لا يمكن لأحد أن ينفي دور اي مناضل او قائد متواضع ، في مسيرة النضال والكفاح، لأن هؤلاء المناضلين والقادة لا يهبطون من السماء ، فهم يشكلون كاريزما، عندما تحملوا المسؤولية ، باعتبار ان المسؤولية تكليف وليس تشريف ، فهم لهم دورهم المتميز ، رغم محاولة البعض القفز عن ذلك ، لانهم لم يعلموا ان هؤلاء لهم جهد يتفاعل مع المجتمع.
ومن موقع ما نراه إن أخطاء البعض في محاولة استبعاد وتهميش لدور الآخرين من الوصوليين والمتزلفين ، ما هو الا نتيجة الثقافة البائسة التي لا تعرف العلاقات ، وهذا يعتبر مظهر من التخلف ولكن جوهره هو تردى وتدهور في واقعنا الراهن ، فهم لا يرون ما يجري من عجز تتجاوز تلك الإمكانية، لانهم مهووسون بالحاضر ، لهذا نقول لهم ان درب الانتماء والنضال يتطلب درجة من الالتزام والوعي في السلوك واتزان وتواضع وتسامح وثقافه ، هكذا يكون القائد والمسؤول ً، وإذا كان الزمن، قد وضع البعض في مسؤولية نتيجة ظروف ، وأنتج بشراً يرون القيادة في الطقوس والمرافقين والنبرة المتعجرفة والتعالي وتكاثر الألقاب الفارغة، فنحن تعلمنا وتربينا بواقع مختلف كليا ، لأن مفهومنا للقيادة سلوك وقدرة وشجاعة وبساطة.
وفي ظل هذه الاوضاع نقول ان مفهوم النضال يعني بالنسبة لنا التصاقاً حقيقياً بقضايا الجماهير، ودفاعاً مبدئياً عن الأفكار والقناعات واستعداداً واسعاً للتعلم من معطيات الواقع والتعامل معها والارتباط المصيري بقضايا الشعب والإنسانية جمعاء ، وممارسة الأخلاق في السياسة، والأخلاق في النضال، والأخلاق في الحياة، لقد عَلَمنَا الشهيد القائد ابو العباس ان المناضل يجب ان يمتلك إرادة فولاذية لاتؤثر فيها المغريات في كل الظروف الصعبة والقاسية.
ان الأزمة الراهنة التي نعيشها في الساحة الفلسطينية بعمقها هي نتيجة عقم بعض من يتحملون المسؤولية القيادية التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، من حالة مزرية، ألم يأنِ للذين آنسوا في تربّعهم على عرش في مواقع الزعامة والقيادة أن يضبطوا إيقاع أدائهم وممارساتهم حتى يروا معاناة الناس والبؤس الذي يلفّ ويحيط من كل جانب ، لذلك لا بد لأي عاقل إلا أن يتوقف امام ما نراه من مسلكيات خاطئة ويبحث عن الأسباب التي أدّت إليها لتحديد مكامن الخلل كي يتحدد العلاج الناجع، حيث لم يعد يفيد البكاء على الأطلال والتهرب من المسؤولية.
ان الآذان الصمّاء في احترام العلاقة بين القوى تفرغ العمل الوطني من دوره وفعاليته بعد ان أخذت الطابع الفردي ،بما سمح لحالات انتهازية أن تستشري، هكذا أصبحنا مبعثري الرؤية وطغت المصالح الخاصة على حساب القضية، فصار العمل مخزي، لانه من خلال هذا العمل لا يمكن الحفاظ على القضية وعلى ما تبقى من مكاسب ، لأن هذه العقلية الإقصائية التي يريدها البعض ستؤدي عمليا الى عدم التلاقي .
إن ازمة العمل الوطني الفلسطيني لا تكمن في مجرد طرح الغاية والرؤية فحسب ، بل في كيفية تحقيق هذه الرؤية ، الأمر الذي يستدعي التركيز على عملية تعزيز الشراكة الوطنية واحترام الاخر ، والتأسيس لصياغة وبلورة العلاقات بين الفصائل والقوى بما تمثله في اللحظة الراهنة والمستقبل ، وبما تمتلكه من مساحة كبيرة في قلوب وعقول وذاكرة شعبنا ، كأداة فعالة لها
وزنها وشأنها في نضالنا الوطني في كل الأوقات، والاستمرار في المسيرة النضالية لشعبنا العربي الفلسطيني من أجل تحقيق اهدافه في العودة والحرية والاستقلال.
إن انكشاف عمق الأزمة داخل الساحة الفلسطينية والتعامل بهذه الطرق بين هذا المسؤول او ذاك، يتطلب من المعنين العمل من اجل اعادة التعاطي بمفهوم نضالي حتى نصل الى سكة سليمة وأساليب العمل التي تمتز الفصائل والقوى الفلسطينية النضالية بهدف تحقيق العدالة الإنسانية.
من هنا نرى أن الترجمة العملية لمضمون العمل المشترك يجب ان يتوافق مع خياراتنا برؤية واضحة وآليات ملموسة، وبما يؤمن أساليب العلاقات ولنأخذ العبر من تاريخنا المعاصر في تجربة الثورة الفلسطينية التي تكاملت مع الجوانب النضالية ،هكذا يتصرّف المناضلين في تحمل المسؤولية وليس نشر المرافقين لهذا المسؤول او ذاك اثناء زيارته لمخيمه او مجتمعه على حساب مسؤول اخر او الاهتمام بهذا القائد على حساب مناضلين لهم تاريخهم ، لذلك نقول لهؤلاء المنهكون والمشغولون وعجزوا في قيادة سفينة ، ان المطلوب من الناحية الاجتماعية العمل على الحد من المشاكل اليومية من خلال ترسيخ القيم الاجتماعية والاحترام المتبادل وتكاتف المجتمع الفلسطيني،لهذا إن اللحظة مهمة ومهمة جداً، والمسؤولية تستدعي العمل على اقامة ورش عمل في المخيمات ايضا بين الفصائل والقوى والمؤسسات والمجتمع حوار منظّم وهادف لتحديد الثوابت والأهداف ووضع الآليات، كون هناك حلقة مفقودة ايضا بين الفصائل والقوى والمجتمع ، لهذا اقول ان المسؤولية لمن يتحملها لا لمن يحملها.
وسواء اتفقنا على هذه الرؤية أم اختلفنا فإنني أقول، ان انتماءنا الوطني والقومي يجب ان يكون بعيدا عن الشعارات والرومانسية والعواطف والمشاعر وألاحاسيس ، بل لا بد، أنْ تستند العلاقة بين القوى والفصائل والاحزاب إلى رؤى فكرية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، إنسانية، ومستقبلية شمولية موحدة تجاه المجتمع ولا بد، ايضا ان تستند إلى وعي سليم معافى ينهض على ثقافة وطنية عميقة ،وإذا لم يحصل ذلك فإن هذا الانتماء، بل الوجود الوطني برمته يصبح في مهب الريح، فإذا أردنا حقاً، أنْ نحصن واقعنا علينا ان ننزل الى الشعب ، ولا سيما في حالتنا الراهنة، وأن نعمل على تطوير وتعزيز العلاقة وتطويرها بين كافة فئات الشعب ، وان نسعى الى ابتعاد شعبنا عن العصبوية الفئوية، الطائفية، المذهبية، والافكار الإيديولوجية الانعزالية، التكفيرية، وفي النتيجة لا بدّ من أن نحفظ مجتمع حضاري منفتح بوصلته واحدة فلسطين، لا يقبل من حيث المبدأ، الإلغاء والإقصاء والتهميش والإرهاب بكل مظاهره وجنباته، ويرفض العنف بأشكاله المختلفة وتجلياته المتعددة ،علينا أن نوفق بين ما نأخذ من غيرنا، وما نستخلصه من تراثنا الإنساني بما يخدم الحاضر ويستجيب لمقتضيات المستقبل.
في هذه اللحظات ارى ان هناك وجوه لا تذوي أبدا داخل الذاكرة،وهناك وجوه كما الكلمات العابرة لا تحرك في الروح ساكنا، عبارة تلح في زمن زوال ملامح عنفوان الوجوه التي لا تملك دوامية حضورها كأثر فاعل ، وفي ظل غياب القدوة الثورية على مستوى عملنا الوطني تصبح الكتابة عن الرموزوالقادة العظام التي صاغت الوعي لدى أجيال متعاقبة مرتبطة بالهدف من رسالة الحرف وقدرته على التعبير عن الواقع الحاضر بكل إنكساراته وتراجعه من خلال التعمق في مجهر التجارب الثورية وإلا ماهي جدوى كل هذه المقالات التي لم تكتب عبثا في
وفي ظل هذه المسافة الراسخة والتي تجسد بشارةالتمسك بعالم المناضلين المختلفين بكل تفاصيل روايتهم النضاليةالمشرقة
ختاما : لا بد من التاكيد بأن هناك علينا ان نستفيد من الدروس والعبر، إذ توحد فيها الخاص والعام، وامتزج فيها النضال الوطني والاجتماعي، خاصة مع تطور مراحل المسيرة الفكرية والسياسية والكفاحية ، لأن المبادىء العظيمة التي حملها ونقلها القادة والمناضلين الشهداء للأجيال التي تربت في الثورة لازالت تتلألأ متوهجة في أحداق عيون المناضلين، تحميها سواعد المؤمنين حتما بتحرير الأرض والإنسان.
بقلم/ عباس الجمعة