تركيا ومصالحها... والشكر لها !!

بقلم: وفيق زنداح

من المحتمل أن يتم اليوم التوقيع على الاتفاق التركي الاسرائيلي والذي يقضي بعودة العلاقات الطبيعية والسابقة على حادثة مرمرة ....والتي كانت تأخذ طابعا مميزا واستراتيجيا من الناحية الامنية العسكرية ....كما كافة النواحي السياسية الاقتصادية والسياحية .

تركيا ومنذ اعترافها بدولة الكيان منذ العام 49 تعتبر من الدول الصديقة والحليفة .....ولم يكن بإمكان تركيا وعبر زعماتها المتتالية أن تقنعنا نحن العرب أن أولوية فلسطين وقضايا العرب تتقدم أولويات السياسة التركية ....بل المؤكد والثابت عبر السياسة الخارجية التركية وكما المعتاد انحيازها لمصالحها ....كما ارتباطها بحلف الناتو واستمرار سعيها بأن تكون داخل خارطة الاتحاد الاوروبي وتكتله السياسي الاقتصادي وحتي العسكري .

الاتفاقية بين تركيا واسرائيل وبعيدا عن الشعارات والضوضاء ومحاولة بيعنا الوهم بأن هناك من سيعمل على فك حصارنا ....وبعيدا عن كافة تفاصيل وبنود هذه الاتفاقية الثنائية التي قاربت ما بين المصالح .....وأنتجت أرضية سياسية وأمنية واقتصادية تخدم البلدين وتنهي حالة التوتر المصنع ....كما حالة الاعلام المناكف .

نحن بحكم تجربتنا وقضية شعبنا ...ومسيرة نضالنا الطويل لا نشتري أي بضائع ليس لها قيمة ....ولا يشدنا ولا يغرر بنا ......من يحاول اغاثتنا أو اسعافنا أو التخفيف عنا من خلال اتفاقيات ثنائية تخدم مصالح بلدين على علاقة استراتيجية ....ومصالح متواصلة منذ عقود ......وما يطرح حول مشاريع سيتم تشييدها مستقبلا وفق تعاون دولي وبموافقة أمنية اسرائيلية يعتبر من الحلول الترقيعية والاغاثية ....الانسانية التي يمكن أن تمرر بهذا الاطار وليس بأي اطار سياسي .

مشروع بناء مستشفي ....محطة كهرباء ...أو تحلية مياه ....مشاريع دولية كثر الحديث عنها كما أنها كانت من ضمن المشاريع المنوي اقامتها منذ سنوات ....ولم يكن هناك من جديد في ظل احتياجاتنا المستمرة والمتواصلة .....وفي واقع بنيتنا التحتية التي أصابها الدمار والعطب وفي واقع حصار اسرائيلي لازال يشتد بشروطه ومفرداته واجراءاته .

وبالتالي فالمشاريع ليست بالشيء المستحدث والجديد.....ولكن ان يطرح في بنود اتفاق ثنائي ما بين دولتين لا علاقة لفلسطين بما يتم الاتفاق عليه بينهما ....وبالتالي محاولة الزج بقطاع غزة في الاتفاق التركي الاسرائيلي تأتي في اطار تأكيد الانقسام واستغلاله واستثماره بما يحقق لإسرائيل مصالحها ....وبما يحقق لتركيا طموحها وانفتاحها على المنطقة .

حتي أن ادخال البضائع التركية عبر المؤاني الاسرائيلية بغطاء أمني اسرائيلي ليس بالأمر الجديد والمستغرب ....فالبضائع التركية تملأ أسواق القطاع من خلال الشراء المباشر .....والاستيراد المباشر عبر المؤاني الاسرائيلية وما يعود بالفائدة الاقتصادية على الاقتصاد التركي.

الاتفاق بمجمله وتفاصيله يخدم المصالح التركية والاسرائيلية على مستوي اعادة السفراء وتبادل الزيارات والاهم اعادة وتطوير التعاون الاستخباري بين البلدين .

الساحة التركية لم ولن تكون ساحة معادية للكيان الاسرائيلي باعتبار أن تركيا بتوجهاتها السياسية والامنية والعسكرية وحتي الاقتصادية تتبع دول الغرب بما فيهم اسرائيل.... وبالتالي فان تركيا المفتوحة على السياحة العالمية ليس من مصلحتها الا أن تؤكد أنها حليفة الناتو كما أنها حليفة اسرائيل..... كما أنها حليفة الولايات المتحدة الامريكية ....خاصة وما جري من توتر في العلاقات التركية الروسية ما يؤكد حقيقة المواقف التركية وتحالفاتها .

حاولت تركيا أن توهمنا ....وأن تدخل القناعة لفكرنا ....أنها دولة لن تعيد علاقاتها مع دولة الكيان الا اذا تم فك الحصار عن قطاع غزة .....وهي محاولة تركية حزبية وعاطفية تخدم مصالح الحزب الحاكم خاصة ازاء من قتلوا في حادثة مرمرة ....ولم تكن محاولة جادة وملزمة للساسة الاتراك الذين يتفهمون حدود سياستهم .....كما يدركون حدود السياسة الاسرائيلية ومساحة القبول والرفض .....كما يدركون أن قطاع غزة ليس جزء منعزل .....ولكنه جزء اصيل من السلطة الوطنية الفلسطينية.....وأنه محكوم باتفاقية سياسية وبغطاء وبولاية قانونية وسياسية للسلطة الوطنية .....ولا يتم أي مشروع الا بموافقة السلطة الوطنية وبما يتم الاتفاق عليه مع الجانب الاسرائيلي المتحكم والمحاصر والذي لا زال يمارس احتلاله على كافة الاراضي الفلسطينية ....وأن المحاولة التركية الاسرائيلية من خلال هذا الاتفاق الثنائي ما بين البلدين محاولة اغاثية .....كما انها محاولة لشرعنه الانقسام وتأكيده.... كما تأكيد عزل غزة عن اجزاء الوطن الفلسطيني وهذا ما لا يقبله كافة الفلسطينيين المؤمنين بقضيتهم ....ومشروعهم الوطني التحرري.

تركيا واسرائيل وان أرادوا المساعدة على انهاء الحصار ....فالأبواب مفتوحة ....وبإمكان القادة الاتراك ....كما القادة الاسرائيليين أن يتحدثوا مع السلطة الوطنية بما يحقق وحدة الأرض ...والقرار وبما يعزز من صمود شعبنا وحتي نيل استقلاله الوطني .

حاولت تركيا أن تبيعنا الوهم بانها تساعدنا .....وتقف الي جانبنا ....وان تربط مصالحها بمصالحنا ...وأنها لن تتركنا وحدنا ...كلام في كلام ....ويأتي في اطار الشعاراتية ....وليس على أرضية الحقائق السياسية ...وما يحكم العلاقات التركية الاسرائيلية من مصالح تفوق بكثير .... مصالح تركيا مع العالم العربي وحتي مع العالم الاسلامي .

العلاقات الدولية علاقات مصالح....وليس فيها من العواطف والشعارات .....ولا تحكمها الأديان ولا حتي الأحزاب ....فكل ما يجري من اتفاقيات يخدم المصالح الاستراتيجية للدول ....ولا يلتفت الي مصالح الاخرين الا من باب الدعاية الانتخابية ....أو محاولة ارضاء جمهور محدد ....بشعارات تدغدغ عواطفهم ....وترضي ما بأنفسهم من أحلام وأوهام ....عاشوا وما زالوا يعيشون عليها .

أخطر ما في هذه الاتفاقية اضافة للتعاون الاستخباري ما بين البلدين هو مد خط أنابيب الغاز الاسرائيلي من البحر المتوسط ....الي تركيا ....ومن ثم الي دول الاتحاد الاوروبي ....وربما يكون في هذا الامر ما هو اخطر ...ويهدد مخزون الغاز الطبيعي المملوك لفلسطين والذي يأتي في اطار المياه الاقليمية الفلسطينية وهذا ما يحتاج الي متابعة وبحث فلسطيني لمعرفة ابعاد هذا البند من هذا الاتفاق .

لتركيا الحق في ابرام اتفاقياتها مع من تريد بما فيها دولة الكيان .....ولكن ليس من حق تركيا أن تتدخل بشؤننا الداخلية الا بالقدر الذي يطلب منها رسميا .

لقد كانت تجربة تركيا مع المنطقة العربية تجربة قاسية ومريرة ....ولا زالت هذه الدولة تؤكد العداء لسوريا الشقيقة ....كما للعراق الشقيق ...كما لا زالت تحاول أن تضع أنفها بالاوضاع المصرية ......وبالتالي فان من يفتح حدوده لقوي الارهاب في سوريا والعراق وغيرها من المناطق العربية ...انما يؤكد انه ليس صديقا ...ولا يمكن أن يكون جارا معتدلا بمواقفه .....بل ستبقي تركيا منحازة بمصالحها .....والتي ترتبط استراتيجيا بالاتحاد الاوروبي ....وحلف الناتو .....والولايات المتحدة وحتي تحالفها ومصالحها المتعددة ....مع دولة الكيان.

بقلم/ وفيق زنداح