العالم بدأ بالتململ من قضيتنا بين طول الوقت ورتابة الأداء

بقلم: أكرم أبو عمرو

ودائما مع متابعتنا لما تشهده ساحتنا الفلسطينية في خضم صراعنا الطويل والمرير مع عدونا وأعدائنا ، ففي ظل ما يشهده العالم من متغيرات كثيرة وكبيرة ، منها ما هو مغموس بالدم ومعبق برائحة دخان القنابل والصواريخ وما تحدثه من خراب ودمار ، ومنها ما يجري بسلام وهدوء ، متغيرات تتبدل فيه وتتغير مواقع أولويات القضايا العالمية ، والإقليمية ، والمحلية ، فالقضية التي كانت تقف على رأس سلم الأولويات تراجعت إلى الدرجات السفلى منه ، والتي كانت تقف على الدرجات السفلى صعدت إلى الأعلى ، ففي البلاد العربية أصبحت القضايا الداخلية مثل الأمن ، والتنمية ، والانفتاح على العالم ، تقف على رأس أولويات هذه الدول خاصة بعد ما عرف في السنوات الأخيرة بثورات الربيع العربي ، وفي باقي العالم بدأت قضايا البيئة والمناخ والطاقة تقف على رأس الأولويات ، في خضم هذا التغير يقف الفلسطينيون منذ 68 عاما حاملين قضيتهم على كاهلهم كجثة هامدة ينظرون هنا وهناك باحثين عن مكان وزمان دفنها ، أو ربما ينتظرون غرابا يرسله الله من السماء ليريهم كيف يواروها ، قد يقول قائل أن هذه نظرة جد تشاؤمية وأقول : ماذا يعني بيان اللجنة الرباعية الصادر يوم 1/7/2016 ، وماذا يعني الاتفاق التركي الإسرائيلي الأخير ، ماذا يعني تراخي الدول العربية عن تاييديها للقضية الفلسطينية ، ماذا يعني تراجع قضيتنا على سلم الأولويات بين قضايا العرب والعالم ، لماذا كلما تقدمنا خطوة إلى الأمام ، نتراجع خطوات إلى الوراء ، اعتقد أن السبب يكمن في أن في أن العالم قد سئم من قضيتنا وبدأ في التململ ليتجاوزها ولن يلقي لها بالا فيما بعد ،هذا من ناحية من ناحية أخرى هو أن الاتفاق والتوافق لم يكونا من سماتنا بل من سماتنا الخلاف والاختلاف ، اذكر ثلاث محطات رئيسية في تاريخنا المعاصر تظهر فيها هذه الحقيقة ، بعد حرب عام 1967 واشتداد أوج المقاومة ضد الاحتلال كان هناك فريق ينادي بتحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر ، وفريق آخر على الاستعداد أن يقيم دولة فلسطينية على أي جزء يتحرر من فلسطين ، ولكن لا فلسطين تحررت ولا تحرر جزء من فلسطين لإقامة الدولة ، وبعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 وقف فريق ضد هذا الاتفاق على انه تنازل وتفريط بالحقوق والثوابت الوطنية ، وفريق آخر رأي فيه خطوة في طريق تحقيق الأهداف ، وها هي 23 عاما من المفاوضات دون أن يتحقق شيء من هذا الاتفاق ، ولا وجد البديل أو الخيار الآخر ، وفي عام 2007 كان الانقسام ، وأصبح كل فريق ينعت الآخر بعدم الشرعية ، وما زلنا نراوح حول من هو الشرعي ومن هو الغير شرعي ما يقارب العشر سنوات ، طوال تاريخنا اتسمت علاقاتنا الداخلية بالخلافات لم نتفق على برنامج نضالي وكفاحي واحد ، حتى في علاقاتنا الخارجية كان هنا خلاف كبير بين الفصائل الفلسطينية في تحديد نمط علاقاتها مع الدول الأخرى .

قمنا بالتعويل على المواقف العالمية والدولية ، في الحقيقة لم نر إلا بيانات وقرارات لا تساوي قيمة الحبر التي كتبت به ، لأنها طويت في الأدراج إلى الأبد ، بعد أن استطاعوا من إلهائنا بفتات المساعدات المادية وحتى المالية التي يذهب جزء كبير منها إلى موظفي ومستشارين وخبراء من تلك الدول التي سميت بدول مانحة .

اليوم استطيع القول أننا على أبواب مرحلة جديدة في تاريخنا مرحلة لا تبشر بخير ، من يقرأ بيان الرباعية ، ومن يدقق في حيثيات الاتفاق التركي الإسرائيلي ، من يدقق ويتابع ما يجري في الأراضي الفلسطينية خاصة في الضفة الغربية من أحداث تنذر يفلتان امني ، وعدم استقرار لمجتمعنا الغير مستقر أصلا جراء اعتداءات وممارسات الاحتلال ، من يتابع الخلافات حول الانتخابات المحلية المزمع تنظيمها في أكتوبر القادم ، من ينظر إلى الحصار الدائم والمحكم على قطاع غزة وأمور كثير لا يتسع المجال لذكرها ، إنني اذكر ذلك لا من قبيل التشاؤم ، بل من زاوية المشاركة في دق ناقوس الخطر الذي يقوم به الكثير من أبناء شعبنا كتابا ومثقفين ، للتذكير أن في أيدينا أوراقا لو تم استخدامها تعدل الأمور إلى الاتجاه الصحيح فعلى سبيل المثال لا الحصر ، كان من المفروض الرد على بيان الرباعية التي تطالب بسلطة جديدة في الضفة وغزة بان فلسطين دولة مستقلة باعتراف الأمم المتحدة وفق قرار 67/19/ لعام 2012 ، كان من المفروض أن تعلن عن انتخابات تشريعية ورئاسية بعد الانتخابات المحلية ، كان من المفروض البحث الجدي والعملي في إنهاء الانقسام بتنفيذ الاتفاقات التي تم التوقيع عليها ، لدينا خيارات تم الإعلان عنها بدلا من الضجيج والطحن في الماء . أمامكم فرصة ، اغتنموها قبل فوات الأوان.

بقلم / أكرم أبو عمرو