عادت المياه إلى مجاريها بين تركيا وإسرائيل، واستؤنفت العلاقات الطبيعية بين الطرفين، لتعيد ودا كاد أن ينقطع بين الأصدقاء، فما أن رفع نتنياهو الهاتف معتذرا عن سقوط ضحايا مرمرة لأردوغان عام 2013، حتى عادت الدماء لتسري في شريان العلاقة من جديد، فكما قال " نامق طان " سفير تركيا لدى واشنطن في حينه " الأصدقاء الحقيقيين فقط هم الذين يعتذرون بعضهم لبعض"، قاطعا الطريق على جميع الواشين المتربصين، والمنتظرين لأي فرصة لانقطاع جسور الصداقة التي تمتد لما يقارب السبعة عقود بين الطرفين.
يحق للشارع الفلسطيني أن يعقب على المصالحة التركية الإسرائيلية أكثر من غيره، ويسمح للإعلام الفلسطيني تغطية الحدث بشكل يختلف عن كل العالم، إذ أن كون طرفي الحدث هما تركيا واسرائيل يجعل منه حدثا فلسطينيا بامتياز، فطالما عوّل الفلسطيني البسيط على الموقف التركي لرفع الحصار عن قطاع غزة، فيما جندت حركة حماس إعلامها لتصوير ارودغان الذي علقت صوره في ميادين غزة الرئيسية إلى جانب الرئيس المخلوع محمد مرسي،بالقائد الملهم، والرئيس الفذ، الذي يستحق أن توسد له القيادة للأخذ بخطام الأمة، فيما تخيل لنا في الجناح الآخر من الوطن، بان تركيا هي الحليف الوثيق في معركتنا الدولية، في ميدان إدانة المحتل، إذ غذى هذا الأمل الجمعي، ولا سيما في قطاع غزة، تصريحات اردوغان، واوغلو، وغيرهم من قادة حزب العدالة والتنمية، التي ما فتأت تؤكد على أن رفع الحصار عن قطاع غزة، هو أحد الثوابت التركية قبل إعادة تطبيع العلاقة مع اسرائيل.
انتصرت رائحة الغاز والنفط على رائحة الدم والوجع، وتقدمت لغة المصالح على المبادئ والقيم الإنسانية، وقرر طرفي الخلاف الاحتكام لمنطق المصالح المشتركة، إذ أن مزايا الاتفاق لكلا الطرفين واضحة جلية في مختلف المجالات الاقتصادية، والعسكرية، والسياحية، والأمنية، وهو الأمر الذي لا يحق لنا فلسطينيا أن ننتقده بأي شكل من الأشكال، إذ أن الدول عبيد لمصالحها، وتاريخ العلاقة بين حكومات حزب العدالة والتنمية وإسرائيل، يمهد لعودة العلاقة وفق الاتفاق المبرم، فتركيا تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي منحت رئيس اسرائيل" شمعون بيريس " كلمة في برلمانها عام 2007، كما أن تشابك المصالح الأمنية والاقتصادية، وتعقيدات العلاقات التركية في ظل الأزمة السورية، وإرهاصاتها، تجعل من خبر الاتفاق وبنوده غير مفاجئ إلا للسذج والبسطاء، ممن صدقوا أن رفع شعار ديني، يكفي لمنح حامله نقاء واستثناءا وقدسية، كما حاولت العديد من وسائل الإعلام تصوير الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، مهندس الاتفاق، ومشرعه.
للأسف، لا زالت حركة حماس، وغيرها من القوى الاسلاموية، مصرة على تجميل الاتفاق، وتضخميه للحفاظ على ماء وجهها، من خلال خلق الذرائع والتبريرات من باب أن تركيا حاولت، وفعلت كل ما تستطيع لرفع الحصار عن قطاع غزة،، إلا أنها لم تنجح، وشيطنة أي صوت يشير إلى أن حزب العدالة والتنمية، هو الذي استغل أحوال المواطنين في قطاع غزة، للتأثير على عواطف الناخبين البسطاء في تركيا، للاستئثار بالسلطة وتحقيق انتصارات حزبية، أو إسقاط قواعد عامة على الاتفاق من قبيل " ما لا يدرك جله لا يترك كله "، فيما تصر أطراف أخرى على تقزيمه من خلال تجاهل ما سيوفره من مزايا لطرفيه، وما سيخلقه من واقع إقليمي جديد، بينما الواقع أن الخاسر الأكبر هو تعويلنا الساذج على تركيا أو غيرها من الدول لانتشالنا من عثراتنا، ورهاننا الخاسر على أن حكومة ما قد تقرر الانتصار لحقوقنا على حساب مصالحها، لكونها ترفع شعار الدين، بينما أن الاتفاق قد يشكل قاعدة هامة لإعادة ترميم العلاقة مع حلفاءنا في اليونان، وقبرص، والبدء الفوري بحوار وطني جاد، يجمع الكل الفلسطيني، ويخرج ببرنامج وطني متفق عليه، وإستراتيجية وطنية موحدة.
بقلم: رائد محمد الدبعي