تركيا من كبري الدول الاسلامية ....والدولة الوحيدة ذات العضوية بحلف الناتو ...كما أنها من دول الاقليم ذات العلاقة الاستراتيجية بأمريكا واسرائيل ....وهي ذاتها الدولة التي أخذت على عاتقها بفعل سياساتها الخارجية تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد ....والفوضى الخلاقة ...وتقسيم المقسم ...وتجزئة المجزأ .
أي أن تركيا أردوغان عليهم دورا محددا لا زال يرسم لهم.... بما يجب عليهم تنفيذه لأنهم لا يخططون ...ولا يدرسون ....ولا يكتبون السيناريوهات ...لكنهم المنفذون الاوائل لكل ما يطلب منهم من مهام ....وسلوكيات ومواقف .
ما حدث في الليلة الطويلة ....وحتي صباح اليوم التالي ....بكل ما شاهدنا واستمعنا اليه حول قتل العشرات ....واعتقال المئات ....واسالة دماء الكثيرين ...وما جري من تصريحات وبيانات متلفزة ....وعبر وكالات الانباء فيه من الشبهة ...وعدم المصداقية والصحة الكاملة لأسباب عديدة أهمها :
اولا : الجيش التركي كما كافة الجيوش متواجدة بثكناتها العسكرية ولا تتحرك الا وفق أوامر عسكرية واضحة ومكتوبة ....وبعلم أجهزة الاستخبارات العسكرية ...والاجهزة الامنية ذات العلاقة والاختصاص ....اي بمعني أن خروج فرقة او مجموعه من القوات لا يتم الا وفق اليات واضحة ومحددة من قيادة الاركان ....وبالتالي فان التحرك لو كان مركزيا بقرار هيئة الاركان التركية لانتهى الموضوع خلال أقل من ساعة ...ولم يحدث ما تم الاعلان عنه من فشل تلك المحاولة .
ثانيا : الانقلابات العسكرية يتم مواجهتها بإجراءات عرفية ....وحظر للتجوال ...وحالة طوارئ وهذا ما لم يحدث في تركيا والذي يدلل على أن ما جري لم يكتب بطريقة صحيحة ...وكان اخراجه سيئا ...ومجموعة من مثل الدور كانوا ممثلين فاشلين .
ثالثا : أن تكون الجماهير المؤيدة أو المناصرة لأردوغان وحزبه جاهزة للنزول للشوارع والميادين ...والبقاء في مكانها بحسب الطلب ....مسألة يصعب تمريرها وتنفيذها بحالة الانقلابات العسكرية ....ونزول الجيش ودباباته وعتاده ....لأن الحالة الطبيعية بمثل هذه الحالات هو المنع من التحرك ...والزام الناس منازلها ...واغلاق المطارات والموانئ ....وليس عكس ذلك .
رابعا : لو كان صحيحا ما حدث وما أعلن عنه ....لكانت النتائج أكثر خطورة وفداحة ودموية في ظل معارضة تركية ذات قاعدة جماهيرية واسعة ...وفي ظل قيادة الجيش التركي وعناصره ....والمنتسبين له ....والمؤمنين بعلمانية الدولة ...والذين يأخذون مواقف معارضة لأردوغان كان بإمكانهم جميعا أن يحسموا الأمر بسرعة تفوق ما يمكن أن يتخذ من اجراءات من قبل أردوغان وحزبه .
خامسا : حتي لو كان السيناريو صحيحا ....وحتي ولو كان القائمين على التنفيذ قد فشلوا في تنفيذ وترجمة ما كتب ....فان هذا مؤشر خطير وينبه بمخاطر قادمة ....أن حكم أردوغان وحزبه قد قارب على الانتهاء لعدة أسباب من أهمها ....
أولا : قوة المعارضة التركية تزداد ضد حكم أردوغان وحزبه ودكتاتوريتة الواضحة ...وشخصيته التي أصابها الغرور ....والتي بدأت واضحة بالعديد من المواقف والاحداث خاصة في ظل الأزمة الروسية التركية .
ثانيا : ما حاول أردوغان ان يرسمه بسياساته وأن يرسخه في عقول المؤيدين له بأنه الرجل الصلب والعنيد ....أصابه الذوبان مع حرارة الشمس وسخونتها في أول خلاف مع روسيا .....وما نتج من اتفاق مع اسرائيل .
ثالثا : الأكراد والارمن وقوي المعارضة التركية تشكل قوة كبيرة اذا ما أضيف لها المتضررين من السياسة التركية ضد العراق وسوريا ومن يتخذون مواقف ليبرالية ضد حكم الاخوان ...اضافة لقوي اليسار واليمين والوسط ...التي تبدي معارضتها لحكم أردوغان وحزبه والذي يأخذ البلاد الي صراعات لا مصلحة لتركيا بها وما يولد ردود أفعال داخل الاراضي التركية من قبل قوي متطرفة تخرب على الاقتصاد التركي ...وعلى مجمل مرافق السياحة وأمن واستقرار البلاد .
رابعا : دول الجوار بتركيا في عداء مع نظام الحكم التركي لأسباب لها علاقة بالتدخل السافر بالشئون الداخلية لتلك الدول وخاصة سوريا والعراق وبعض دول الاقليم .
خامسا : تركيا والارهاب على ارضها يدفع ثمنه الشعب التركي .....بفعل تصرفات ومواقف النظام التركي وسياسية فتح الحدود ...وحرية التحرك من والي سوريا وحتي القارة الأوروبية بقوي تكفيرية ارهابية ....وما اتخذه النظام التركي من مساندة القوي التكفيرية المناهضة للنظام السوري ....وافساح المجال لتلك القوي التكفيرية بتهجير السوريين وقتلهم ....واغتصاب نسائهم ...وسرقة أبار النفط السوري وبيعها بالأسواق التركية .
سادسا : علاقة تركيا مع دول الاقليم تزداد سوءا ....بسبب محاولة السلطان الجديد استعادة مجد السلطنة ....والاستانه والذي ضاع مع صفحات تاريخ أسود ....لهذه الامبراطورية التي لم تسعف أحد .....بل أضرت بمعظم دول الاقليم.
سابعا : أن يكتب هذا السيناريو حول ما جري ليكون فرصة سانحة لقبضة حديدية ....وللمزيد من الاجراءات الدكتاتورية ....والاقامات الجبرية ...والاعتقالات والاقالات لجنرالات الجيش وقياداته في اطار ما يدبر وكأنه في اطار ردود الأفعال والحق الطبيعي في استخدام المتاح لوضع البلاد في أمان واستقرار ....كما يمكن أن يروج ويمرر .
لقد استغربت وأصابتني الدهشة..... عندما استمعت لكلمات الرئيس التركي أردوغان حول الارادة الشعبية التي يتسلح بها .....باعتبارها الفيصل والحاسم في هذه المواجهة ....ويبدو ان السيد أردوغان قد تناسي الارادة الشعبية المصرية ....التي خرجت بعشرات الملايين والتي كانت تطالب بإسقاط الرئيس المعزول محمد مرسي وحزبه .....والعجيب بأمر أردوغان تركيا وحزبه أن تكون على ذات موقفها .....بأن ما جري في مصر يعتبر انقلاب..... ولا يعتبر من وجهه نظرهم ثورة شعبية ...وتجسيد لإرادة شعبية...وهذا ما يؤكد عقم فكرهم المقلوب .
الكاتب : وفيق زنداح