تــركـيــا مــــرة أخــــرى

بقلم: طلال عوكل

لا تزال قضية المصالحة التركية الإسرائيلية خاضعة للتشكيك والتساؤلات الموظفة من قبل العديد من الصحافيين والسياسيين الفلسطينيين. تساؤلات تبحث عن "عظام في الكرشة"، حتى تصل إلى استنتاجات تتصل بالانقسام الفلسطيني.
الناس لا يزالون على استعداد للانشغال في البحث عن مبررات كل فريق لكيل الاتهامات للفريق الآخر.
مرة تساق تركيا كنموذج للدول الإسلامية، التي تبحث عن مصالحها وتضحي بمواقفها السياسية إزاء القضية الفلسطينية، لتصل الاستنتاجات في هذا الصدد إلى التشكيك بمشاريع الإسلام السياسي، وخذلان المراهنين عليه. البعض يتهم تركيا حتى يصل إلى اتهام حركة "حماس" التي تقيم علاقات جيدة بتركيا، على اعتبار، أو كأنها عقدت رهاناتها على تركيا التي ستحقق للفلسطينيين نصراً عجزوا هم عن تحقيقه، وأن ترفع عنهم مظالم الحصار.
وحين وصل الوفد التركي إلى قطاع غزة، للبحث في آليات تنفيذ ما ورد في اتفاق المصالحة مع إسرائيل بشأن الكهرباء، أو المستشفى ومحطة تحلية المياه، نهضت التساؤلات الاستراتيجية من نوع علاقة ذلك بالسياسة، وبالحقوق الوطنية الفلسطينية، وكأن تركيا تنازلت عن هذا النوع من القضايا لصالح قضايا إنسانية ثانوية وذات طابع إنساني.
من غير المنطقي أو المعقول أن تستمر هذه الطريقة من التفكير السياسي، خصوصاً إزاء تركيا وقطر، اللتين تقدمان دعماً للشعب الفلسطيني وقطاع غزة الأكثر حاجة إلى مثل هذا الدعم، ليس علينا أن نخوض في جدل عقيم حول دور هاتين الدولتين وسياساتهما في المنطقة والإقليم؛ ذلك أننا كفلسطينيين لسنا طرفاً فاعلاً بالقدر الكافي في شؤون الإقليم وما يتعرض له من صراعات وهزات عنيفة.
قطر قدمت وتقدم مئات ملايين الدولارات لإقامة مشاريع في مجالات مختلفة في قطاع غزة، يراها الناس بأعينهم ويستفيدون منها. مشاريع هم بحاجة ماسة إليها لتسهيل حياتهم الصعبة، فلماذا على البعض أن يتجاهل ذلك، ويهرب إلى إدانة الدور القطري سواء في العلاقة مع إسرائيل أو فيما يتعلق بدورها تجاه سورية وصراعات الإقليم؟
ولماذا تكون تركيا محل إدانة حين استعادت علاقتها مع إسرائيل، فننكر عليها ذلك، ونتناسى أن بعض العرب يقيمون مع إسرائيل علاقات من فوق ومن تحت الطاولة؟
تركيا لم تعترف بإسرائيل حديثاً أو في عهد حزب العدالة والتنمية ومنذ أن وقع ذلك عام 1949، شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تنوعاً واسعاً واستقراراً مديداً إلى أن وقعت أزمة أسطول الحرية، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تسعى في وقت ما إلى استعادة تلك العلاقات. لم تشترط تركيا على إسرائيل أن تسلم للفلسطينيين بحقوقهم، وقد حاولت فعلياً رفع الحصار عن قطاع غزة، لكنها لم تنجح مثلما لم تنجح أطراف عديدة.
ندعو هؤلاء المتشككين، والمتصيدين في المياه العكرة لكي يبرروا لأنفسهم عجزهم، أن يواكبوا زيارة وزير الطاقة التركي لغزة، فهو قد بدأ من رام الله حيث بوابة الشرعية، ثم على قطاع غزة، وبعد ذلك إلى إسرائيل.
هذه هي الأطراف المعنية بالمساعدة على تنفيذ التعهدات التركية كما وردت في اتفاق المصالحة مع إسرائيل، وباعتبارها ممرات إجبارية لتحقيق الإنجاز.
وبالمناسبة تركيا استمرت على سياستها في التعاطي مع الشأن الفلسطيني فهي لا تزال ملتزمة بالحقوق كما يراها الفلسطينيون وهي ملتزمة بالتعامل الرسمي مع الشرعية الفلسطينية وسفارة فلسطين في تركيا. لطالما كانت الأمور هكذا قبل أوسلو فالكثير من الدول بما في ذلك العربية، كانت تتعامل رسمياً مع منظمة التحرير الفلسطينية وسفاراتها وفي الوقت ذاته تقيم علاقات مباشرة، وتسمح بفتح مكاتب لفصائل المنظمة. ليس غريباً إذاً أن تتعامل تركيا مع حركة "حماس" أو أي فصيل آخر طالما أنها تتمسك بإعطاء الأولوية في التعامل مع الشرعية الفلسطينية.
المشاريع التركية لا تقتصر على قطاع غزة، وإنما تمتد إلى الضفة الغربية ولعلّ أهمها، المنطقة الصناعية في جنين فضلاً عن أشكال أخرى من الدعم. أما إذا كان معيار الحكم على الدول وسياساتها الموقف الحاسم من إسرائيل، وممارساتها التوسعية والإجرامية، فالمحاكمة لا ينبغي أن تبدأ مع تركيا طالما أن العديد من الدول العربية التي نحبها ونحترمها ونحرص على أفضل العلاقات معها، لا تخضع لهذا المعيار.
ليست تركيا هي المسؤولة عن الانقسام الفلسطيني، واستمراره كل هذا الوقت، فهذه مسؤولية حصرية أولاً وقبل الجميع على حركتي "فتح" و"حماس" ثم تالياً على بقية الفصائل العاجزة وبعد ذلك نتحدث عن الآخرين أشقاء وأصدقاء.
وبالمناسبة حين نتحدث عن تركيا ومثلها قطر، لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن ما تقدمانه من مساعدات، لا علاقة له بالسياسة، فهذه الدول التي تؤيد وتدعم العملية السلمية، ترغب بالتأكيد في أن ترى كل الفصائل بما في ذلك الإسلامية، وقد تبنت هذه السياسة، لكنها لا تستخدم هذه المساعدات لفرض سياساتها ومواقفها تجاه القضية الفلسطينية على أي فصيل.
مرة أخرى بعد الألف، على الفلسطينيين أن يبحثوا عن مصالحهم، كما يفعل الآخرون وألا يلقوا بأزماتهم ومصائبهم على الآخرين.

طلال عوكل
2016-07-14