واضح بأن القمة العربية السابعة والعشرين التي ستعقد في نواكشط في السابع والعشرين من الشهر الحالي،ستكون الأضعف لجهة التمثيل فيها،حيث يغيب عنها معظم الزعماء العرب،وبالتالي القرارات فيها ستكون تكراراً للتوصيات التي اتخذها مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انعقد تمهيداً لعقد هذه القمة،وقرارت القمم العربية،لم ترتق لمرة واحدة الى مستوى العلاج الجدي للقضايا الخلافية العربية أو التحديات والمخاطر التي تواجها الأمة العربية في مرحلة يشهد فيها الوضع العربي المزيد من التشرذم والإنقسام والتخبط وفقدان البوصلة والإتجاه والرؤيا،وغياب الإستراتيجية والهدف الموحد والموقف الجامع.
الغياب القيادي العربي الكبير عن هذه القمة على مستوى الرؤساء والملوك والأمراء التي رفضت المغرب استضافتها تؤشر الى عمق الخلافات العربية حول الكثير من القضايا التي يتكتل فيها العرب وينقسمون الى محاور وتكتلات وبالتحديد في الأزمات السورية والعراقية واليمنية والليبية،ومن شأن هذه القمة التي تأتي على استحياء وخجل وبدون تحضيرات جدية أو توافقات او لحلحة في تلك الملفات الساخنة،ان يزيد من حدة تلك الخلافات ويفاقمها،وبما يعمق من حالة الإحباط واليأس عند المواطن العربي الفاقد للثقة بهذه القمم وقرارتها أصلاً.
القمم العربية لم يعد المواطن العربي يلتفت اليها أو يأخذها على محمل الجد،فهو تعود على كون قرارتها حبر على ورق وديباجات وصفوف من الإنشاء والسجع والطباق،وتكرار وإستنساخ مملين لإسطوانة مشروخة من قرارات قمم سابقة لم يجر تنفيذها أو ترجمتها الى افعال على أرض الواقع،لا في قضايا الأمن القومي العربي،ولا التنمية ولا التكامل الإقتصادي او تنفيذ المشاريع المشتركة،او المحاربة والتصدي لمسببات الجهل والتخلف والبطالة والفقر وغيرها،وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية البند الخاص بها محفوظ،التاكيد على دعم السلطة الفلسطينية مالياً وخيارها السياسي التفاوضي والكفاحي الشعبي من اجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران/1967 وعاصمتها القدس الشريف،ورفض الإجراءات والممارسات الإسرائيلية بحق القدس والأقصى وعدم شرعية الإستطان،والتمسك بمبادرة السلام العربية كخيار سلمي لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي،مبادرة مرحلة من قمة لأخرى وهبوط في السقف والمطالب،من اجل إقناع اسرائيل بالموافقة عليها لستر عورات طارحيها او المتمسكين بها مثل عبدة الأصنام،في ظل ليس فقط رفض اسرائيلي مطلق للشق المتعلق منها بالإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة،بل وحتى اشتراط قبول العرب بالتطبيع العربي- الإسرائيلي كمدخل للتفاوض حولها،وليس قبولها.
واضح أنه في ظل وضع عربي مهترىء،ووصول الحالة العربية وبلوغها مرحلة من التراجع والإنهيار غير المسبوق،حيث الأوطان القطرية تتقسم ،بفعل ومشاركة أيدي عربية الى جانب الدول التي تحمل وترعى تلك المشاريع،مشاريع الفوضى الخلاقة وإعادة انتاج سايكس - بيكو جديد بعد مئة عام على القديم،ولكن بشكل اكثر سفوراً ووقاحة،حيث يجري تفكيك وإعادة تركيب الجغرافيا العربية على تخوم المذهبية والطائفية والثروات،وما يترتب عليه من تحول للقطريات الى دويلات وكيانات اجتماعية هزيلة وضعيفة،يجري التحكم والسيطرة عليها عبر الأحلاف والإتفاقيات الأمنية مع "اسرائيل" وأمريكا والدول الإستعمارية الغربية،والسيطرة على قرارها السياسي وضمان نهب خيراتها وثرواتها وإحتجاز تطورها من خلال قيادتها مباشرة من قبل المركز الإقتصادي الرأسمالي العالمي في واشنطن.
هذه الحالة العربية المهترئة والرديئة،لا تجعل إنعقاد القمة العربية السابعة والعشرين يخرج عنه مخرجات او قرارات جدية وذات قيمة،أو انها ستشكل رافعة او تغييراً جوهرياً في الحالة العربية،لجهة لملمة الجراح ودفن الأحقاد والثارات،وصياغة مشروع عربي نهضوي،يضع العرب كأمة على خارطة الإقليم والعالم،ويستثمر في الإنسان العربي بإعتباره الرأسمال الذي يجب أن تعاد له كرامته ويمنح حقوقه وحرياته،ويعطي الفرصة للمشاركة في القرار والسلطة،بما يعزز من إنتماءه وقدرته على الإبداع والإنجاز والتغيير.
ما بين قمة لاءات الخرطوم الثلاثة لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل وما وصلنا اليه كأمة ودول عربية الآن،جرت في النهر الكثير من المياه،وحدثت الكثير من المتغيرات والتطورات والتحولات،فالنظام الرسمي العربي تعمقت ازمته البنيوية،وتغير الدور والوظيفة له سلباً،بحيث أضحى هذه النظام يلهث خلف الصلح والمفاوضات والإعتراف بإسرائيل،ويعتبر ذلك شكلاً من أشكال الواقعية والإنتصارات،حتى أن جزءاً من هذا النظام،لم يفقد البوصلة والإتجاه فقط،بل شارك في حروب التدمير الذاتي التي تشن على الأمة العربية،وجهد بكل إمكانياته وطاقاته من أجل حرف الصراع عن قواعده وأسسه من صراع عربي- إسرائيلي الى صراع عربي- فارسي،ونقل الفتنة المذهبية (سني- شيعي) من المستوى الرسمي الى المستوى الشعبي.
نظام عربي عاجز ومنهار،ينخره الفساد في كل مكوناته ومركباته ومؤسساته،تتربع على قمته قيادات حولت بلدانها الى مشاريع استثمارية عائلية وإقطاعيات خاصة،تنهب معظم خيرات وثروات شعوبها،تصادر حقوقهم وحرياتهم،وتمارس كل أشكال القمع والتنكيل بهم،لا توجد لديها أية خطط وبرامج تنموية،تنتشل مجتمعاتها من براثين الجهل والتخلف والفقر والجوع والبطالة،وقرارها السياسي مصادر وأموالها تتكدس في البنوك الغربية والأمريكية لا سيطرة لها عليها،وتدفع المليارات من الدولارات في سبيل حماية عروشها،وتقدم التنازلات في قضايا أمنها القومي وسيادتها،ولا تتورع عن تنفيذ ما يطلب منها على حساب المصالح العربية العليا،بما في ذلك تمويل وتسليح جماعات إرهابية تمارس القتل والتدمير والتخريب في أكثر من بلد عربي.
ما وصلنا اليه كأمة عربية من حالة مزرية،يجعلنا مقتنعين بأنه لا جدوى من عقد مثل هذه القمة،فبدلاً من أن تنشل الوطن العربي من واقعه المدمر والمفكك،وتعيد بناءه على أسس جديدة،يكون فيها مصلحة المواطن العربي وكرامته وحقوقه وحرياته وامنه وامانه لها الألوية القصوى،وأن تكون مسائل السيادة الوطنية والأمن القومي العربي استراتيجيات ثابتة لا مساومة عليها،فإن عقد هذه القمة في هكذا حالة ووضع سيعمق من الخلافات العربية،ويزيد من الإنقسامات الحاصلة،حيث يصر البعض على التخندق والتمسك برؤيته ومشاريعه،بأنه سيبقى يضخ المليارات من الدولارات والتسليح لجماعات إرهابية متطرفة،لكي تحقق له حلمه واحقاده الدفينة بإسقاط هذا النظام العربي أو ذاك.
بقلم/ راسم عبيدات