فيما يرى البعض ان الرئيس التركي أردوغان قد خرج منتصرا وانه بات أقوى من أي وقت مضى، يرى البعض الآخر ان هذا الانتصار لن يستمر طويلا، وانه لا بد لأردوغان من دفع أثمان ربما لم يكن عليه دفعها لو لم يحدث الانقلاب.
محاولة الانقلاب التي فاجأت الكثيرين، ما كان لها ان تحدث لو ان الرئيس التركي لم يذهب بعيدا في غيه وشرعنته لطموحاته، التي اعتقد انها تمنحه الحق في إتباع سياسات أضرت واسْتَعْدَت العديد من دول المنطقة مثل سوريا والعراق ومصر وروسيا وسواها.
تلك التدخلات التي أقدم عليها أردوغان، لم تكن مقبولة بشكل كبير من قبل العسكر، خاصة في ظل الحرب المستمرة التي تخوضها تركيا منذ عقود ضد الأكراد الانفصاليين، بالإضافة إلى محاولاته الدءوبة بجر البلاد نحو "الدين" فيما يتمسك الجيش بمحاولة الحفاظ على علمانية الدولة، هذا الصراع المستمر منذ أعلن أتاتورك عن قيام الجمهورية التركية، وهو الإرث الذي لا يقبل الأتراك في المجمل بالتخلي عنه.
محاولة الانقلاب لم تكون مقبولة أيضا من قبل الأحزاب التركية بشكل عام، هذه الطريقة في تغيير الحكم بتركيا، والتي مورست عدة مرات، دفع ثمنها الشعب التركي الكثير، وبالتالي لم يكن الأمر مقبولا ليس فقط لحزب أردوغان، وإنما لجميع الأحزاب التي نددت بالمحاولة.
وقد كان لخروج الجماهير استجابة لدعوة اردوغان الى الشارع الدور الأبرز في إنهاء المحاولة والقضاء عليها، وهو خروج على اية حال لم يشكل مفاجئة كبرى، فبالإضافة الى التمسك بالخيار الديمقراطي، استطاع أردوغان ان يحقق ما لم يحققه احد ممن سبقوه، فهو قفز بالوضع الاقتصادي التركي، وانتقل به من اقتصاد متخلف وخزينة شبه خاوية ومديونية كبيرة، الى أحد أهم الدول الاقتصادية عالميا "16" من بين الدول العشرين الأقوى اقتصادا.
المحاولة الانقلابية التي يعتقد البعض انها ستقوي قبضة اردوغان على الحكم، ربما ستكون المحفز له بتغيير جذري في سياساته المختلفة على المستويين الداخلي والخارجي، فهو سيكون بين خيارين، إما التمادي في غيه والذهاب بعيدا في موضوع حصر السلطات في يديه كما شاء سابقا عندما أراد توسيع صلاحيات الرئيس، وإما التجاوب مع حركة ومطالب الشارع والأحزاب التي رفضت الانقلاب وتمسكت بالخيار الديمقراطي كسبيل وحيد للتغيير، إضافة الى إعادة النظر في التعامل مع الموضوع الكردي بحسب ما يراه الجيش.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فإما ان يتجه الرجل الى مزيد من التدخلات في دول الإقليم وهذا يعتبر مستبعدا، خاصة في ظل الإشارات التي أرسلها قبل المحاولة الانقلابية الى كل من سوريا وروسيا ومصر، وهو الأمر الذي يشجعه الجيش، أي إيقاف تلك التدخلات، عدا عما جلبته من مصاعب أمنية وتفجيرات في تركيا مما اثر على الأوضاع الأمنية، بالإضافة الى تأثير ذلك على السياحة التي تعتبر مصدرا مهما للعملة الأجنبية في تلك البد
القضية الهامة الأخرى، تتعلق بدخول تركيا في الاتحاد الأوروبي، حيث كانت تقترب البلد من التأهل لدخول الاتحاد، وقد أتت محاولة الانقلاب لتسهم في ان يصبح هذا الدخول ابعد مما كان عليه الأمر قبل ذلك، وهذا يعني ان عليه ان يعمل جاهدا من اجل إبقاء المسافة اقرب للدخول وليس ابعد.
وفي هذا الإطار، فإن فرضية ان نتائج الانقلاب وما يشاع عن إعادة حكم الإعدام ستبقى غير ممكنة التحقيق، وان تحققت فيمكن ان تطبق على نطاق ضيق أو لفترة معينة ربما، من اجل التخلص من بعض المعارضين، ومن ثم يتم إلغاؤها، لان من غير المكن دخول الاتحاد طالما هذه المادة موجودة.
لقد صار لزاما على اردوغان إنهاء ما أصبح يتردد في العالم من ان البلد تعيش أزمة حكم استنادا الى الانقسام الحاصل بين العدالة والتنمية من جهة، وبين جماعة فتح الله غولن، ومن هنا فان على اردوغان ان ينهي هذه المسألة بالسرعة الممكنة، وان يثبت انه ما زال متمسكا بالحكم الديمقراطي وبالتغيير الديمقراطي بعيدا عن الاستئصال والعزل والإبعاد والاجتثاث لمعارضيه، خاصة وان المعارضة التي ساهمت في إسقاط الانقلاب ستكون لها مطالبها بتوسيع الهامش الديمقراطي لا تضييقه.
أخيرا، فان على اردوغان، ان يثبت مجددا انه يقوم بدور الشريك الحقيقي في محاربة الإرهاب، وهذا لا يمكن ان يتم إلا من خلال التخلي عن تقديم أي نوع من أنواع الدعم لتنظيم داعش، وهذا بالتالي سيقلل من تدخل سوريا واندفاعها تجاه العداوة مع هذا البلد العربي.
بقلم/ رشيد شاهين