في كل مرة وفي إطار بحث الدول الغربية الإستعمارية وأمريكا عن مصالحها في المنطقة وخدمة لمشاريعها وأهدافها الإستعمارية تلجأ مراكز القرار والبحث فيها بالتعاون مع اجهزتها الإستخبارية الى اصطناع وإختلاق الحجج والذرائع والمبررات من أجل التدخل في شؤون الغير من الدول والبلدان التي تحكمها انظمة او تقودها قوى واحزاب لا تتفق مع رؤيتها واهدافها ومشاريعها في المنطقة أو تشكل تهديداً لها،وتصيغ ذلك التدخل والتدمير والخراب والقتل والتشريد ونهب الخيرات والثروات بيافطة وإسطوانة حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والإصلاح السياسي والتنمية الإقتصادية والرفاهية وغيرها من الشعارات الرنانة الطنانة التي سرعان ما تسقط أو لا تطبق اذا ما تعارضت مع اهداف ومصالح تلك الدول الإستعمارية الغربية وامريكا،قوى الطغيان والإستكبار العالمي،قوى الرأسمالية المعولمة المتوحشة،ومن هنا كانت أكذوبة القرن من أجل العدوان على العراق واحتلاله وتدمير مؤسساته وتفكيك جيشه وسلطته المركزية،وإدخالة في أتون حروب مذهبية وأثنية وقبلية وطائفية،أكذوبة إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،رغم كل لجان التفتيش الدولية التي عجت بالجواسيس لكل اجهزة المخابرات الغربية والأمريكية،ولم تأت على دليل واحد بإمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،ومن قبل أكذوبة العدوان على العراق وإحتلاله كانت اكذوبة زرع الكيان الصهيوني في قلب فلسطين،واليوم أكذوبة محاربة الإرهاب والتطرف الذي تصنعه وتمده بكل مقومات القوة من مال وسلاح واحتياط ارهابي بشري من أجل إحتلال بلاد الرافدين والشام كحوامل رئيسية للمشروع القومي العربي.
نحن تعودنا على دول الإستعمار الغربي وأمريكا يكذبون ويزيفون ويخدعون ويضللون،كلما تعلق الأمر بمصالحهم واهدافهم،ويدوسون على القيم والمعايير والقوانين الدولية،ومن بعد ذلك يخرجون علينا لكي يقولوا نحن نعتذر عن الأخطاء التي إرتكبت،يعتذرون ليس لشعوبنا التي دمروا بلدانها وقتلوا اطفالها وشعبها وشوهوه باليورانيوم المنضب،وإعادوا عجلة انتاجها الى ما قبل التاريخ الحديث "العصر الحجري"،بل مصير هذه الشعوب التي اغرقوها في مستنقعات القتل والدمار والتشريد واللجوء والفقر لا يعني لهم شيئاً،بل ما يعنيهم شعوبهم ومؤسستهم العسكرية.
في التقرير الذي صدر عن لجنة التحقيق المستقلة،لجنة السير جون شيلكوت قبل عدة أيام في لندن،والذي جاء بعد ثلاثة عشر عاماً من إحتلال العراق وبتأخير ومماطلة دامت لسبع سنوات،بعد تنقيح المعلومات والأحداث وأسماء الشخوص الذين وردت أسماؤهم في التقرير تحت حجج وذرائع الأمن القومي البريطاني،وبعد الإستماع الى أكثر من (150) شاهداً وعبر (130) جلسة استماع وفحص اكثر من (150) ألف وثيقة حكومية،لم نجد سطراً واحداً فيه اعتذار عن العدوان على العراق،بل الإعتذار عن الأخطاء المتصلة بالإعداد والتخطيط للعدوان على العراق والمعلومات الخاطئة من قبل المخابرات البريطانية،ولذلك هذا المجرم يقول بأنه لو كان الان في موقع القرار لأتخذ نفس القرار،وأنه اتخذ قرار العدوان بحسن "نية"،وأنه يجب على بريطانيا أن تتدخل في العراق،فالعراق والعالم ما بعد صدام أفضل عما هو عليه قبل صدام..؟؟،يمارس العهر والكذب علناً بدون أن يرف له جفن،أطفال شوههم النابالم واليورانيوم المنضب البريطاني والأمريكي ،خراب ودمار وقتل على الهوية،ونهب للخيرات والثروات وتقسيمات مذهبية وطائفية ومهجرين ومشردين فاقوا المليون عراقي،وبلد يقف على بحيرة نفط يستورد النفط،وطوائف بأكملها يمارس بحقها التطهير العرقي كاليزيدية،ويقول لك هذا المجرم العالم أفضل بعد صدام...؟؟
هذا المجرم يقول بأنه على العالم التدخل في سوريا فالنظام السوري أكثر سوءاً من النظام العراقي عشرين مرة،طبعاً فهذا النظام يقف حجر عثرة وشوكة في حلق كل غلاة المتطرفين الإستعماريين الغربيين الطامحين في المنطقة العربية،والتي يريدونها منطقة نفوذ و" بقرة" حلوب دائمتين لهم تقاد من قبل الدولة الصهيونية.
تأخير التقرير لمدة سبع سنوات وعملية “التدقيق الأمني” لا تعني غير حجب الحقائق أو “تزويقها” حتى يضيع دم العراق بين قبائل من زوّروها ولفّقوا ما ظهر يقينا أنه محض زيف؟ ماذا ينفع الآن وتوني بلير هذا لا يزال يدافع حتى يومنا هذا عن خياره! لا تهتزّ له قصبة، كيف لا وقد كافأه “العرب الرسميون” بأن نصّبوه “مبعوثا للرباعية الدولية للشرق الأوسط” بل منهم من قام بتعيينه مستشاره الخاص.
نحن ندرك جيداً بأن تدمير العراق وما يجري في المنطقة من تدمير وقتل ،كما حصل في ليبيا ويحصل في سوريا،هي يجري بدعم ومشاركة من نفس القوى،حيث أصبحت ايران هي العنوان والخطر على الأمن القومي العربي،والتي يجب محاربتها والتصدي لها،العراق الآن يوغل الإرهاب المتطرف في دم أبناءه،صحيح ضاعت هويته الوطنية على مذبح الطائفية والمسالخ الدموية،ونهبت خيارته وثرواته،ولكنه الأن يحاول لملمة جراحه،وما حدث في العراق حدث في ليبيا،حيث جرى الإستعانة بحلف الإطلسي من أجل إحتلاله وتدمرة،خدمة لقوى وجماعات الإرهاب المتطرف،التي يواجه شعبها نفس مصير الشعب العراقي.
بوش وبلير وبرادعي اعترفوا بعدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،ولكنهم لن يعتذروا عن عدوانهم وتقاريرهم الكاذبة،والمأساة التي سببوها للشعب العراقي،فلا توجد إرادة دولية قادرة على محاسبتهم ومحاكمتهم،فالأصل أن يجري جلبهم الى المحاكم الدولية ومحاكمتهم كمجرمي حرب عن قتل وتشريد ملايين البشر وما أحدثوه من دمار وخراب بسبب عدوانهم وتشويه لحياة البشر،ولكن من سيحاكمهم..؟؟
صحيح أنه ما ورد في تقرير شيلكوت إيجابي،ولكن هو تقرير خجول،فمن غير المعقول اهتزاز صورة بريطانيا وامريكا حاميتا حمى "الديمقراطية " و" الحرية" واعتبار قادتهما مجرمي حرب،ولكن هذا التقرير يجب أن يبنى علي لفضح وتعرية كل القوى التي تشارك في العدوان على أمتنا العربية،وفضح أهدافها العدوانية المتصلة بمصالحها ومشاريعها،وهي أخر ما تفكر به مصلحة شعوبنا العربية.
اعتقد جازماً بأن إشهار هذا التقرير جاء بعد التصويت الذي جرى في بريطانيا حول الخروج من الإتحاد الأوروبي،مما يستدعي المراجعة لسياسات الحكومة البريطانية،خاصة أن مصالحها وحتى وجودها في كياناتها أصبح مهددّاً بسبب تداعيات الحرب على سورية من هجرة لاجئين يتوجهّون في وقت الضيق الاقتصادي في الغرب إلى مقاسمة لقمة العيش مع مَن لم يعد يستطيع تأمين رفاهيته بسبب السياسات المغرضة التي تتبعها حكومات الغرب؟ كما ان ظاهرة الإرهاب التي أوجدوها بسبب الاحتلال والسياسات الداعمة له لاستنزاف القدرات العربية أصبحت تهدّد بشكل مباشر أمن واستقرار دول تلك الحكومات هي الحافز لمراجعة تلك السياسات؟ .
هذا التقرير كشف الحقائق امام المجتمع الغربي، ولكنه لن يُحصّل حقوق شعبنا في العراق الذي يتم تمزيقه وتفتيته ضمن خطة «الفوضى الخلاقة»..
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
9/7/2016
0524533879
[email protected]