العملية الإرهابية التي جرت امس في مدينة نيس الفرنسية وراح ضحيتها عشرات المواطنين الأبرياء قتلى والجرحى،تثبت بان الإرهاب لا وطن ولا دين ولا مذهب له،ولكن من الممكن أن يتجذر في مذهب او طائفة او دولة أكثر من غيرها.العملية الإرهابية البشعة والفاقد منفذوها الى كل معاني وقيم البشرية والإنسانية من الشذاذ والآفاقين مدانة من قبلنا كشعب فلسطيني،وهي عمل إرهابي إجرامي بإمتياز مقزز وحيواني،فنحن نقف ضد كل انواع وأشكال الإرهاب أي كان مصدره ومنفذه والجهة المستهدفة به،ولكن على فرنسا وكل دول الإستعمار الغربي وامريكا التوقف عن سياسة الكيل بمكيالين والتعاطي مع ظاهرة الإرهاب على قاعدة الإنتقائية وخدمة المصالح والأهداف،عندما تخدم القوى والجماعات الإرهابية مصالحها واهدافها في المنطقة او في أي مكان آخر في العالم تصبح قوى "حرية" وديمقراطية" وتتجند حكوماتها ومؤسساتها المسماة بحقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها للدفاع عنها،وعندما تتعارض تلك القوى والجماعات والأفراد مصالحها واهدافها مع الأهداف الأمريكية والغربية الإستعمارية تتحول الى قوى وجماعات إرهابية يجب محاربتها وإجتثاثها؟؟؟؟ !!! .
هذه المعادلة الإنتقائية والتي تميز بين إرهاب وإرهاب،إرهاب جيد يخدم المصلحة والهدف،وإرهاب سيء يتعارض مع المصلحة والهدف،هي من تعمل على توسع وتجذر الإرهاب في المنطقة وإرتداداته على داعميه او مشغليه،عندما تتعارض المصالح والأهداف،او عندما تشعر تلك الجماعات والأفراد،بأن داعميها وحلفائها سيتخلون عنها في سبيل مصالحهم واهدافهم،ونحن نلحظ كشعب فلسطيني وامة عربية اكتوينا ونكتوي بنار هذا الإرهاب تلك الإزدواجية والإنتقائية من خلال ما يرتكب بحقنا من جرائم وإرهاب منظم من دولة وجماعات وأفراد،لعبت وتلعب امريكا والغرب الإستعماري دوراً رئيسياً في دعمها ورعايتها وتمويلها وتسليحها وإحتضانها والدفاع عنها في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية.
شعب فلسطيني زرعت بريطانيا والقوى الإستعمارية على أرضه دولة الإحتلال الصهيوني،والذي إحتلت أرضه وطردت شعبه،وما زالت ترتكب الجرائم بحقه،وترفض عودته وفق قرارات الشرعية الدولية الى أرضه التي طرد وشرد منها منذ (68 ) عاماً بفعل العصابات الصهيونية،النتيجة المهزلة قرار لما يسمى بالرباعية الدولية في أكبر إنحياز للمحتل ونصرة للجلاد على الضحية،بالطلب من الضحية بالتوقف عن "عنفه" و"تحريضه"،بمعنى إدانة كفاحه ونضالاته،أليس هذا بحد ذاته دعماً وتشجيعاً للإرهاب..؟؟ شعب يعاني من ويلات الإحتلال وجرائمه،يطلب منه ان يعتذر لجلاده،أي "عهر" وإنتقائية هذه..؟؟.
وتتجلى بشكل واضح الإنتقائية والمعايير المزدوجة مع ظاهرة الإرهاب في ليبيا والعراق والضاحية الجنوبية وسوريا على وجه التخصيص،حيث القوى الإرهابية والإجرامية تم استجلابها من اكثر من 80 دولة في العالم،سلحت ومولت ودربت واحتضنت ووفرت لها القواعد والفنادق الفاخرة لقيادتها ومعسكرات التدريب،من أجل إعادة انتاج بنية وهوية وموقف سوريا كدولة،بما يتفق مع مصالح واهداف أمريكا والقوى الإستعمارية الغربية واسرائيل والقوى العربية " مشيخات النفط والكاز الخليجية" و"السلاجقة العثمانيين" في تركيا.
"القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" وغيرها من الألوية والتشكيلات الإرهابية "احرار الشام" "جيش الإسلام" ..الخ،تمارس كل انواع القتل والتخريب والتدمير على أرض سوريا،بدلاً من ان تقف امريكا والقوى الإستعمارية الغربية،كدول تدعي أنها "حامية" قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومحارب" عنيد" للإرهاب،وجدنا انها وقفت الى جانبها تمويلاً وتسليحاً وموقفاً وحضانة ورعاية،لا لشيء سوى تصفية حسابات مع النظام السوري الذي يقف بصلابة ضد اهدافها ومشاريعها ومخططاتها في المنطقة،فرغم كل الدلائل والشواهد على حجم جرائم تلك الجماعات،وما تمارسه من قتل وحشي وتدمير للإرث والحضارة الإنسانية،والتطهير العرقي الكامل بحق أثنيات وأقليات كاملة كاليزيدية في العراق ومسيحي الرقة في سوريا والموصل في العراق،ما زالت امريكا وأوروبا الغربية الإستعمارية وادواتها الخليجية العربية وتركيا تدعم إرهاب تلك الجماعات،لكي تستمر في خدمة مشاريعها واهدافها ومخططاتها في تفكيك وإعادة تركيب الجغرافيا العربية،وبما ينتج سايكس – بيكو إستعماري جديد على تخوم المذهبية والطائفية والثروات،وبما يضمن الأمن والبقاء والسيطرة لربيبتها اسرائيل في المنطقة لعشرات السنين القادمة.
نحن لا نشمت لقتل الأبرياء والمدنيين،أي كانت جنسيتهم وهويتهم في نيس او باريس او لندن او واشنطن أو حتى استطنبول والمدينة المنورة،رغم ان شعوبنا العربية عامة وشعبنا الفلسطيني خاصة اكتوى ويكتوي بنار الإرهاب الغربي الإستعماري واسرائيل،ففرنسا تاريخها وسجلها الأسود في الجزائر وقتل ما يزيد عن مليون ونصف جزائري،بدلاً من ان تعتذر عنه وتعوض شعب الجزائر،إستمرت في دعم الإرهاب والعدوان في سوريا وفلسطين وليبيا والعراق وغيره من البلدان العربية،وكذلك هي بريطانيا المسؤولة أولاً واخيراً عن مأساة الشعب الفلسطيني،وما حل من كارثة بالعراق جراء إحتلاله من قبل امريكا والغرب الإستعماري،إستنادأ لتقارير كاذبة زورها واعتمد عليها رئيس وزرائها انذاك المجرم بإمتياز قاتل اطفال العراق "توني بلير" ،وكذلك فعلت ايطاليا في ليبيا،وها هي القوى الإطلسية التي استقدمتها مشيخات النفط لإحتلال ليبيا،تمارس هي وعصابات "داعش" القتل والتخريب والتدمير والتفكيك في ليبيا،لكي تتحول الى دولة فاشلة.
نحن نقول اللهم لا شماتة يا "نيس"،ونعزي كل العائلات الثكلى التي سقط أبناؤها ضحايا لإرهاب "داعش"،ونتمنى الشفاء لكل الجرحى،هذا الإرهاب الذي يضربكم،هو نفس الإرهاب الذي يضرب في حلب ودمشق والكرادة وبغداد والضاحية الجنوبية وعدن وصنعاء واستطنبول والمدينة المنورة،وعندما تصل حكوماتكم العنصرية الى قناعة بأن حضانتها ورعايتها ودعمها للجماعات الإرهابية سيرتد عليها،حينها يصبح الحديث عن جبهة عالمية لمحاربة قوى الإرهاب ممكناً،اما ما زالت حكوماتكم ماضية في سياساتها الإنتقائية والإزدواجية في التعامل مع ظاهرة الإرهاب،فإنه سيستمر وسيتوسع في الضرب والتجذر،وسيزداد خطورة.
راسم عبيدات
القدس المحتلة - فلسطين
15/7/2016
0524533879
[email protected]