أحد عشر عاماً منذ آخر انتخابات بلدية، عشر سنوات من الحصار، وعدوان تكرر ثلاث مرات في أقل من ست سنوات، طُحن فيه المواطن الفلسطيني في قطاع غزة بين سندان الفقر والبطالة ومطرقة الحصار والعدوان، وفاقم معاناته سوء إدارة البلاد، وغياب الخدمات، وتراجع الاهتمام بحاجة المواطن عجزاً تارة وغياب رؤية تارة أخرى، وتعامل مع الملف الحكومي وانتقاده على أنه انتقاص من المشروع الكبير وطعن في ظهر المقاومة.
فتم مصادرة الحق في المطالبة بتحسين الخدمات ونقد البلديات، اللهم “هاشتاج” في العالم الافتراضي يُقيم الشباب فيها الدنيا ولا تقعد، ثم تبدأ صباحاتهم في اليوم التالي على أنغام فيروز وفنجان القهوة والنسيم الذي يُداعب شعر الجميلة، وكأن شىء لم يكن.
كثيرة هى الأخطاء القاتلة التي تُنسب لسوء الإدارة والتخطيط لا لنقص الموارد والتمويل، ووضع الشخص غير المناسب في مكان غير مؤهل له، إما لحضوره مجتمعياً وإما لتقديمه التضحيات، أو وجوده كشخص متنفّذ في حزبه سواء في بلديات قطاع غزة أو في بلديات الضفة الغربية، ولطالما طالب الشعب بمتابعة التقصير في خدمات البلديات ومحاسبة المقصر دون استجابة من المسؤولين ودون تغيير وجوه، بل في بعض الأحيان ترقية المقصرين وكأن الرسالة المراد إيصالها لا نُعير للشعب وزناً ولا نُقيم لكلمات الشباب وحراكهم اعتباراً طالما بقوا أسرى العالم الافتراضي.
أُعلن من الضفة الغربية البدء بالتحضير للانتخابات البلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تلاه بيان لحركة حماس يُعلن قبوله إجراء الانتخابات والعمل على تذليل العقبات من أجل انجاحها، أعقبه بيان للجهاد الإسلامي يُبدي نيته دخول الانتخابات البلدية، فيما رحبت لجنة الانتخابات التي ستصل يوم الأحد لغزة والفصائل بموقف حركة حماس.
السيناريو المتشائم يقول أن حركة فتح أعلنت تنظيم الانتخابات البلدية لإظهار حركة حماس بموقف الرافض لها والمعطِّل لعجلة المصالحة حيث كان من المتوقع أن ترفض حماس الانتخابات، فيما قامت حركة حماس بالموافقة على إجراء الانتخابات كمناورة إعلامية تكتيكية وتركت تفاصيل التنفيذ للاجتماعات المغلقة، وكما يُقال يكمن الشيطان في التفاصيل.
السيناريو الذي نأمله أن تكون نوايا كل من فتح وحماس صادقة باتجاه إجراء الانتخابات البلدية على أمل اختيار أهل الخبرة والكفاءة في إدارة الشؤون الخدماتية، وعلى أمل أن تكون بداية تصحيح المسار وإنهاء الانقسام البغيض.
جرت آخر انتخابات بلدية بين عامي 2004-2005 نُفذت فيها المرحلة الأولى والثانية في 118 هيئة محلية بالضفة وغزة وفق نظام الأغلبية وفقاً لقانون رقم (5) لسنة 1996 ، فيما جرت المرحلة الثالثة والرابعة في 144 هيئة محلية وفقاً لقانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لسنة 2005 القائم على نظام التمثيل النسبي، الدعاية الانتخابية ارتكزت في حينه بشكل أساس على تصدير الشخصيات الحزبية البارزة والمعروفة مجتمعياً إما بتضحياتها وإما بحضورها التنظيمي، دون الأخذ بعين الاعتبار لمعيار الكفاءة والمهنية، ودون قراءة متمعنه للبرنامج الانتخابي ومؤشرات تحقيقه، مما أنتج رؤساء بلديات مختارين على أساس التنافس الحزبي لا المهني والذي أنعكس سلباً على واقع البلديات والخدمات المقدمة للمواطنين عموماً.
في حال تمت الانتخابات فأمام الشباب تحدي كبير، فهم أمام فرصة نادرة لاثبات حضورهم في مربع صناعة القرار التي تتصل بخدمة الناس مباشرة، والتي قد تكون رافعة في حال النجاح لصناعة القرار المتصل بالسياسة الخارجية وإدارة البلاد بشكل عام.
وهى فرصة أيضاً لمحاسبة المقصرين، وضخ دماء جديدة والتنافس في خدمة الناس وتحسين الخدمات المقدمة لهم وفق رؤية حقيقية تعتمد على المهنية والكفاءة بعيداً عن الشعارات المدوية ورفع سقف طموح الناس بما لا يمكن تلبيته، ووفق برنامج انتخابي واقعي قابل للقياس ووفق مؤشرات مرتبطة بجدول زمني قائم على الشفافية والمحاسبة.
وفق قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية فإن الشباب من سن 25 عام يحق لهم الترشح ضمن قوائم انتخابية ودفع ماقيمته 500 دينار أردني مسترد في حال الفوز بمقعد واحد أو الانسحاب قبل بدء الدعاية الانتخابية بيوم واحد، على أن تكون القائمة في الهيئة المرشحة لها لا يقل عدد المرشيحن فيها عن أغلبية مقاعد الهيئة.
وعليه فإن الشباب الفلسطيني مطالب بتجاوز الأحزاب والتنظيمات، وهو أمام خيارين إما الدفع باتجاه التصويت لمن يقدم برنامج انتخابي واقعي وواضح من أهل الخبرة والكفاءة دون النظر لاعتبار التضحية والحظوة التنظيمة والجاه الاجتماعي.
وإما أن يتقدم بخطوة جريئة ويقوم بتشكيل قوائم انتخابية من الشباب في هيئات مركزية بالضفة وقطاع غزة ويقوم بصياغة برنامج انتخابي واقعي على أن تُسند كل مهمة بالبرنامج الانتخابي لشاب قادر على تحقيقها من القائمة المرشحة في كل هيئة.
وليُحقق الشباب ذلك مطلوب منهم التنازل قليلاً عن حظوة النفس والتشارك للدفع بالأكثر قدرة على شغر الموقع دون أن يُزكي نفسه ويحطم غيره، علينا أن نلتف حول قوائم الشباب المستقلة وندعمها في حال كانت تستحق، دون التسابق والتساوق في مهاجمتهم والخوض في نواياهم.
معركة الانتخابات هى معركة لأجل تحسين الخدمات وصياغة مستقبل أفضل للمواطنين، ليست معركة حق وباطل وليست معركة بين تنظيمات علمانية واسلامية، وليست معركة انتقامية، هى وسيلة لمعاقبة المقصرين واختيار من نظن أنه الأكفأ، اختيار الكفاءة والمهنية ليست خيانة للحزب والدعوة لتمكين الشباب في صناعة القرار ليس حلماً بعيد المنال، الخيانة وضع الرجل غير المناسب في موقع تتعلق به خدمات آلاف البشر وهو لا يملك أبجديات تقديم الخدمة، والمستحيل أن يبقى الوضع الراهن على ما هو عليه دون أن يتقدم الشباب وتكون لهم كلمة الفصل.
بقلم/ م. محمد حسنة