إستدعاء العقل لتوطين النقل

بقلم: عدنان الصباح

حين يعبث السفهاء في بئر ماءك الوحيد فأنت هالك لا محالة, وهذا هو حال المسلمين والعرب منهم تحديدا فالأمر والحمد لله لم يطل من هم من غير العرب لا من قريب ولا من بعيد وهذا ينقلنا للبحث الجدي عن أسباب الظاهرة والى أين تعود جذور هذه الكارثة التي تستفحل أكثر فأكثر, فالتطرف الديني غائب لدى المسلمين من غير العرب وان وجد البعض منهم على هذه الحالة فهو يصدر تطرفه إلى البلاد العربية أو يستقدمه منها كحركة بوكو حرام في نيجيريا وبعض دول إفريقيا ومن المعروف الأهمية الإستراتيجية لنيجيريا بالنسبة للولايات المتحدة في أفريقيا كونها أكثر الدول الإفريقية إنتاجا للنفط وحيث يجوز القول هناك أن الجنوب المسيحي الغني بالنفط والشمال الإسلامي الفقير وهو ما أعطى الولايات المتحدة والسعودية فرصة لاستثمار ما يعانيه المسلمين هناك كأداة لتسهيل السيطرة الأمريكية على الثروة النفطية النيجيرية تساعدها في ذلك السعودية بمالها وأفكارها الوهابية وكأن الأمر على ما يبدو لا يمكنه العيش إلا في حاضنته العربية, إذا استثنينا أفغانستان والتي لها ظروفها الخاصة بدءا من تجارة الأفيون الذي يشكل ثلث اقتصاد البلاد ويعتبر أداة تمويل طالبان الرئيسية وكذا فان الأفيون هو العملة التي تحتاجها الشركات المحتكرة لصناعة الأدوية في العالم إلى جانب أهمية موقعها الاستراتيجي ونيجيريا والتي لها ظروفها الخاصة نجد أن حالات التطرف تنمو وتترعرع في البلدان العربية على وجه الخصوص.

ترى أين تكمن المشكلة إذن ومن أين جاءت هذه الخصوصية اللعينة التي أقعدتنا عن أي فعل أو تميز سوى التطرف والذي بات سمة من سماتنا لدى سائر بقاع الأرض رغم قناعتي المطلقة أن صناع التطرف في بلادنا هم القوى الاستعمارية والاحتلال الصهيوني إلا أن الأمر لا يمكن أن يأتي من الفراغ فمن أين تمكنوا من الإمساك بنا والتحكم بخط سيرنا وصياغة صيرورتنا هذه في أذهان العالم وأذهاننا نحن إلى حد بعيد.
تاريخيا ظل التناقض قائم بين الأغنياء والفقراء وظل الأغنياء هم الأقدر على تشويه صورة الفقراء وما ينتجون فكرا أو سلعا حتى ولعل الأديان جميعها جاءت في هذا السياق وخصوصا الأديان السماوية بحيث لا يجوز لنا قراءة تاريخ الدين اليهودي بدون قراءة الواقع الذي عاشه موسى عليه السلام ضد جبروت وظلم الفراعنة في حين أن أتباعه اليوم أو المدعين بذلك يستخدمون اسمه وتعاليمه والتوراة ككتاب مقدس كمرجعية معتمدة لقتل امة بحالها والتخلص منها ويصل التصور لدى البعض منهم باعتبار أمتهم أي بني إسرائيل الأمة الأسمى والأرقى في بين سائر الأمم وعلى جميع الأمم أن تكون في خدمتها وبذا يبدو جليا كيف انتقلت التعاليم الثورية العظيمة التي صاغت الثورة ضد طغيان الفراعنة إلى أدوات للسيطرة وظلم أمم وشعوب أخرى كما هو الحال مع الشعب الفلسطيني وبالتالي فان الانتقال بالنص من استخدام لآخر وتسخير النص لخدمة أغراض أصحاب السلطة هو الذي ميز أداء ورثة موسى عليه السلام, وهم لذلك لم يتقبلوا ظهور المسيح ولا تعاليمه ولم يؤمنوا بكتابه المقدس الإنجيل وفي حين جاءت المسيحية ضد ظلم الإمبراطورية الرومانية وجبروتها وضد فسق اليهود ومملكتهم وخروجهم عن التعاليم السمحة لليهودية الرافضة لظلم فرعون وكل ظلم إلا أنهم ودفاعا عن امتيازاتهم وسطوتهم وقفوا بكل قوة ضد تعاليم المسيحية حتى التآمر لقتل يسوع عليه السلام وقد شكلت اليهودية أيضا وكان منها الفريسيون أو المنفصلون وهم الذين وشوا بالمسيح عليه السلام وظهرت أيضا فرقة الصدوقيون وهم الذين قالوا بشيئية الله سبحانه, والسامريون وهم يعتقدون بأنهم الأنقى من بين اليهود وأنهم اليهود الحقيقيون ويختلفون عن اليهود حتى بالقبلة التي يؤمنون أنها في نابلس وليس القدس وكذا ظهرت فرق من أمثال القراؤون والاسينيون ثم ظهرت فرق مثل الاصلاحيون والارتذوكس والمحافظون وجميعها فرق يهودية متناحرة كل يفسر التوراة على هواه ويدعي انه الأكثر استقامة وصحة, أما في المسيحية فان نفس هؤلاء الذين من المفترض أنهم حملوا رايات السلم والعدل والخلق الحسن من المسيحية لم يعدموا الوسيلة فيما بعد لتحويل نفس التعاليم إلى أدوات ظلم وموت ضد الأمم والأديان الأخرى بما فيها الدين الإسلامي الذي جاء مؤكدا ومؤمنا بتعاليم اليهودية والمسيحية واشترط الإيمان بالله وكتبه ورسله بما في ذلك التوراة والإنجيل كشرط للإسلام والإيمان به, ولم تقف المسيحية عند تعاليم المسيح بل سارعت أيضا إلى الانشقاق والتمزق وتشكيل الفرق إلى بروتستانت وكاثوليك وارتذوكس وشرقيين وغربيين وفرق كثيرة ومتنوعة كالسريان والمارونيين والأقباط وإذا فصلنا البروتستانت على سبيل المثال نجد أنها منقسمة إلى الحركة الخمسينية والكنيسة المعمدانية وجمعية الأصدقاء الدينية والكنائس الإنجيلية والانجليكانية والكالفينية والميثودية واللوثرية والادفنتست وآخرين وهذا يبين أن القدرة على تحريف النصوص وتغيير استخداماتها والقدرة على خلق تفسيرات متباينة لنفس النص قائمة في كل العصور والأديان والفلسفات فلا يوجد دين أو فلسفة ظلت على ما هي بعد غياب الداعي الأول لها وكذا أيضا حصل حتى مع أديان غير سماوية مثل البوذية التي انقسمت إلى فرق وطوائف مختلفة منها ( المهايانا , الهينايانا , الفيجريانا ) والبوذية فلسفة إنسانية بحتة جاء بها أمير من أمراء الهند حولها أصحابها إلى دين وحولوا بوذا بعد وفاته إلى اله وأقاموا طبقة متنفذة من رجال الدين البوذي من أغنياء البوذيين لما في ذلك من مصالح لهم ولأتباعهم ويكفي القول ان اليهود وباسم تعاليم الخلاص من العبودية الظلم التي جاء بها موسى كتعاليم للسماء استخدموها نفسها لظلم الآخرين وقتلهم وكذا فعل أتباع يسوع بتعاليم المسيحية واستخدموا تعاليم صاحب من ضربك على خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر نفسها كتعاليم لإيقاع الظلم واحتلال بلاد الآخرين وتكفير وتجريم وقتل الناس باسم الله أيضا دون أن ترف لهم عين.
ما جرى مع الأديان الأخرى لم ينج منه الإسلام الذي انقسم بعد محمد عليه السلام بأقل من ثلاثين عاما بمقتل الخليفة الراشدي عثمان بن عفان وقد انفتحت بوابات جهنم ولم تغلق منذ ذاك التاريخ ووضع فقهاء البلاط القرآن الكريم في خزائن السلاطين وقدموا شروحاتهم وتفسيراتهم بديلا لذلك ولعل الإسلام هو أكثر الأديان على الأرض تمزقا وانقساما ويكفي أن نذكر بحديث الرسول محمد عليه السلام " وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة " وكأن الأمر مفروغ منه أصلا والأخطر من ذلك أن جميعها في النار إلا واحدة وهنا تم إطلاق العنان لكل من يرغب بإدارة قرص الحديث النبوي إلى مصلحته دون غيره فاكبر فرقتين في الإسلام وهم السنة والشيعة يعتقدون بصحة هذا الحديث ويوردونه لذاتهم دون غيرهم علما بان الكثيرين من دارسي الحديث يشككون بصحته ويؤكدون ضعف إسناده أيا كانت مصادره إلا انه يعتبر من الأحاديث النبوية الضعيفة, وما حادثة كربلاء ومقتل الحسين بن علي هناك وتأثيرها الى يومنا هذا إلا إثبات حي على طغيان المصالح على الدين.
بعد محمد عليه السلام انطلقت الخلافات ومنذ أن ظهرت تلك الخلافات وظهر الحكم الوراثي في الإسلام والأتباع من الفقهاء والمفسرين يعملون في خدمة السلاطين الذين سموا زورا وبهتانا بالخلفاء فلم يكن هناك خليفة واحد منذ معاوية لم يرث الحكم وراثة لا انتخابا ولا تكليفا ولا حتى القبول الصامت ولم يعد احد يعود إلى القرآن إلا لإثبات رأي إمام أو فقيه مع أن الأمر ينبغي له أن يكون العكس بحيث يستخدم رأي الفقيه لتفسير القران تحت طائلة الشك وينفذ الحاكم تعاليم القران أيضا تحت طائلة النقد لا أن تستقدم آيات القران لإثبات صحة هذا الفقيه أو ذاك أو صحة سلوك هذا الحاكم أو ذاك وقد سعى أئمة السلاطين إلى احتكار التشريع ومنع الغير من ممارسته وتشكلت طبقة من رجال الدين والفقهاء حول الحكام وأصبح كل من يخرج على رأي السلطان أو فقهائه كافرا والأمثلة على ذلك كثيرة كابن رشد والفارابي والكندي والجاحظ وبشار ابن برد وصالح بن عبد القدوس وأبو العلاء المعري والحلاج والرازي وابن سينا وعمر الخيام وغيرهم وغيرهم الكثير إلى يومنا هذا.
تماما كما كفرت محاكم التفتيش غاليلو, وجيوردا, ونويرنو, وكوبرنيكس, ونيوتن, وديكارت, وفولتير, ومنعت كتبهم, وطاردتهم وعذبتهم وبالغت بالتنكيل بهم أما اليهود فقد رفضوا دعوة النبي اشعياء وقاموا بقتله ونشره إلى نصفين بعد أن انتهى من لقاء تنويري معهم ثم قاموا أيضا بتكذيب ارميا وقتله وكذا فعلوا مع عديد أنبيائهم كحزقيل ودانيال وزكريا ويحيى, أما محاكم التفتيش الإسلامية فقد حرقت كتب الغزالي وابن رشد وقتلت السهروردي وقطعت أوصال ابن المقفع بل وشوتها على النار وأجبرته على أكلها حتى مات والقصص المشابهة لذلك لا حصر لها, فهم حرقوا كتب الغزالي وابن رشد رغم اختلافهما ومنعت كتب ابن حيان وألقيت بالماء وأتلفت وفي عهد أمراء الطوائف أحرقت كتب ابن حزم الظاهري ولا شك أن التاريخ يسجل جيدا حادثة إحراق مكتبة الإسكندرية وما لها من تأثير خطير على تاريخ الفكر الإنساني وكذا ما فعله الامبراطور الصيني ( شي هوانع تي ) عام 212 قبل الميلاد من حرق كل الكتب التي سبقت عصره ومطاردة الأدباء والفلاسفة والعلماء وقد قتل كل من تمكن من القبض عليه بلا استثناء.
لقد أخذ الصراع بين العقل والنقل أشكالا وأنماطا مختلفة بين الكثيرين من الكلاميين والفقهاء والفلاسفة ولعل الاختلاف في الرأي في هذا الموضوع بين كل من الغزالي وابن رشد كان الأكثر أهمية وجلاء وقد انتمى كلاهما لموقفين فقهيين مختلفين انعكسا تلقائيا على واقع الحياة السياسية في عصرهما, وكثيرة هي المسائل التي اختلفوا عليها وناقشوها أكانت لرأيهم أو لرأي من سبقوهم كابن سينا مثلا ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر بعض المسائل التي وصل الخلاف فيها بين الفلاسفة حد التكفير هي مسالة قدم العالم او القدوم والحدوث ( الواجب والممكن ) فعن ذلك قال الغزالي ناقدا لرأي ابن سينا " إن التخريج الذي قال به ابن سينا لا يثبت حدوث العالم (أي الخلق من عدم) بل تخريج يكرس القول بأزليته وقدمه ذلك أن وصف العالم بوجوب الوجود ولو بغيره يعنى أنه منذ أن كان هذا الغير أي الله والعالم موجود كما قال أيضا بفكر الأشاعرة في مسألة تراخي الإرادة بمعنى أن الله أراد منذ الأزل خلق العالم أي خلقه بإرادة قديمة وأراد منذ الأزل كذلك أن يكون هذا الخلق في الوقت الذى اختارته هذه الإرادة، ولكنه جادل في مسألة المرجح ", في حين ذهب ابن رشد إلى نقد ابن سينا والفارابي لابتعادهم عن الطريقة البرهانية في العلم الإلهي وفي نزوعهم إلى طرق جدلية كلامية يمكن التشكيك بها ببساطة وقال ابن رشد أن الطريقة الجدلية " يمكن التشكيك فيها على الرغم من أنها أعلى درجات الجدل والطريقة البرهانية تنطلق من كل ما هو مشاهد ومحسوس حيث أن المبادئ والمقدمات التي بنى عليها هذا الجدل ليست جوهرية أي من الحركة، وتسلسل الأسباب إلى السبب الأول، وحل قضية القدم والحدوث للعالم هو في سريان الحركة في الموجودات في الأرض وفي السماء فالخالق أو الصانع لكل شيء هو المحرك الأول الذى لا يتحرك فهو مصدر الحركة وهذه الحركة تجعل من العالم لا قديما ولا حادثا بل دائم الحدوث وهذا في نظر ابن رشد أقرب إلى مفهوم الحفظ الوارد في الشرع ،بمعنى أنكل ما في الكون يتوقف على المحرك الأول الذي لا يتحرك، فهو الحافظ لوجود العالم جملة وتفصيلاً ".
ابن رشد تعامل مع آراء الفلاسفة من المسلمين أو غيرهم بموقف عقلاني فاحص وقال عنهم وعن أفكارهم في كتابه فصل المقال " ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم، فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه ، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرناهم منه وعذرناهم " بينما كان الغزالي قد رفض التعاطي مع أفكار القدماء وبذا ظهرت مدرستان الأولى تعتقد بوجوب عدم النظر إلى كتب الحكمة العائدة للفلاسفة القدماء وقد حكموا بالكفر على من تعامل معها إلى أن جاء ابن رشد ليرد فتوى الغزالي ويؤسس لمدرسة جديدة تقوم على أصول المعقول والمنقول معا وهو ما كان أصحاب مدرسة الغزالي يرفضونه كليا باعتمادهم على المنقول ومع أن المنقول هنا – أي عند الغزالي ومدرسته – ليس نصا إلهيا بل هو إجماع الفلاسفة وبالتأكيد فان الإجماع برأيه هو إجماع من يؤمنون برأيه وبالتالي جاء ابن رشد ليعيد صياغة واقع الفكر بمحاولة توليفية موفقا إلى حد ما بين العقل والنقل ومع ذلك لم يسلم من التكفير إلى أن منعت كتبه وحرقت وحبس ثم نفي إلى مراكش إلى أن مات هناك.
رغم الاختلاف والخلاف الواضح بين فلسفة ورأي الغزالي وفلسفة ورأي ابن رشد إلا أن كتبهما تعرضت للحرق كلاهما فقد اصدر الأمير علي بن يوسف آل تاشفين أمر بالبحث عن كتبه ومصادرتها وإحراقها وصدر بهذا الشأن منشورا قال فيه " ..ومتى عثرتُم على بدعةٍ أو صاحبِ بدعةٍ، وخاصةً - وفقكم الله - كُتُبَ أبي حامد الغزالي؛ فليتبع أثرها، وليقطع بالحريق المتتابع خبرُها.. " إلى أن جمعها وقام بإحراقها بينما فعل الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور الشيء ذاته مع ابن رشد وكتبه حيث نفي إلى بلدة اليسانة القريبة من قرطبة

ومع ذلك فان أتباع الإسلام نفسه فيما بعد لم يعدموا الطرق لتسخير تعاليم الإسلام أيضا ضد كل ما هو غير مسلم علما بان القران والنبي محمد عليه السلام لم يقدموا هذه الصورة الدموية على الإطلاق فمن أين جاء الظلم في الأديان السماوية ولماذا ظل ظهور الظلم مرتبط بغياب الأصل فحين غاب موسى عليه السلام عنهم قليلا عاد ليجدهم قد بدءوا يعبدون العجل وما كان مع السفسطائيين في العصر اليوناني القديم اكبر دليل على ذلك.
لقد عاش الغزالي في الفترة الواقعة ما بين 1058 – 1111م بينما عاش ابن رشد في الفترة الوقعة ما بين 1126 – 1198م أي أنهما لم يتزامنا وإنما تتابعا ومع ذلك فان قرب الفترة الزمنية تشير إلى اهتمام المسلمين والعرب آنذاك بالفلسفة وشيوعها وما كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي والرد عليه بتهافت التهافت لابن رشد إلا تأكيد على انشغال العرب بالتفلسف أكثر من الفلسفة وحتى الخلاف الذي يحاول البعض تجذيره بين ابن رشد والغزالي حول الموقف من العقل وعلاقته بالنقل فهو موقف متخيل فالتعارض بينهما ليس مطلق ففي حين رفض الغزالي تحكم العقل بالنقل أو الحكمة جاء ابن رشد ليقول بانعدام التعارض بينهما وما اختلافهما الرئيسي أيضا في موضوعة السببية إلا إشارة واضحة إلى العودة للتوافق بالأصول والجوهر ففي حين يقول الغزالي بقصور العقل عن إدراك الفلسفة الإلهية بطرق التفكير والاستدلال وان التتابع أو التلاحق الزمني للموجودات بما في ذلك تسبيب صيرورة الأشياء لا تعني بالضرورة الارتباط بين ما حدث سابقا أو السبب وما سيحدث لا حقا أو المسبب ( العلة والمعلول ) وبرأيه فان ذلك يعني أن الإرادة الإلهية هي الفاعلة في الأشياء وبرأيه فان السببية باعتبارها أداة ربط الأحداث إضعاف للإرادة الإلهية وهو ينسب كل فعل إلى الإرادة الإلهية أكان ذلك بواسطة أو بدون واسطة, بينما يرى ابن رشد خلاف ذلك وليس عكس ذلك ففي رده مثلا على قول الغزالي باستمرار العادة يقول ابن رشد " ما أدري ما يريدون باسم العادة، هل يريدون أنَّها عادة الفاعل، أو عادة الموجودات، أو عادتنا عند الحكم علي الموجودات؟ ومحال أن يكون لله-تعالي- عادة، فإنَّ العادة ملكة يكتسبها الفاعل تُوجب تكرار الفعل منه علي الأكثر والله تعالي يقول (… وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا (62)الأحزاب، وإن أرادوا أنَّها عادة الموجودات فالعادة لا تكون إلا لدي نفس، وإن كانت في غير ذي نفس فهي في الحقيقة طبيعية… وإما أن يكون عادة لنا في الحكم علي الموجودات فإنَّ العادة ليست شيئًا أكثر من فعل العقل الذي يقتضيه طبعه، و به صار العقل عقلاً " وهو يعتقد أن إنكار الأسباب الفاعلة في المحسوسات تحديدا قول سفسطائي ومن يقول بذلك فهو براي ابن رشد " إما جاحد بلسانه لما في جنانه، وإما منقاد لشبهة سفسطائية " ويرى أن نفي السببية بهدف تمجيد عظمة الذات الإلهية وإبراز قدرتها هو إلغاء للإنسان ومكانته ودوره وحريته وهو يرى أن لكل موجود سبب يعطيه صفاته وميزاته عن ما عداه من الموجودات وان مساواة الموجودات جميعا فهو إلغاء للتمييز والنسبية بين الموجودات الشيئية أو غير الشيئية فالتمايز والنسبية قائمة بكل الأحداث والموجودات وبرأيه فان أصل المشكلة واختلافه مع الغزالي هو اختلافه مع رأي الغزالي القائل بان العلاقة السببية ليست علاقة منطقية صورية فالعلاقة هنا هي علاقة بين أشياء طبيعية ملموسة وموجودات مجسمة أو حادثة موجودة وبذا فلا يمكن لعلة الملموس أن تكون مجردة ولا يمكن ذلك أيضا للمعلول وهو يقف أي ابن رشد عند معضلة التساؤل عن الحل فيما إذا اعترضت الظروف طبيعية أو اجتماعية علة ما ومنعتها من إحداث معلولها فان علينا أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار على حد رأي ابن رشد وهو لم يوغل في تفسير ذلك رغم أهميته فالحال بالعصر الحديث مثلا والذي نرى فيه أن الحال القائم من ظلم وقهر تتعرض له الإنسانية بقيادة الامبريالية مثلا من المنطق لذلك كعلة أن ينتج معلولا يحدث تغييرا ونحن لم نصل لذلك فهل علينا اخذ ذلك بعين الاعتبار أم الإسراع للفعل لإحداث تأثير في العلة لصالح المعلول, وبكل الأحوال فان ابن رشد ينتهي أيضا نهاية واعية غير متناقضة مع رؤية ابن رشد من حيث جوهر الرؤية للدين وللذات الإلهية فهو ينتهي بالقول أن السبب الغائي هو سبب الأسباب أو الأصل لكل الأسباب وهو الله سبحانه وتعالى والذي بفضله تنتظم حركة الظواهر وتتواصل فهو إذن أي الله أصل كل الأسباب وجوهر وجودها وذاك لا ينفي الأسباب الموجودة أو الشيئية الملموسة مكانا وزمانا ورؤيا بل بالعكس يبرر وجودها ويعيدها لعلتها الأصل ويعتبرها معلولا بحد ذاتها فلا تشييء هنا للعلة الأصل أو المسبب للأسباب جميعها.
إذن لماذا حرقت كتب ابن رشد بل ولماذا من قبل حرقت كتب الغزالي فإذا كان ابن رشد ملحدا قائلا بأهمية العقل ومفضلا إياه عن النقل فان الغزالي قد سعى إلى منع العقل من القيام بدور الفاحص لما هو مطلق ومعيدا كل ما هو موجود للأصل نافيا عنه صفة الدنيوية وهو بالتأكيد ما أراده سلاطين الغزالي ومع ذلك حين تناقض دوره مع رؤية السلطان تخلص من أفكاره وحرقها وكذا كان الفعل مع الغزالي, ذلك يؤكد ان الفكر بمطلقه ملاحق من اعداءه الذين يريدون فقط ان يرفعوا الشعار النازي " الفوهرر يفكر عنا " وفي حالتنا السلطان وزبانيته يفكرون عنا لمصالحهم التي يريدون منا ان نقدس ما تقدسه وان ننصاع لما يرونه وان نحمل عقولنا على دين أفواههم فالسلاطين يبحثون عن قداسة حكمهم ويسخرون لذلك الفقهاء والفلاسفة والمثقفين قبل غيرهم والمقدس عندهم هو فقط ما يخدم مصالحهم وحكاية الوليد مع القران الكريم شاهدة وغيرها من الامثلة على ذلك.
عند الحديث عن العقل والنقل يتبادر لذهن القارئ فورا أن الحديث يدور عن ما هو مقدس من نص وبالتأكيد فان المقدس الوحيد إذن عند أتباع الديانات هي كتبهم المقدسة في حين نجد أنفسنا وقد وصلنا إلى تقديس الشروحات والقراءات للنص المقدس لا لذات النص المقدس فنحن نقرأ ونقتبس ونناقش ما كتب قبل ألف عام أو أكثر بكثير علما بان ابسط المدركات تقول بان المتغير كبير وان القدرة على المعرفة وما قدمته البشرية في العلوم بشتى صنوفها عظيم يستحق منا عدم الالتفات إلى تلك الشروحات ولا السماح بتقديس ما هو غير مقدس حتى بات التقديس يطال رجل الدين ومكان إقامته لا الدين نفسه وبذا فان دعوة العقل الى الثورة تأتي من باب التوقف عن تقديس ما هو خارج القداسة والمقدس هو الأصل وهو ما ينبغي العودة إليه لقراءته بضوء المتغيرات وعلى قاعدة أنها متغيراته وسواء أكان ذلك برؤية الغزالي أم ابن رشد فان كلاهما وان من بابين مختلفين يعيدان الأمور إلى أصل الأصول ومسبب الأسباب, فلم يعد احد اليوم يكلف نفسه عناء قراءة النص أصلا وتمحيص العقل به بضوء المعلولات الجديدة بل نكتفي بما فعله من لم يتسلحوا بكل ما هو جديد ووقفوا بنا عند حدود معرفتهم وعلمهم وهم بذلك يخالفون ابسط قواعد الإيمان الديني التي يقولون بها أنفسهم على أن المعلولات جميعا تعود للعلة المطلقة أو السبب المطلق وبذا فلا يجوز إدارة الظهر لموجود على قاعدة أن قاريء سابق للتعليل الأول كان يرى ذلك وهو ما يذهب بنا إليه أولئك الرافضين للإبداع معتقدين انه حق الهي يشابه الخلق مع أن هذا بالتأكيد يشكل قراءة خاطئة لمكانة ودور السبب الكلي أو العلة الكلية فرفض حقيقة الملموس الحقيقي الممكن هو تدخل بمكانة السبب الجوهري كمسبب للأسباب وبالتالي باعث على وجود معلولاتها الشيئية الملموسة أو المحسوسة.
ينبغي إذن استعادة مكانة العقل الأساس واخذ زمام المبادرة بتوطين النقل لأصل الأصول وعدم اعتبار التابع أصلا مطلقا لذاته فكل معلول محتمل التغير لمعلول جديد فحبة القمح هي علة للسنبلة والسنبلة علة للقمح الذي هو علة لأكثر من معلول فهو يعود كعلة بكل حبة منه لسنبلة جديدة وغلال جديدة لموسم جديد كما انه علة للخبز كمعلول يصبح علة من علل كثيرة لمواصلة الحياة وبالتالي فالطعام مثلا هو علة مقدرة من المعلل الأصل لكل العلل دون أن يمنع المعلول لذاته من التحول إلى علة لمعلول آخر فكل المعلولات وان تفرعت تعود للجذر المطلق, فإذا جاء من يجعل من القمح علة لمنتج جديد فهذا لا يعني انه تعدى على فكرة الخلق فلا احد يمكنه ان يتدخل بعلة العلل وإنما ممكن له أصلا كمعلول, فكل العلل على الارض هي معلولات وأحيانا تكون معلولات لذاتها كما هي حكاية البيضة والدجاجة أو حبة القمح والسنبلة وبذا فان جوهر العلل هو الاساس الذي يذهب به الفلاسفة حد الصمت والتوقف عن القول ومحاولة ابداع الرؤيا بعد ان سدت بوجوههم الآفاق دون ان تتوقف محاولاتهم النظر من خلف جدران الجهل الى ما بعد, ولذا لا يجوز مساءلة الباحثين كمنعهم من البحث او تكفيرهم لإثارة التساؤلات واستخدام شك سلما للوصول الى الحقيقة لان البحث جوهر المعرفة والمعرفة اساس الايمان.
نحن بحاجة اذن لتوطين النقل بتوطين القداسة وذلك بمنع التابع من صفة المتبوع فلا يجوز السكوت عن رأي قائل بقول ما فقط لأنه استخدم في شروحاته نصا مقدسا فما يجوز للنص الالهي لا يجوز ان يصبح متاحا للنص الانساني حتى لو استند الى المقدس فليس كل اجتهاد صحيح وليس كل تشريع مستند لمقدس مقدس فكل ما يرد من نصوص مقدسة يسوقها الباحث او الكاتب او المفتي او المشرع لتبرير رأيه لا تعطي لتلك الآراء قداسة المقدس بل تبقى على حالها محض رأي انساني قابل للنقاش ومتاح للنفي والإثبات فالمطلق جائز وقائم لأصل الاصول ولا يمكن للفروع ان تحمل صفات الاصول مع انها منها فالمعلول ليس العلة ولا بأي حال من الاحيان حتى لو كان منه وكل قراءة للأصل او تفسير له هي محض قراءة وتفسير لا يمكنها ان ترقى الى مستوى المفسر وإلا لما كان هناك داع اصلا لتفسيره.
اننا بحاجة ماسة اليوم الى توطين النقل أي عدم تركه شاردا بلا قيود ولا حدود فما يجري اليوم هو ترك الامور على عواهنها بحيث بات بإمكان من يرغب بإلزامك بتصديقه أن يفعل ذلك بمجرد ان يأتي بأي كلام ثم ينسبه الى صحابي ما دون ذكر اسمه حتى, ثم يتمتم ببعض الايات حتى لو لم يكن لها علاقة بالموضوع ليدعك مرغما على السكوت على قاعدة عدم القدرة على مناقشة النص الالهي علما انه بتدخل الشارح فقد النص قداسته وصار نصا تابعا لقائله او حتى لشارحه ونقاشه هنا هو نقاش الشرح لا نقاش الاصل وبذا فان توطين النقل يأتي من كلمة موطن والموطن هنا هو النص والنص الذي يملك حق القيام بدور الوطن هو النص الاصل تماما كما ان العلة التي تسبب معلولا لا تملك حق المطلق إلا في حالة علة العلل وسبب كل المعلولات فجواز تقديس الموطن لا يمنح القداسة لأبنائه بلا مناقشة والجواز هنا حكر على الاصل وطنا او نصا فلا خلاف على الوطن كما لا خلاف على النص لكننا نختلف مع حاكم الوطن وعليه كما من حقنا ان نختلف مع شارح النص وعليه وحين لا يجوز لنا الاختلاف مع شارح النص فإننا نقع بنفس حالة القمع الديكتاتوري للسلطة الحاكمة فكما ان منع مناقشة الحاكم او الاختلاف معه هو ديكتاتورية ظالمة فان ذلك ايضا ينطبق على الموقف من الشارح فمنع مناقشته او الاختلاف معه هو الغاء للرأي الآخر دون وجه حق كما يلغي الحاكم معارضيه جسدا يلغي الشارح معارضيه فكرا وقد يصل التحريض ضدهم الى السعي الى الغائهم جسدا أيضا.
حين نغيب العقل لصالح النقل فان التغييب يطال كل شيء فهو يقودنا الى التقديس الأعمى للنص أيا كان إلهيا او وضعيا فالمسلمون مثلا يقدسون القرآن الكريم وهذا التقديس خرج عن مكانه الصحيح وعن الهدف الحقيقي منه متحولا الى تقديس شكلي فالتقديس هنا أصبح على لمعلول لم يكن هدفا بحد ذاته وذلك يعني ان استخدام المعلول خارج نطاق أصله ومكوناته ومبرراته يعطي معلولا مختلفا عم المعلول المرجو ونحن هنا بدل تقديس المضمون وتحويله الى مصدر فعل متنامي رحنا الى تقديس الشكل ( راجع مقالتي صنمية الشكل عند العرب ) فنحن أمام مقدس ( بكسر الدال ) بات يقدس شكل النص لا مضمونه فهو يقبل القرآن كلما لامسه ويضعه بمكان خاص ويزركش جرابه الذي يضعه فيه والبعض يتحول الأمر لديه الى تقديس الحبر الذي طبعت به الحروف فلا يقبل بان يلقي بورقة عليها أي حرف من القرآن الكريم على الأرض أو في حاوية النفايات مثلا بل يتحول الى حرقها دون أدنى تفكير بان لا فرق بين من يحرق ومن يرمي وكان ذلك يعود بنا الى من يقدس النار في اللاوعي ليقبل بان يحرق المقدس بمقدس متناسيا ان النار هي وسيلة التعذيب للكفرة في الإسلام وبذلك فان المسلم هنا يتناسى كل الدعوات الإلهية في القرآن لإعمال العقل ويصبح تقديسه للكتاب المحسوس كورق ومغلف وحبر أشبه بالصنمية منه من القداسة العاقلة والإيمان الواعي المدرك لما يفعل وهو يشارك بأنشطة لا إرادية منقولة عن الغير لا علاقة لها بالله وقداسة تعاليمه بالفعل والسلوك لا بالشكل الملموس لذاتها بحيث أصبح الجسم المتشكل منه الكتاب هو المقدس لا مضمونه المغيب كليا وبلا وعي في غالبية الأحوال, في الكثير من الأحيان تجد القرآن ( الكتاب ) مشاركا في تزيين البيت أو المكتبة إما ككتاب أو كصورة ونحن هنا كمن قام بإحلال النص مكان مصدره وهو الله وحتى في حالة النصوص الوضعية فان الكتب والنصوص تتحول مع الزمن الى صنم ملموس وبذا تنقطع العلاقة الحقيقية بين المقدسين والمقدس أي بين من يعبدون النص وجوهره او مضمونه ويتحولون الى عبادة شكله بل والتفنن في أنماط وأشكال هذه العبادة وخلق طقوس لها كمن يقبل القران او يحرق الورقة التي تحوي كلمة ما من القران مع ان كل حروف وكلمات اللغة العربية موجودة أصلا في القران ما قبل الإسلام, حتى العقائد الوضعية كالشيوعية او الحزبية الاشتراكية او القومية أصبحت أيضا موضع قداسة فنحن نزين جدراننا بصور قادة وبأقوالهم وكذا مكتباتنا ويبدو واضحا ان الأمر يقودنا الى الاعتقاد ان تلك سمة شرقية ينقاد بها الشرقي الى تقديس النص وصاحبه كما هو الحال في الدين فلا يجوز لك في حالة الحزبيين التطاول على زعيم الحزب او حتى التحدث عنه بعيدا عن احترام مكانته التي تصل لدى البعض درجة القداسة وقد يستخدم الحزبيين أقوال الزعيم كنصوص مقدسة لإسكات من يجادلوهم او للتدليل على صحة وصوابية مواقفهم ومعتقداتهم وهم بذلك يتشبهون بالمؤمنين بالنصوص الإلهية وبذا فان التقديس في حياة الشرقي والعربي في المقدمة هو تقديس عاطفي بعيد عن الموضوعية والتعقل وإمعان الفكر في موضوع التقديس دون التقليل من أهميته فالقران الكريم يدعو الى استخدام العقل ( لعلكم تعقلون ) من سورة البقرة, ( لهم قلوب يعقلون بها ) من سورة الحج, ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) من سورة الأنفال, ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ...) من سورة البقرة, والأمثلة على ذلك كثيرة فقد ورد فعل العقل في القرآن الكريم في 49 موضعا وذلك يكفي للتدليل على أهمية العقل في الدين الإسلامي بأصوله وما الكلمة الأولى في القران الكريم إلا دلالة مطلقة على أولوية العقل على كل شيء ( اقرأ ) وهي أمر الهي لإنسان لا يقرأ ولا يكتب ولم يكن في زمانه كتابة ليقراها فهي إذن هنا تأتي بمعنى فكر واستخدم عقلك لتستدل على الصحيح وفي النص استخدم الله لنبيه دلائل لإقناعه أفلا يكفي ذلك ليقتنع البشر بأهمية العقل الذي أراد له الله ان يكون دليلهم ليستخدموه لا ليحنطوه.
نحن هنا إذن نسعى الى توطين النص داخل العقل والعودة الى النص الأصل لامعان العقل به لا لصالح نفيه بالضرورة بل لصالح إثباته عند الضرورة كما يفعل الكثير من المتعقلين في قراءة النصوص المقدسة لدى سائر الأديان ومنها الإسلام بالضرورة والتوطين هنا بمعنى إلغاء ما علق من شوائب مع مرور الزمن من شارحين جاهلين أحيانا او من مستخدمين من قبل الحكام وأصحاب السلطة والمتنفذين لأغراض مصالحهم وتثبيت سلطتهم, والتوطين أيضا بمعنى التثبت أي القراءة بهدف الفحص والتمعن بعيدا عن تأثير من سبقوا فلا يجوز اليوم مثلا ان تصبح كتب مثل صحيح البخاري ومسلم مقدسة بنفس القدر الذي يقدس به القرآن حتى أصبح البعض يكتفي بقول نص وإسناده الى البخاري ليصبح حقيقة مطلقة علمان ان البخاري ومسلم نقلوا حديثا عن الرسول عليه السلام يقول ( لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القران فليمحه ... ) ألا يكفي ذلك للتوقف مليا أمام كل النصوص التي جاءت بعد الرسول ومنع تقديسها وإخضاعها للعقل والفكر بضوء العصر وتطوراته فلا يجوز اليوم تقديس نص وضعه رجل ما في بلد ما قبل 1500 سنة ومن الجائز أننا لسنا بالضرورة أمام نصوص صحيحة فهي أتتنا من زمن لم يعرف الطباعة وبعضها حتى لم يعرف الكتابة وبذا يصبح التوطين بمعنى الاتكاء على الأصل على التوابع والعودة به الى العقل لا العودة إليه من خلال توابعه بما يوصلنا الى تقديس التوابع قبل الأصل وهذا بالتأكيد لا علاقة له لا بالإيمان الروحي ولا الإيمان العقلي.
.بقلم
عدنان الصباح