، ومن بين الشركات العديدة التي شاركت في الجولة الأولى للتنافس فاز ائتلافان فقط بعقود استثمار. العقد الأول أبرم مع ائتلاف ضم شركة "شِل" البريطانية / الهولندية وشركة "بتروناس" لتطوير حقل مجنون العملاق في جنوب العراق الذي تصفه التقارير بأنه أحد أكبر الحقول في العالم، ورجح مخزونه بأكثر من 12.7 مليار برميل من النفط. ويبلغ إنتاجه الحالي بحدود (46) ألف برميل يوميا. وما هو مستغرب إن هذا الحقل مكتشف منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، وقد بُدئ بتطويره منذ ذلك الحين، وقد عاودت الشركات النفطية العراقية نشاطها لاستثمار مخزونه النفطي في السنوات الأخيرة, فلماذا يسلم حقل من هذا النوع وهذا الحجم للشركات الغربية ولا يبقى خالصا للعراق ولمصلحة من يجري تهريبه علنا للشركات الغربية المحتلة للبلاد عنوة, ثم لماذا لم تلجأ شركة نفط العراق لعمل عقود فنية فقط مع هذه الشركات العملاقة بدل تسليم ثروات البلاد لها رخيصة وسهلة.
كل هذه الخيرات والثروات التي ينعم بها العراق بلد الخير تحولت إلى أداة لتدمير هذا الشعب عبر سرقة قوته اليومي لتأمين سرقة ثرواته وخيرات بلده ففي العراق اليوم تصل نسبة الفقر إلى اقل من 40% بقليل وقد نقل موقع القشلة الالكتروني عن مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي عادل خميس قوله أن " “أسباب جديدة أسهمت في زيادة الفقر ومنها العمليات العسكرية في بعض المحافظات التي دفعت بأهل تلك المناطق إلى النزوح لمناطق أخرى بحثاً عن الأمان ما جعلهم مستهلكين غير منتجين، وبعدد إجمالي يبلغ ثلاثة ملايين نازح ومن جميع شرائح المجتمع ″. ويتابع قائلا “أغلب الأراضي الزراعية في الأنبار وصلاح الدين وأجزاء من الموصل تركت بدون زراعة ولم يستفد منها، علماً أنها أراضٍ خصبة جداً مما دفع العراق إلى زيادة الاستيراد للفواكه والخضر وأشياء أساسية أخرى كانت تنتج في معامل ومصانع العراق وبهذا زادت نسبة العاطلين من العمل بصورة كبيرة”. ويؤكد خميس أن “من عوامل الفقر الجديدة تدني أسعار النفط العراقي إلى أدنى المستويات مما أثر بصورة مباشرة على الاقتصاد العراقي، إضافة إلى الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة ومنها انتشار الرشوة والمحسوبية التي حرمت الكثير من شرائح المجتمع في الحصول على وظيفة أو عمل حكومي ويتم الحصول على وظيفة بدفع رشوة أو الانضمام إلى أحزاب معينة تحمل الصبغة الطائفية وتكون مفضلة على الطوائف الأخرى”
وببساطة فان شعار حرية وديمقراطية العراق الذي جاءت أميركا تحت رايته لاحتلال العراق تحول إلى فعل متسارع لإفقار العراق وأهله وتحويله إلى قاعدة تدمير وبؤرة فوضى شاملة طالت كل المنطقة فيما بعد

 

بقلم
عدنان الصباح