ترتبط أجواء جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الإفريقية بملفات وقضايا جديرة بالمتابعة، فما الذي دفع العلاقات شبه السرية الخجولة بين تل أبيب وأهم العواصم الإفريقية إلى الظهور فجأة إلى العلن؟
تسليح الجيش المصري، خصوصاً بعد تزويده حاملة المروحيات "جمال عبدالناصر" وطائرات بعيدة المدى وتعزيز سلاح البحرية بالمدمرة "فريم"، وقرب حسم أسلوب تشغيل "سد النهضة" الإثيوبي، فضلاً عن الفراغ الذي تلمسه إفريقيا في العقود الأخيرة، ما يتيح لإسرائيل العبث في إفريقيا بأريحية، من أهم العوامل التي أدت إلى تغيير الأسلوب والمعادلة. فإفريقيا - التي ناصرت دوماً القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وعبَّرت عن تضامنها مع الفلسطينيين بعلاقات محدودة للغاية مع إسرائيل، سرعان ما تم قطعها في أعقاب حرب 1973 حيث وجدت دول القارة إسرائيل تعتدي هذه المرة على أراض إفريقية (ثغرة الدفرسوار) - باتت تتطلع إلى دعم مالي يمكن أن يتمثل في مساعدات فنية أو مادية تحت رعاية مسؤولين محليين يرغبون في تحقيق فائدة لمجتمعاتهم وفوائد مباشرة لأنفسهم أيضاً.
ودلالة اصطحاب نتانياهو 80 رجل أعمال في جولته، لا تخطئها العين، إلى جانب زيادة الملحقيات التجارية في إفريقيا.
الجولة شملت سبع دول لها علاقات طيبة تاريخية مع الدول العربية، لكن في ظل تبادل تجاري ضعيف للغاية، ما ساعد أطماع إسرائيل في إفريقيا للتبلور أمام الرأي العام. تل أبيب تستهدف تحجيم النفوذ العربي بربط تجاري وفني وأمني قوي مع دول إفريقية مؤثرة، إلى جانب تجارة الماس وتهريبه، ومساعدة قادة متورطين في جرائم حرب على النجاة من محاكمة أو إحراج، والتعاون الزراعي والمائي، حيث طالب قادة الصهيونية مبكراً للغاية بضرورة توصيل مياه النيل إلى إسرائيل تحت شعار "توزيع عادل للثروات المائية". بالإضافة إلى أن إسرائيل تعلم بأن الضغط عليها للتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، يتضاعف، وأن البديل للتجارب في النقب هو التعاون مع دول إفريقية لإجرائها هناك ودفن النفايات في أرضها.
موازين القوى المتغيرة في المنطقة وتنامي قدرة الردع المصرية في شكل خاص، دفعت إسرائيل أيضاً إلى إظهار التضامن مع إثيوبيا، خصوصاً بعد دخول حاملة المروحيات "جمال عبدالناصر" إلى البحر الأحمر، مع الأخذ في الحسبان أن سلاح جو دول إفريقية كبيرة لا يتجاوز العشرين طائرة، ما يعني أن امتلاك مثل هذه القطع البحرية بما عليها من مروحيات من شأنه أن يدعم المواقف السياسية المصرية ويوسع مجال المناورة والبدائل أمام صانع القرار المصري. ومن المعلوم أن تغيير موازين القوى للصراع يؤثر أيضاً في الروح المعنوية لدى المصريين وأصدقائهم، والروح المعنوية "لمناوئيهم المحتملين".
خروج سورية وقبلها العراق وليبيا من معادلة الأمن القومي العربي أضعف القدرة العربية على الردع، ومع احتمال تصعيد المؤامرات على مصر بعد 30 حزيران (يونيو) 2013، جاء التعديل الإيجابي لمصلحة مصر، ما خلق حالاً جديدة للأمن في البحرين الأحمر والمتوسط أيضاً لمصلحة مصر، بسلاح بحرية قوي وحاملتي طائرات (جمال عبدالناصر، ثم أنور السادات) ما استدعى من إسرائيل الإفصاح عن حجم تحالفاتها في القارة السمراء، وتأكيد أن الأمر لن يتوقف عند امتناع نيجيريا ورواندا عن التصويت لمصلحة القضية الفلسطينية أخيراً، للمرة الأولى.
يضاف إلى ما سبق رغبة إسرائيل المستمرة في تزوير التاريخ بحملة إعلامية مكثفة تروج لذكرى عملية عنتيبي التي اعتبرتها "بطولية"، مع تجاهل أن الأمم المتحدة أدانتها باعتبارها عدواناً على دولة ذات سيادة. تزوير التاريخ بدأ بأفلام سينمائية ومؤلفات كثيرة تُظهر بطولة العمل وعظمته وتتجاهل مشاركة ألمانيين في العملية، وتهاجم بضراوة الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك ورئيس النمسا بعد ذلك؛ كورت فالدهايم، والرئيس الأوغندي وقتها؛ عيدي أمين. تصريحات الرئيس يوري موسيفيني ذاته حول التاريخ والعلاقات بين إفريقيا وفلسطين والخلط بينها وبين إسرائيل الحالية يجب أن تكون محل مراجعة ديبلوماسية سريعة. التزوير الفج للتاريخ دفع مسؤولاً أوغندياً بارزاً، من جانب، وابن عيدي أمين من جانب آخر للتصريح بما مفاده بأن: "لا يجب أن نحتفل مع إسرائيل، الصواب هو أن نبكي موتانا ونطلب تعويضات من تل أبيب كما تفعل هي في حالات مماثلة".
بالنسبة إلى إثيوبيا، بات التحالف كاملاً وعلنياً، فهي الوحيدة التي خطب نتانياهو أمام برلمانها وتحدث عن تعاون أمني وفضائي وطبي أيضاً معها. هي إذاً جولة تاريخية، لم ترتكن إلى ما حققته جولدا مائير في جولتها الإفريقية كوزيرة لخارجية إسرائيل عام 1957 ولا لصندوق التعاون الدولي (لتقديم المساعدات إلى إفريقيا)، فنتانياهو قام بتدشين مرحلة جديدة توّجت العلاقات السرية الخجولة لسنوات بين دول في القارة السمراء وإسرائيل. فهل يكون ذلك على حساب المصالح العربية؟ وهل يمكن تقليل الخسائر والتداعيات؟ الإجابة تستدعي تعاملاً مختلفاً بتنسيق عربي ربما تمنحه جامعة الدول العربية مظلتها العاجلة بعد تسلم أحمد أبو الغيط منصبه، فلا يمكن أن نتركها نهباً لمخططات صينية وأطماع إيرانية وتركية، وصولاً إلى إسرائيل، و"بوكو حرام"، بينما نترحم نحن على صداقات قديمة ومساعدات حقيقية قدمناها إلى معظم تلك الدول من أجل تحررها من الاستعمار القديم.
أحمد فؤاد أنور
ّ * كاتب مصري